مقارنة بين خطابات "الأسد والشرع": بين القيادة الواقعية القريبة من الشعب والفلسفية باستعلاء سياسي
مقارنة بين خطابات "الأسد والشرع": بين القيادة الواقعية القريبة من الشعب والفلسفية باستعلاء سياسي
● أخبار سورية ١٥ مايو ٢٠٢٥

مقارنة بين خطابات "الأسد والشرع": بين القيادة الواقعية القريبة من الشعب والفلسفية باستعلاء سياسي

في خطاب جديد، أطلّ الرئيس السوري "أحمد الشرع" على الشعب السوري مساء يوم الأربعاء 14 أيار/مايو، مباركاً رفع العقوبات الأمريكية، عقب خطوات ولقاءات وحراك سياسي مكثف، كان الخطاب موجزاً لا يتجاوز التسع دقائق، شرح فيه مستجدات ماتم التوصل إليه من رفع العقوبات، وخطوات البناء لسوريا الحرة، والشكر للدول التي ساهمت وساعدت في هذا الإنجاز.

خطاب الشرع: بسيط، واضح، نابع من نبض الناس
في كلماته القليلة، أعاد الشرع صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين القيادة والشعب، وفتح صفحة جديدة من الثقة التي طالما فُقدت لعقود، وما ميّز خطاب الشرع، قبل أي شيء، أنه خُطاب موجه للعوام، جاء بلغة واضحة ومفهومة لكل الناس، خالية من الغموض والمصطلحات المعقدة، مباشرة في الطرح، واقعية في التشخيص، وصادقة في التوجه، لم يتحدث الرئيس بلغةٍ عليا أو فكرٍ متعالٍ، بل تحدث كواحد من الناس، لامس همومهم، وتحدث بلغتهم.

استعرض الرئيس أبرز الأحداث السياسية بشكل سريع ومقتضب، دون إسهاب أو استعراض، ثم وجّه رسالة واضحة للشعب، أعرب فيها عن تقديره لمعاناتهم، وشكر فيها من وقف إلى جانب سوريا، في الداخل والخارج، في مشهد لم يعهده السوريون منذ سنوات.

اللافت في هذا الخطاب، كما في خطاباته السابقة، أنه خلت تماماً من التصفيق والتهليل المصطنع، لم تُرفَع فيه صور الرئيس في الشوارع، ولم تُنظَّم مظاهرات تابعة لحزب البعث أو غيره تهتف باسمه. لم يكن هناك إيعاز أمني بتجميل الصورة، بل كانت الصورة جميلة بذاتها، لأنه لم يحتج لمن يُصفّق له، بل لمن يستمع ويفهم ويثق.

النتيجة كانت ارتياحاً شعبياً واسعاً، عبّر عنه السوريون في مختلف المحافظات، لأن الخطاب أعطاهم دافعاً حقيقياً للبناء والاستمرار، وأعاد لهم الإحساس بأن هناك قيادة تُخاطبهم لا تُخاطب عنهم، قيادة تؤمن بأن سوريا ملكٌ لشعبها، لا ملكٌ للرئيس.

خطاب الأسد: فلسفة فارغة واستعلاء معزول
وعلى النقيض، كان المجرم بشار الأسد خلال السنوات الماضية يطلّ على السوريين بخطابات تمتد لنصف ساعة أو أكثر، يتخللها كم هائل من الفلسفة الغامضة، والعبارات الركيكة، والمصطلحات المنفصلة عن الواقع، كأنه يُلقي محاضرة في مختبر لغوي مغلق، لا يخاطب فيها بشراً، بل يُمارس هوايته في تفكيك الكلام بدل فهمه.

غالباً ما حملت خطاباته رسائل مبهمة، غير مباشرة، ملغّمة بالإيحاءات، وكأنها موجهة للخصوم الأمنيين لا للشعب السوري. كانت الكلمات تحمل استعلاءً واضحاً، خالية من التعاطف، لم يستخدم تعبيراً مثل "الشعب السوري العظيم"، وإن فعل، فبأسلوب متكلّف، لا ينبع من احترام حقيقي.

خطاباته في مجلس الشعب كانت أقرب إلى عروض صوتية: تصفيق متكرر من الحضور، تطبيل جماعي، أبيات شعر مرتجلة، وأداء متشنج لا يخلو من العنجهية والتهديد والاتهامات. بدلاً من تقديم رؤية واضحة لحقيقة الوضع في الداخل السوري، كان ينشغل بتوزيع صكوك الوطنية، وتصنيف الدول إلى "صديقة" و"مدّعية الصداقة"، ويتهم من يشكك بسياسته بـ"الجبن" أو "العمالة".

لم يكن لخطابات الأسد صدىً في الشارع، لم يكن أحد ينتظرها، بل كانت تمرّ كما تمرّ نشرات الطقس: متوقعة، رتيبة، بلا حرارة. لم يكن فيها شيء يوحي بأن المتحدث رجل سياسي محنّك، بل بدا متقمصاً دور القائد الفذّ الذي لا يتنازل لشعبه ولا يراهم أهلًا للشراكة.

الفارق الجوهري بين "الشرع والأسد"
الفرق بين خطاب الشرع وخطابات الأسد المخلوع يتجلى بوضوح في عدة محاور: خطاب الشرع كان موجزاً وواضحاً ومباشراً، موجهاً بشكل أساسي إلى عامة الناس بلغتهم المفهومة، بعيداً عن التصفيق المبرمج أو المظاهرات المنظمة، مما جعله يلقى صدىً شعبياً واسعاً ويعيد الثقة والدافع للبناء والاستمرار. 


في المقابل، كانت خطابات بشار الأسد طويلة وغامضة، مليئة بالفلسفة والعبارات غير المفهومة، موجهة لخصوم وهميين بأسلوب استعلائي، ومصحوبة بتصفيق مبرمج ومظاهرات مرتبة وأبيات شعر متكلفة، دون أن تنتظرها الجماهير أو تترك أثراً حقيقياً في الشارع، بل زادت الفجوة بين الشعب والدولة، مع اتهامات متكررة للآخرين بالخيانة والتآمر بدلاً من تقديم رؤية واضحة.

قائد قريب، لا زعيم بعيد
الرئيس أحمد الشرع في خطابه الأخير، كما في سابقاته، أثبت أنه قائد قريب من الناس، لا زعيماً معزولاً فوقهم. لم يُخاطب النخبة وحدها، ولا الجهات الخارجية، بل خاطب الناس، ووجه حديثه لعامة الشعب، وأعطاهم ما يحتاجون إليه: الصدق، الوضوح، الأمل، والإرادة السياسية للإنقاذ.

ولذا، لم يكن الخطاب حدثاً إعلامياً فقط، بل لحظة وطنية حقيقية، أعادت ربط السوريين بالدولة، لا بالحزب، وبالوطن، لا بالشعارات، وخلاصة المفارقة: هكذا يُبنى وطن، وهكذا يُخرّب وطن.خطاب أحمد الشرع كان خريطة طريق لسوريا جديدة، بينما كانت خطابات الأسد مجرد تسجيل صوتي لنظام يحتضر.

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ