أكد فيصل يوسف، الناطق الإعلامي باسم المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS)، أن التحضيرات الجارية لعقد كونفرانس "وحدة الصف والموقف الكوردي" تسير بخطى واثقة ومدروسة، مدفوعة بإرادة حقيقية لإنجاح هذا الحدث السياسي المرتقب، موضحاً أن الإعلان الرسمي عن موعد انعقاده سيتم فور استكمال الترتيبات النهائية.
وقال يوسف في بيان صحفي نقلته وكالة "باسنيوز"، إن العمل على عقد الكونفرانس يسير بثبات، ويعكس إصراراً جماعياً ملموساً من أجل توحيد الرؤية والموقف الكوردي في هذه المرحلة الحساسة.
وأضاف أن "المخاوف التي تسود الشارع الكردي من احتمالات الفشل تبقى مشروعة، نظراً للتجارب السابقة"، مشدداً على أهمية "استخلاص الدروس من محطات التعثر الماضية وتفادي تكرار الأخطاء التي حالت دون الوصول إلى توافق شامل".
وأشار إلى أن المجلس الوطني الكردي "يُقدّر تطلعات وآراء أبناء الشعب الكوردي وأصدقائه ببالغ الاحترام"، مؤكداً أن المجلس ملتزم بتحقيق طموحات الشعب في إطار مشروع سياسي واضح يستند إلى اللامركزية والديمقراطية في سوريا المستقبل.
وشدد يوسف على أن "المجلس الوطني الكوردي يعتبر وحدة الصف خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه"، لافتاً إلى أن الجهود المبذولة في هذا الاتجاه لم تتوقف، وأن الكثير من الإجراءات التنظيمية والإدارية الخاصة بالكونفرانس قد أُنجزت بالفعل.
واختتم بالتأكيد أن الإعلان عن موعد انعقاد الكونفرانس سيتم في أقرب وقت، بعد الانتهاء الكامل من الترتيبات اللازمة، في خطوة تهدف إلى تعزيز وحدة الصف الكوردي وتحقيق التطلعات الوطنية الجامعة ضمن إطار سوريا موحدة وديمقراطية.
"إلهام أحمد" تتحدث عن مؤتمر كردي لتشكيل لجنة تشرف على صياغة مسودة دستور جديد لسوريا
أكدت إلهام أحمد، ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، خلال لقائها وفدًا برلمانيًا مشتركًا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في مدينة القامشلي، أن الحوار بين الأطراف الكردية لا يزال مستمرًا ونشطًا، مشيرة إلى وجود "نقاشات جادة حول تحقيق الوحدة السياسية".
ونقل موقع "Rudaw" عن أحمد أنها قدمت للوفد إحاطة مفصلة تناولت أبرز التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية، إلى جانب المساعي المبذولة لتوحيد الصف الكردي، والتحضيرات الجارية لعقد مؤتمر وطني جامع للأحزاب الكردية في 18 نيسان الجاري، تمهيدًا لتشكيل لجنة مشتركة تتولى مهمة الإشراف على صياغة مسودة دستور جديد لسوريا.
نحو دستور شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري
وأوضحت أحمد أن الخطوة التالية بعد المؤتمر تتمثل في تشكيل لجان دستورية تضم ممثلين عن مختلف مكونات الشعب السوري، مؤكدة أن هذه الخطوة تعد "أساسية قبل الشروع في أي عملية لصياغة الدستور".
وأضافت: "نحن بحاجة إلى دستور يعكس التعددية السورية ويضمن العدالة الاجتماعية، ويشكل أساسًا لانتخابات ديمقراطية حقيقية، لأن الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة دون وضوح في طبيعة النظام الانتخابي والقانون المنظم لها".
رؤية موحدة لفيدرالية دستورية
في أعقاب التحولات السياسية العميقة التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، عادت مسألة الفيدرالية لتتصدر المشهد السياسي في مناطق شمال شرقي البلاد. وتتمسك القوى الكردية، لاسيما المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بطرح الفيدرالية كنموذج حكم مثالي لحل القضية الكردية ضمن سوريا موحدة وديمقراطية، علماً أن روسيا كانت أول من طرحها إبان اجتماعات أستانا.
تؤكد القوى الكردية أن النظام الفيدرالي لا يهدف إلى الانفصال، بل إلى ضمان الحقوق القومية، والإدارية، والثقافية للكرد، وتمثيلهم دستورياً، ضمن دولة سورية موحدة. ويجري العمل على مسودة توافقية ستُعرض قريباً في اجتماع موسع يضم الأطراف الكردية السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات النسوية، وممثلين من خارج الإطارين الرئيسيين ENKS وPYD.
أكدت إلهام أحمد، ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، أن الحل السياسي الحقيقي في سوريا لا يمكن أن يتحقق دون تبني صيغة لامركزية تُراعي التعددية المجتمعية، مشددة على أن رفض هذا الطرح قد يقود البلاد إلى موجات جديدة من الصراع.
وجاءت تصريحات أحمد خلال مشاركتها في منتدى السليمانية في إقليم كردستان العراق، حيث قالت: "العودة إلى النظام المركزي كما كان قبل عام 2011 لم تعد واردة، إذ إن الأنظمة المركزية لم تكن سوى بيئة خصبة لتكريس الأزمات بدل حلها". وأكدت على أن "الاعتراف بالتنوع السوري وضمان حقوق الأكراد وباقي المكونات في الدستور هو المدخل الصحيح لبناء دولة عادلة ومستقرة".
وأضافت أحمد أن "الرفض المتكرر لفكرة اللامركزية لا يخدم الاستقرار"، معتبرة أن "غالبية السوريين باتوا يدركون أن الحل لا يكمن في إعادة إنتاج مركزية السلطة، بل في توزيعها على مختلف المناطق والمكونات"، نافية في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة للإدارة الذاتية بالسعي إلى الانفصال، وأكدت أن "اللامركزية لا تعني التقسيم، بل هي السبيل الوحيد لتفادي المزيد من الأزمات".
وفي ما يتعلق بالعملية الدستورية، شددت أحمد على أهمية إشراك جميع القوى السياسية والاجتماعية في صياغة الدستور، مؤكدة أن "الإقصاء أو تجاهل المكونات الفاعلة لن يقود إلا إلى الفشل"، وأضافت: "نحن نريد أن نكون جزءاً فاعلاً في صياغة دستور يضمن العدالة والكرامة لكل السوريين".
وعن العلاقة مع الحكومة السورية، قالت أحمد إن "الإدارة الذاتية تسعى إلى التوصل إلى اتفاقيات أعمق مع دمشق، تتعلق بمسارات الحل السياسي والدستوري وإعادة الإعمار"، مشيرة إلى أهمية التفاهم بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، لما يمثله ذلك من التقاء إرادات تسهم في تعزيز التماسك الوطني.
وفي تصريحات سابقة خلال استقبالها وفداً برلمانياً من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في مدينة القامشلي، وجّهت أحمد انتقادات لاذعة إلى الحكومة السورية، معتبرة أنها "تفشل في تمثيل التركيبة السكانية المتنوعة في البلاد، وتعتمد خطاباً عقائدياً سلفياً يتناقض مع قيم الدولة الديمقراطية". ولفتت إلى أن "النظام يحاول إظهار نفسه أمام المجتمع الدولي كمدافع عن حقوق الإنسان، فيما تنقض ممارساته اليومية هذا الادعاء".
وفي ما يخص العملية الانتخابية، أكدت أحمد أنه "لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة في غياب دستور واضح، يُحدد طبيعة النظام الانتخابي وشكل الحكم المستقبلي"، مشيرة إلى ضرورة التمهيد لمرحلة انتخابية ديمقراطية من خلال وثيقة دستورية تُجمع عليها مختلف الأطراف.
كما أشارت أحمد إلى أن مناطق الإدارة الذاتية تحظى بإعفاء جزئي من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، موضحة أن "الإدارة قدّمت للجانب الأميركي قائمة تحدد نوعية الاستثمارات المسموح بها وتلك التي لا تزال محظورة"، في إشارة إلى محاولات خلق فرص إنعاش اقتصادي ضمن مناطقها رغم الظروف الإقليمية المعقدة.
واعتبرت في ختام حديثها أن الشعب السوري، بكل أطيافه، "لن يتراجع عن نضاله من أجل الحرية والكرامة"، وأن "الإدارة الذاتية ستواصل العمل على ترسيخ نهجها السياسي في إطار حل سوري شامل، يضمن وحدة الأراضي السورية وسيادتها وعدالة التمثيل السياسي لكل مكوناتها".
أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن الوجود العسكري الروسي في سوريا لا يزال قائماً في المواقع ذاتها، مشدداً على أن موسكو تواصل حوارها المنتظم مع الحكومة السورية الجديدة، في إطار دعمها المستمر لسوريا خلال المرحلة الانتقالية.
وفي رده على سؤال حول طبيعة الوجود العسكري الروسي الراهن في الأراضي السورية، قال نيبينزيا: "القوات الروسية لا تزال في مواقعها كما كانت دائماً، ويجري حوار متواصل بين موسكو والحكومة السورية الحالية". وأضاف: "كما تعلمون، مبعوثنا الخاص زار دمشق مؤخراً، والرئيس فلاديمير بوتين تحدث مباشرة مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع".
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلن في تصريحات سابقة أن إدارته حريصة على بناء علاقات استراتيجية متجددة مع روسيا، مشدداً على أن أي شراكة مقبلة يجب أن تُبنى على قاعدة احترام سيادة الدولة السورية واستقلال قرارها السياسي، وضمن إطار يضمن استقرار البلاد ووحدتها.
يُذكر أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إلى جانب المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، كانا قد زارا دمشق في يناير/كانون الثاني الماضي على رأس وفد روسي رسمي، في أول زيارة من نوعها بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وخلال تلك الزيارة، أعرب الجانب الروسي عن دعمه الثابت لوحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية، وأبدى استعداده لتقديم كافة أشكال الدعم للشعب السوري، بما في ذلك المساهمة في جهود إعادة الإعمار وتهيئة المناخ السياسي والاقتصادي الملائم للمرحلة المقبلة.
تبدل الموقف الروسي عقب سقوط الأسد
أثار تبدل الموقف الروسي وكثير من الدول الداعمة لنظام الأسد، حالة من الاستغراب في أوساط أبناء الحراك الثوري السوري، بعد نجاحهم في إسقاط حكم الطاغية "بشار الأسد"، لتحاول تلك الدول في مقدمتها روسيا تبديل مواقفها وإظهار وجه آخر تجاه الشعب السوري، وهي التي مارست شتى أنواع القتل والتدمير وساهمت في "تثبيت الديكتاتور" حتى لحظة سقوطه.
روسيا تستضيف السفاح "بشار"
لم تكتف روسيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها في سوريا منذ تدخلها في 2015 لإنقاذ حكم "بشار الأسد"، بل عملت على حمايته بعد سقوطه من خلال منحه وعائلته وكبار ضباطه والمقربين منه حق اللجوء الإنساني، وسط تصريحات متبدلة تحاول فيها الخروج من مسؤوليتها على جرائم الحرب المرتبكة، دون أن تبادل حتى لتسليم الديكتاتور للمحاكمة العادلة.
حصائل الموت الروسية
في تقريرها السنوي الأخير عن أبرز انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015، تشير إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى تورط روسيا بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد هذه القوات.
ووفق الشبكة الحقوقية، تسببت القوات الروسية بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و978 سيدة (أنثى بالغة)، وما لا يقل عن 360 مجزرة، وأظهر تحليل البيانات أن العام الأول للتدخل الروسي قد شهد الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52 % من الحصيلة الإجمالية). فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 41 %) بين المحافظات السورية، تلتها إدلب (38%).
كما وثق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، جلهم في محافظة حلب، وكانت الحصيلة الأعلى لهؤلاء الضحايا في العام الأول، إضافةً إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، نصفهم في محافظة إدلب التي سجلت الحصيلة الأعلى بين المحافظات، وكانت الحصيلة الأعلى من الضحايا في العام الأول من التدخل العسكري الروسي (قرابة 35 %) وفق ما أورده التقرير. وسجل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
وطبقاً للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30/ أيلول/ 2023 ما لا يقل عن 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و61 سوق، وبحسب الرسوم البيانية التي أوردها التقرير فقد شهد العام الأول للتدخل الروسي 452 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية. كما شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 629حادثة، أي ما نسبته 51 % من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.8 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة.
لفتَ التقرير إلى أن السلطات في روسيا تنكر إلى اليوم قيامها بأية هجمات ضدَّ المدنيين، وما زال وزير خارجيتها يصرح مراراً أن التدخل الروسي شرعي؛ لأن هذا التدخل كان بطلب من النظام السوري ولمحاربة تنظيم داعش، ويؤكد لافروف بأنَّ بلاده مُلتزمة بقواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أنه يتجاوز فكرة أن روسيا لم تقم بفتح تحقيق واحد حول المعلومات المؤكدة على انخراط القوات الروسية في العديد من الهجمات بانتهاكات ترقى لتكون جرائم حرب بحسب عدد من التقارير الأممية والدولية والمحلية.
ووفق الشبكة، تورط النظام الروسي في دعم النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، أوضح التقرير أن روسيا استخدمت الفيتو مرات عديدة على الرغم من أنها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أن هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظام للإفلات من العقاب.
وأكد أن السلطات الروسية لم تَقم بأية تحقيقات جدية عن أيٍ من الهجمات الواردة فيه أو في تقارير سابقة، وحمل التقرير القيادة الروسية سواء العسكرية منها أو السياسية المسؤولية عن هذه الهجمات استناداً إلى مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني.
أعلنت وزارة الدفاع التركية أن قواتها تمكنت من تدمير ما مجموعه 121 كيلومتراً من الأنفاق التي استخدمتها عناصر "حزب العمال الكردستاني" (بي كي كي) و"وحدات حماية الشعب" (واي بي جي) في شمال سوريا، وذلك في إطار العمليات الجارية لتعزيز الأمن والاستقرار في مناطق العمليات التركية.
وقال زكي آق تورك، المتحدث باسم المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع، في مؤتمر صحفي عقده أمس الخميس في ولاية إسبرطة جنوب غربي تركيا، إن العمليات التي انطلقت في 8 يناير/ كانون الثاني 2025، أسفرت عن تدمير نحو 66 كيلومتراً من الأنفاق في منطقة تل رفعت شمال مدينة حلب، إضافة إلى 55 كيلومتراً آخر في منطقة منبج شمال شرق حلب.
وأوضح آق تورك أن هذه العمليات تأتي في سياق جهود أنقرة المستمرة لإرساء بيئة آمنة ومستقرة في الشمال السوري، تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم، مشيراً إلى أن العمل لا يزال جارياً لكشف وتفكيك الألغام والعبوات الناسفة والأنفاق المتبقية في المنطقة.
في أول ظهور علني له عبر شاشة "تلفزيون سوريا"، روى محمد عفيف بن أسعد نايفة، المعروف إعلامياً بلقب "حفّار القبور"، تفاصيل صادمة عن واحدة من أفظع الجرائم التي ارتُكبت بحق المعتقلين السوريين، خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
نايفة، الموظف السابق في مكتب دفن الموتى بمحافظة دمشق، كشف خلال المقابلة عن شهادات موثقة تتعلق بعمليات دفن جماعية طالت آلاف الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام السوري. وقد تحولت شهادته، التي سبق وأدلى بها أمام محكمة كوبلنز الألمانية والكونغرس الأميركي، إلى واحدة من أكثر الشهادات إيلاماً في الذاكرة السورية الجماعية.
بداية المهمة.. من موظف إداري إلى شاهد على الفظائع
ينحدر محمد نايفة من حي القدم الدمشقي، وكان يشغل وظيفة إدارية في مكتب دفن الموتى، حيث اقتصر عمله قبل الثورة على تعبئة الاستمارات ومعاملات نقل الموتى. لكن في عام 2011، تغيّر مسار حياته عندما استدعاه مديره وطلب منه مرافقة شخصين بلباس مدني إلى مقبرة "نجها" في ريف دمشق، ليُفاجأ حينها بشاحنة تحمل 335 جثة، تُدفن في مقابر جماعية ضيقة.
وأوضح نايفة أن الجثث كانت تُحشر في قبور فردية على شكل مجموعات، تصل إلى ثلاث جثث في القبر الواحد، وتم استخدام المقبرة المدنية كموقع لدفن الضحايا الذين قضوا في أقبية المخابرات السورية.
الانتقال إلى الخنادق و"الدفن الصناعي"
مع تزايد أعداد الضحايا، بدأ الحفر في خنادق جماعية يصل عمقها إلى ستة أمتار، تستخدم فيها الجرافات والبواقر. في بعض الحالات، كان يتم فتح البرادات الكبيرة لإلقاء الجثث مباشرة في الخنادق، التي كانت تُغطى بالتراب تدريجياً على مدى أيام.
وفي إحدى المهام، تعرّف نايفة على العقيدين مازن اسمندر وأيمن الحسن من المخابرات الجوية، الذين أشرفوا على عمليات الدفن بحماية من سيارات "الدوشكا" المنتشرة حول المقبرة.
من نجها إلى القطيفة: اتساع المقابر واتساع الرعب
بحلول عام 2012، ومع امتلاء مقبرة نجها، انتقل الدفن إلى منطقة القطيفة بالقرب من الفرقة الثالثة العسكرية، حيث كانت الخنادق أطول وأسهل للحفر. وأفاد نايفة بأن برادات الموتى كانت تصل من مختلف مستشفيات دمشق مثل المجتهد والمواساة وتشرين، وتضم ما بين 100 إلى 500 جثة يومياً.
وأشار إلى أن عمليات الدفن كانت تتم وفق جدول منظم بحسب المستشفى أو الجهة الأمنية المسؤولة، مؤكداً أنه دفن بيديه معارف له، من بينهم أصدقاء وجيران وأطفال، بينهم ضحايا يظهر على أجسادهم آثار تعذيب مروعة.
مشاهد لا تُنسى: أطفال في صناديق وأحياء يُدفنون
في شهادته المؤلمة، وصف نايفة جثة لامرأة تحتضن طفلها، وآثار التعذيب على أجسادهما، وأخرى لطفلة عمرها سبع سنوات قيل إنها توفيت بجلطة دماغية بينما كانت قد قضت نتيجة اغتصاب جماعي نفذه 11 عنصراً من الشبيحة.
وفي حادثة مروعة، كشف نايفة أن أحد المعتقلين كان لا يزال على قيد الحياة عندما تم إنزاله مع الجثث، حيث أُمر بدفنه حياً بواسطة جرافة، في مشهد قال إنه ما زال يسمع صوت تكسر عظامه حتى اليوم، وأضاف أن بعض الضباط كانوا يمنعون دفن الأطفال، ويأمرون بتركهم على الساتر الترابي، لتنهشهم الكلاب في اليوم التالي.
إشراف مباشر من أركان النظام
أفاد نايفة بأن عمليات الدفن كانت تتم تحت إشراف مباشر من ضباط كبار، من بينهم العقيد اسمندر والعميد عمار سليمان، أحد أبرز ضباط المخابرات الجوية، والذي كان، بحسب قوله، على اتصال مباشر مع رأس النظام بشار الأسد.
وأوضح أن الوثائق التي كان يحتفظ بها تضمنت رموزاً لفروع أمنية معروفة، مثل الفروع 215 و227 و251، وأنه كان ممنوعاً من الاطلاع عليها أو نسخها، مع إرسال نسخ رسمية إلى الجهات العليا، أشار إلى أن بعض الضباط كانوا يتفاخرون بعدد الجثث التي يرسلونها للدفن، ويعتبرونها "إنجازات أمنية" يُفاخر بها في الاجتماعات المغلقة.
تهديدات لعائلته ومعاناة نفسية حادة
نايفة تحدث أيضاً عن معاناة شخصية كبيرة، إذ تعرض ابنه للاختطاف مرتين، وتلقى تهديدات طالت عائلته وأقاربه حتى بعد مغادرتهم البلاد. كما أُجبر على الإقامة في المكتب التابع للمقبرة بحماية أمنية، وعاش في عزلة نفسية بسبب مشاهد الرعب التي ترافقه في نومه ويقظته.
قال نايفة إنه كان يسمع في كوابيسه أصوات الجثث تناديه: "لا تنسنا... لا تضيّع حقنا"، مؤكداً أنه فقد شهيته للطعام والنوم لأسابيع بسبب الفظائع التي عاشها.
من ألمانيا إلى واشنطن: شهادات دولية وتوثيق للجريمة
بعد خروجه من سوريا ووصوله إلى ألمانيا عام 2018، بدأ نايفة بالكشف عما في جعبته، وقدم شهادته في محكمة كوبلنز الألمانية ضمن ملف محاكمة العقيد أنور رسلان. كما زار الولايات المتحدة بدعوة من منظمات حقوقية، وأدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ والأمم المتحدة.
أوضح أن شهاداته أسهمت في فرض عقوبات على شخصيات في النظام السوري، وطالب بضرورة التمييز بين الشعب والنظام في تطبيق العقوبات.
رسالة ختامية: لا أطلب شكراً.. فقط العدالة
في ختام شهادته، وجّه نايفة رسالة إلى المجتمع الدولي قال فيها: "لا أطلب شكرًا، أريد فقط تحقيق العدالة. لقد حملت الأمانة وأوصلت صوت الضحايا، وأنا مستعد للإدلاء بشهادتي أمام أي محكمة سورية مستقبلية. هذه رسالتي أمام الله وأمام الشعب السوري"، وختم قائلاً: "ما رأيته لا يمكن وصفه بالكلمات، ولن يكتمل السلام في سوريا إلا حين يُحاسب كل من شارك في هذه الجرائم".
يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الجمعة، زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة له منذ سقوط نظام بشار الأسد، وهي أيضاً الأولى منذ زيارته الأخيرة لسوريا في 20 كانون الثاني/يناير 2007، التي جاءت حينها بدعوة من الرئيس المخلوع.
ويُجري الرئيس عباس خلال زيارته الحالية مباحثات رسمية مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحسب ما أكده السفير الفلسطيني في دمشق، سمير الرفاعي، في تصريح لوكالة الأناضول، حيث أشار إلى أن الزيارة تحمل طابعاً رسمياً وتندرج في إطار تعزيز العلاقات الفلسطينية السورية في المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يرافق الرئيس الفلسطيني في زيارته كل من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، وعضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، الذي أكد أن لقاء عباس بالشرع سيبحث في "العلاقات الثنائية والتهديدات المشتركة التي تواجهها القضية الفلسطينية والمنطقة".
لقاءات سابقة وتمهيد دبلوماسي
تأتي هذه الزيارة عقب اللقاء الذي جمع الرئيسين أحمد الشرع ومحمود عباس في 4 آذار/مارس 2025، على هامش القمة العربية الطارئة في القاهرة التي عُقدت تحت شعار "قمة فلسطين"، والتي أعادت ترميم كثير من الروابط العربية في ظل التغيرات السياسية الإقليمية.
وسبق هذه الخطوة، في كانون الثاني/يناير الماضي، زيارة وفد فلسطيني رسمي إلى دمشق برئاسة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، التقى خلالها بالرئيس الشرع في قصر الشعب، حيث ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون المشترك، وتوسيع التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المتبادل، خصوصاً في ضوء المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا بعد سقوط النظام السابق.
رسائل متبادلة بين الجانبين
وكان الرئيس محمود عباس قد بعث برسالة تهنئة إلى الرئيس أحمد الشرع بمناسبة توليه منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية، أكد فيها على متانة العلاقات التاريخية التي تجمع الشعبين الفلسطيني والسوري، معرباً عن ثقته بقدرة القيادة السورية الجديدة على قيادة البلاد نحو الأمن والاستقرار.
وفي مناسبة عيد الفطر المبارك، وجّه الرئيس الفلسطيني أيضاً برقية تهنئة إلى نظيره السوري، عبّر فيها عن تمنياته له بموفور الصحة والنجاح، وللشعب السوري بمزيد من الخير والبركة، مؤكداً وقوف فلسطين إلى جانب سوريا في مسيرتها الوطنية الجديدة.
لقاءات متواصلة ضمن مسار التقارب العربي
ويُذكر أن الرئيس أحمد الشرع أجرى سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من القادة العرب والدوليين خلال مشاركته في قمة القاهرة، كان من أبرزها لقاؤه بالرئيس الفلسطيني، الذي عُقد قبيل بدء أعمال القمة في مقر إقامة الرئيس السوري بالعاصمة المصرية.
وتحمل زيارة الرئيس عباس إلى دمشق أبعاداً رمزية ودبلوماسية كبيرة، كونها تمثل عودة التواصل الفلسطيني السوري إلى مساره الطبيعي بعد سنوات طويلة من القطيعة والتوتر بسبب موقف نظام الأسد السابق من الثورة السورية وملف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات سوريا، الذين تعرضوا خلال سنوات النزاع لانتهاكات موثقة طالت وجودهم وأمنهم.
ووفق خبراء، تُعد هذه الزيارة محطة مهمة ضمن الجهود الإقليمية الهادفة إلى إعادة تشكيل العلاقات العربية على أسس جديدة، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف بالمنطقة.
أثار ظهور وزير الثقافة السوري "محمد ياسين صالح"، في مضافة الشّيخ "فرحان المرسومي" في محافظة دير الزور، والمعروف بولائه المطلق للميليشيات الإيرانية، وتورطه في ملفات تهريب المخدرات وارتكاب انتهاكات كبيرة بحق السوريين، موجة انتقادات كبيرة للوزير، في وقت فتح الأمر ملف لم يكد يغلق وهو ظهور جديد لأحد أشقاء الرئيس "الشرع" خلال اللقاء ويدعى "جمال الشرع".
المرسومي، أحد أبرز أذرع "الحرس الثوري" في الشرق السوري، شكّل رأس الحربة في تجنيد أبناء المنطقة ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني، وساهم في إحكام قبضة طهران على مفاصل اجتماعية وعسكرية داخل دير الزور. كما لعب دوراً محورياً في إدارة شبكات تهريب السلاح والمخدرات، بغطاء مباشر من "الفرقة الرابعة"، مستفيداً من علاقاته الوثيقة بماهر الأسد.
المفارقة أن الوزير الجديد ظهر إلى جانب أحد أشقاء الرئيس "الشرع" دخلوا مضافته في دير الزور دون الانتباه لتاريخه الأسود بحق السوريين، هذا اللقاء فتح باب واسع من الانتقاد طال وزير الثقافة، وطرح المتابعون تساؤلات عن كيفية حضور الوزير لأي لقاء أو الاجتماع مع أي شخصيات دون ترتيب مسبق ومعرفة بماهية وطبيعة وتاريخ هذه الشخصيات، وهذا الأمر تكرر مراراً مع عدد من مسؤول الحكومة الجديدة، من خلال لقاء مع شخصيات بارزة متورطة في الدم السوري.
حجم الانتقاد دفع الوزير للرد والاعتذار وقال في منشور على منصة إكس: "في كل يوم يُطلب مني مئات الصور مع الناس، ولا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم وانتماءاتهم، أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة - غير مقصودة - مع أي شخص محسوب على النظام البائد".
رغم اعتذار الوزير، خرج الإعلامي "موسى العمر" للدفاع بأسلوب اعتبره كثير من النشطاء أنه مستفز ويتجاوز الحدود، قائلاً :"عذرا ً على تعبير (المشوشين) ظننت أن صورة معالي وزير الثقافة هي لشخص استوقفه في شارع (شبيح سابق) فغرد واعتذر، لكن اتضح أنه وقع في خطأ جسيم بتلبيته لدعوة لأحد امراء الحرب السابقين في مضافة، على يقين أن محمد صالح لا يعرفه وأقر بالخطأ واعتذر، فالتمسوا له عذر جهله بماضي الرجل وما اكثر الشبيحة (المقنعين).
في حقل آخر، أعاد المشهد اليوم فتح ملف مهم وموضع اهتمام واسع للسوريين بشكل عام، وهو دور وصلاحية أشقاء الرئيس "الشرع" مع الظهور لشقيقه "جمال الشرع" في ذات اللقاء مع وزير الثقافة، دون وجود صفة رسمية معلنة له في الدولة، مايطرح تساؤلات كبيرة عن أدوار "أشقاء الرئيس" في المرحلة القادمة، وعن ماهية الملفات التي تسلموها دون إعلان رسمي.
فالشعب السوري لديه حساسية متجذرة تجاه نمط الحكم القائم على الطابع العائلي أو تجاه بروز أقارب الرئيس وذويه في مواقع القرار ومفاصل السلطة، وهذا الأمر يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغليب سوء الظن على حسن النية وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى الثقة الشعبية الممنوحة للقيادة ويُضعف من رصيدها الرمزي والأخلاقي في نظر المواطنين، وفق تعبير أحدهم.
وسبق أن أثار تعيين الدكتور ماهر الشرع، شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، موجة واسعة من الانتقادات وردود الفعل المتباينة في الأوساط السياسية والإعلامية، وسط مخاوف من عودة منطق “المحاصصة العائلية” إلى مؤسسات الدولة الجديدة.
تعيينه في موقع الأمانة العامة للرئاسة خلفاً لعبد الرحمن سلامة، الذي أوكلت إليه مهام أخرى، فُسر على أنه مكافأة سياسية، خصوصاً بعد شغله سابقاً لمنصب وزير الصحة بالوكالة في الحكومة الانتقالية، ودوره في العمل الاستشاري في مستشفيات شمال سوريا.
تتولى الأمانة العامة للرئاسة مهام استراتيجية تشمل التنسيق المباشر مع الرئيس، وصياغة المراسيم ومتابعة تنفيذ القرارات، والتواصل بين مؤسسات الدولة. وهو ما جعل المنصب مركز ثقل سيادي أثار علامات استفهام حول دلالة تعيين شقيق الرئيس فيه.
عدد من الناشطين والحقوقيين عبّروا عن خشيتهم من أن يكون القرار بوابة لعودة نهج "الدولة العائلية"، إذ علّق الصحفي وائل التميمي بأن السوريين "ثاروا على حكم العائلة"، معتبراً أن تعيين أحد أقارب الرئيس في موقع بهذه الحساسية "خطوة للخلف في مشروع بناء دولة المواطنة".
يبدو أن حضور أشقاء الرئيس سيبقى تحت مجهر الرأي العام لفترة طويلة، في ظل رغبة السوريين بمؤسسات شفافة وقرارات بعيدة عن الشبهات، وبين اعتبارات الثقة ومقتضيات الدولة، تبقى التجربة قيد الاختبار، وسوريا الجديدة أمام لحظة مفصلية لتأكيد التزامها بمبادئ الديمقراطية والشفافية.
تواجه مئات العائلات في إدلب وحماة مأساة متجددة، حيث تتفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا نتيجة التحديات المتراكمة في القطاع الصحي، في ظل غياب الدعم وانهيار البنية التحتية الذي خلفه النظام السابق. وفي وقت تسعى فيه المناطق المحررة للنهوض من آثار الحرب، تبقى الفئات الأشد ضعفاً في مواجهة الخطر، في مقدمتهم مرضى الدم المزمنون.
توقف الدعم عن مراكز العلاج في إدلب
في محافظة إدلب، يشكو مرضى الثلاسيميا وذووهم من صعوبة الحصول على الخدمات العلاجية، لاسيما بعد توقف الدعم عن مركز كللي الصحي، الذي كان يعد أحد المراكز المتخصصة في تقديم نقل الدم والعلاج اللازم. وأدى إغلاق المركز إلى اضطرار المرضى للانتقال إلى مراكز بديلة في مدينة إدلب وسلقين وقاح، ما زاد من الضغط على هذه المرافق المحدودة أصلاً، وفاقم من التحديات التي يواجهها المرضى، خصوصاً في ظل أوضاعهم المادية المتدهورة.
النازحون المقيمون قرب مركز كللي عبّروا عن استيائهم من اضطرارهم لتحمّل أعباء إضافية تتعلق بالمواصلات، وغياب مركز قريب يوفر لهم الرعاية المنتظمة، وهو أمر بالغ الخطورة نظراً لارتباط علاج مرض الثلاسيميا بمواعيد ثابتة لجلسات نقل الدم.
نقص حاد في أكياس الدم بحماة
أما في مدينة حماة، فيواجه المرضى صعوبة متزايدة في تأمين وحدات الدم اللازمة، مع تراجع أعداد المتبرعين بشكل ملحوظ. وأشارت مصادر ميدانية إلى أن بعض المستشفيات باتت تشترط على المرضى تأمين متبرعين قبل كل جلسة علاج، ما يضيف عبئاً نفسياً وتنظيمياً إضافياً على ذوي المرضى.
وأكد عدد من الأهالي أن رحلة البحث عن كيس دم باتت مرهقة، تتخللها التنقلات المتكررة بين المستشفيات وبنك الدم، وسط تخوف دائم من عدم توافر الزمرة المطلوبة، لا سيما لدى أصحاب الزمر النادرة مثل O السالب، ما يهدد صحة المرضى ويعرضهم لمضاعفات قاتلة.
إلغاء وثيقة التبرع يزيد الأزمة
أحد العوامل التي ساهمت في تراجع الإقبال على التبرع بالدم هو إلغاء العمل بوثيقة التبرع، والتي كانت تُستخدم في السابق كأحد متطلبات القبول أو التوظيف لدى الجامعات والدوائر الرسمية، ما جعلها دافعاً عملياً لكثير من المتبرعين.
في غياب هذا الحافز، ومع ضعف حملات التوعية والتشجيع على التبرع، باتت بنوك الدم في حماة عاجزة عن توفير الكميات المطلوبة، في وقت يشكل فيه تأخير جلسة نقل الدم خطراً داهماً على حياة المريض، خاصة أن من يعاني من الثلاسيميا بحاجة إلى نقل دوري للدم لتفادي فشل الأعضاء أو مضاعفات مميتة.
أدوية غير متوفرة ومضاعفات خطيرة
ويواجه المرضى أيضاً صعوبة في الحصول على أدوية إزالة الحديد الزائد (أدوية التخلب الحديدي)، التي تعد ضرورية لتقليل الأضرار الناجمة عن نقل الدم المتكرر، في ظل غياب الدعم الطبي الكافي وارتفاع أسعار هذه الأدوية إن وجدت في السوق.
حلول مطروحة تنتظر الدعم
رغم هذا الواقع المؤلم، ثمة مقترحات عملية من شأنها تخفيف حدة الأزمة، أهمها إعادة تفعيل حملات التبرع بالدم في المراكز التعليمية والدينية والمجتمعية، إضافة إلى ضرورة توفير الدعم المستدام لمراكز الثلاسيميا عبر التواصل الفعّال مع المنظمات الصحية والجهات الداعمة، لتأمين التمويل اللازم لتشغيلها وضمان استمرار تقديم الرعاية للمصابين.
في ظل هذه الظروف، تبقى معاناة مرضى الثلاسيميا في إدلب وحماة شاهداً على الحاجة الملحّة لإعادة بناء نظام صحي عادل وفعال في سوريا، يُراعي احتياجات المرضى الأشد ضعفاً، ويوفر لهم الحق الأساسي في العلاج والحياة الكريمة.
سلّط تقرير مطول نشرته مجلة "فورين أفيرز" الضوء على أهمية مراجعة واشنطن لسياستها تجاه سوريا، في أعقاب التحول السياسي الذي شهده البلد بسقوط نظام بشار الأسد، مؤكداً أن الدعم الأميركي للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا ترافق مع خطوات حقيقية أبرزها سحب القوات الأميركية ورفع العقوبات التي أنهكت الشعب السوري.
التقرير الذي أعدّه كل من ستيفن سيمون وجوشوا لانديس، اعتبر أن القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة في المدى القريب ستكون حاسمة في تحديد قدرة الحكومة السورية الجديدة على بسط سلطتها، وإعادة بناء الدولة المنهكة بعد أكثر من عقد من الحرب.
وأشار الكاتبان إلى الحالة الإنسانية والاقتصادية المتردية في سوريا، حيث يعيش أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر، فيما تقلّص الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل الثورة إلى 10 مليارات فقط، في وقت تتجاوز فيه تقديرات إعادة الإعمار حاجز الـ400 مليار دولار. وهو ما يفرض، بحسب التقرير، فتح الباب أمام الحكومة الجديدة لالتقاط الأنفاس، بدلاً من الاستمرار في تضييق الخناق عليها.
ورأى التقرير أن الرئيس أحمد الشرع أظهر إشارات إيجابية في قدرته على إدارة المرحلة الانتقالية، من خلال التواصل مع مختلف المكونات السورية، بما في ذلك الطوائف المسيحية والدرزية، واهتمامه بحقوق المرأة، فضلاً عن انفتاحه على المساعدات الغربية والمنظمات الإنسانية.
ووفقاً للتقرير، فإن أفضل سيناريو ممكن لسوريا والمنطقة هو قيام دولة موحدة ومستقرة قادرة على خوض مفاوضات إقليمية بناءة تضمن الاستقرار طويل الأمد. أما البديل، فيتمثل في بقاء سوريا كدولة منقسمة وضعيفة، ما قد يفرض على واشنطن الحفاظ على وجود عسكري باهظ الكلفة، دون نتائج ملموسة.
مخاطر استمرار الانخراط العسكري الأميركي
وحذّر الكاتبان من أن استمرار التواجد الأميركي على الأرض السورية، إلى جانب الإبقاء على نظام العقوبات الحالي، قد يؤدي إلى تعقيد جهود الحكومة الجديدة ويعرقل سعيها لإعادة فرض السيطرة على البلاد، مشيرين إلى أن ذلك من شأنه أن يُفاقم التوترات في المنطقة، ويضر بمصالح الحلفاء الأميركيين مثل تركيا والعراق، بل ويفتح الباب أمام موجة جديدة من اللاجئين.
ودعا التقرير إدارة بايدن إلى انتهاز فرصة التغيير في سوريا وسحب ما يقارب ألفي جندي من شمال شرقي البلاد، وهو ما سيمنح الحكومة السورية القدرة على استعادة السيطرة على مناطق حيوية كالمنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن استعادة الحكومة السورية لحقول النفط، بدعم من السعودية والإمارات، يمكن أن يساهم سريعاً في تحسين الاقتصاد المحلي، ويتيح فرصاً لإعادة الإعمار وتوفير فرص عمل، ما قد يشجع اللاجئين في دول الجوار على العودة تدريجياً إلى وطنهم.
فرص وتحديات الانسحاب
التقرير لم يخفِ صعوبة هذه المهمة، موضحاً أن على القيادة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الشرع وهيئة تحرير الشام، أن تقود عمليات مكافحة تنظيم "داعش"، وتتوصّل إلى تسويات سياسية مع الأكراد، وتعمل على تحجيم نفوذ القوى المتطرفة.
ولفت الكاتبان إلى أن الشرع يُدرك تماماً أهمية الحصول على دعم واشنطن لشرعنة حكومته وتعزيز الاستقرار، محذرين من أن غياب هذا الدعم قد يجعل دمشق عرضة لضغوط عسكرية من أنقرة وتل أبيب، ويعيق قدرتها على تسليح جيشها أو تأمين موارد الطاقة.
السباق على النفوذ: تركيا وإسرائيل
كما نوّه التقرير إلى تنامي الطموحات الإقليمية لكل من تركيا وإسرائيل في مرحلة ما بعد الأسد، مشيراً إلى أن تل أبيب سيطرت بالفعل على مناطق قرب الجولان، فيما عززت تركيا من نفوذها في الشمال السوري. ويحذر التقرير من أن منح أنقرة حق الوصول إلى قواعد عسكرية قرب الجولان قد يؤدي إلى صدام محتمل مع إسرائيل، ما يفاقم التوتر الإقليمي.
مغادرة مدروسة تنقذ واشنطن من استنزاف غير مجدٍ
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن انسحاباً أميركياً مدروساً يمكن أن يجنّب الولايات المتحدة المزيد من التورط العسكري المكلف في ساحة لم تعد تمثل أولوية استراتيجية لها. ورغم إدراك التقرير للمخاطر، فإنه يرى أن السياق الحالي في سوريا يستحق هذه "المخاطرة المحسوبة"، بعد سنوات من الفوضى والدماء، داعياً واشنطن إلى أن تمنح السوريين فرصة حقيقية لبناء مستقبلهم بعيداً عن الاستقطاب والوصاية.
شهدت مناطق شمال شرقي سوريا في وقت متأخر من الليل، وخصوصاً محيط قاعدة كونيكو في دير الزور، تحركات عسكرية لقوات التحالف، وثّق نشطاء انسحاب رتل ضخم من أكثر من 100 شاحنة تحمل معدات وعتاداً أميركياً باتجاه الحدود العراقية، في مشهد عزّز التكهنات حول وجود نية أميركية لتقليص الوجود العسكري.
في السياق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة بدأت بخطوات فعلية لتقليص وجودها العسكري في شمال شرقي سوريا، حيث باشرت بسحب مئات من جنودها وأغلقت ثلاث قواعد تشغيلية صغيرة من أصل ثماني قواعد تنتشر في تلك المنطقة، ما أدى إلى خفض عدد الجنود الأميركيين المتبقين إلى نحو 1400.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن هذه الخطوة جاءت بناءً على توصيات ميدانية من قادة عسكريين، الذين أوصوا بالإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي أميركي في سوريا، في وقت أكدت فيه المصادر أن عملية الانسحاب بدأت فعلياً يوم الخميس 17 نيسان.
وزارة الدفاع الأميركية، من جهتها، نفت صحة التقارير التي تتحدث عن انسحاب شامل، وأكدت أن ما يجري هو "إعادة تموضع روتينية للقوات"، وأن الخطوة تأتي في إطار التكيّف مع المتغيرات العملياتية. وقال متحدث باسم البنتاغون إن "هذه التحركات لا تعكس انسحاباً، بل تعبّر عن مرونة السياسة الدفاعية الأميركية واستعدادها الدائم للتعامل مع التهديدات المتغيرة".
انسحاب من كونيكو ومراجعة الاستراتيجية الأميركية
رغم نفي البنتاغون، كشفت مصادر من "قوات سوريا الديمقراطية" أن الجيش الأميركي بدأ فعلياً في إخلاء قاعدة حقل كونيكو، حيث غادرتها قافلتان كبيرتان خلال الأيام الماضية، تضمان معدات ثقيلة وناقلات، وأشارت إلى أن منطاد المراقبة التابع للقاعدة اختفى منذ أكثر من أسبوع، ما يعزز احتمالات الانسحاب الكامل منها.
في السياق ذاته، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أميركية أن واشنطن تدرس خفض عدد قواتها في سوريا إلى النصف، ليصبح نحو ألف جندي، وذلك في إطار مراجعة أوسع لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
تحذيرات إسرائيلية وقلق من فراغ استراتيجي
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كشفت أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بعزم واشنطن تنفيذ انسحاب تدريجي من سوريا خلال الشهرين القادمين. وذكرت الصحيفة أن هذا التوجه أثار قلقاً كبيراً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي حذّرت من أن الفراغ الأميركي قد يفتح الباب أمام تركيا لبسط نفوذها في مناطق استراتيجية مثل مطار "تي فور" ومدينة تدمر، وهو ما اعتبرته تل أبيب تهديداً مباشراً لسلاحها الجوي.
تحركات تركية دبلوماسية وتوتر مع إسرائيل
وبينما تستعد أنقرة لملء الفراغ العسكري المحتمل في شمال وشرق سوريا، عقد مسؤولون عسكريون أتراك وإسرائيليون لقاءات فنية في العاصمة الأذربيجانية باكو لمناقشة آلية لتفادي الاشتباك داخل الأراضي السورية. غير أن التوتر تصاعد مجدداً بعد تصريحات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصف فيها إسرائيل بأنها "دولة إرهابية"، متهماً إياها بمحاولة "إجهاض الثورة السورية"، في تصعيد كلامي ألقى بظلاله على الجهود الدبلوماسية الجارية.
وتبقى الخطوات الأميركية قيد المتابعة، إذ يرى مراقبون أن الانسحاب المتدرج قد يُحدث تحولات جيوسياسية في المشهد السوري، ويعيد ترتيب خارطة النفوذ بين الأطراف الإقليمية والدولية، وسط غموض حول طبيعة الدور الأميركي في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد بعد سقوط نظام الأسد.
وثّقت مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، يوم الخميس 17 آذار، مقتل شاب وإصابة ثلاثة آخرين في حادثين منفصلين ناجمين عن انفجار مخلفات الحرب، مما يسلّط الضوء مجددًا على الخطر المزمن الذي تمثله هذه الذخائر غير المنفجرة على حياة السكان.
ففي ريف دمشق، قُتل عامل بناء وأُصيب آخر، إثر انفجار جسم من مخلفات الحرب داخل هنغار قيد الإنشاء على طريق "تل كردي" قرب مدينة دوما. فرق الدفاع المدني هرعت إلى الموقع، وانتشلت جثمان الشاب ونقلت المصاب إلى مشفى المواساة لتلقي العلاج.
وفي ريف اللاذقية الشرقي، أُصيب شابان بجروح متفاوتة، إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب أثناء مرورهما بسيارة في منطقة الكبينة، ما أدى إلى أضرار بشرية ومادية.
وتُعدّ مخلفات الحرب من أخطر التهديدات التي لا تزال تلاحق المدنيين في سوريا، حيث تتسبب بسقوط ضحايا بشكل متكرر، وتخلّف إصابات بليغة تؤثر على حياة الأفراد بشكل دائم. كما أنها تُعيق استئناف النشاطات اليومية والاقتصادية، وتعرقل عودة السكان إلى مناطقهم، إلى جانب تأثيرها السلبي على العملية التعليمية والزراعية والصناعية، مما يعمّق من معاناة السوريين ويؤخر جهود التعافي وإعادة الإعمار.
وجدد الدفاع المدني التأكيد على أن مواجهة هذا الخطر تتطلب مسؤولية جماعية، من خلال تعزيز حملات التوعية بمخاطر الذخائر غير المنفجرة، وتسريع جهود إزالة المخلفات الحربية وتأمين المناطق المتضررة، بما يضمن حماية المدنيين وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وبيّنت المنظمة الحقوقية الدولية أن الأسلحة المتروكة خلال سنوات الحرب الـ14 في سوريا تسببت في مقتل ما لا يقل عن 249 شخصًا، بينهم 60 طفلًا، إلى جانب إصابة 379 آخرين، بحسب بيانات المنظمة الدولية المعنية بسلامة العاملين الإنسانيين.
ورصدت المنظمة تصاعدًا واضحًا في معدلات الإصابات والوفيات الناتجة عن الألغام خلال الأشهر الأخيرة، مرجحةً أن يعود هذا الارتفاع إلى تزايد أعداد العائدين إلى منازلهم في مناطق كانت خاضعة للقتال، حيث تنتشر هذه المخلفات القاتلة.
ودعت "هيومن رايتس ووتش" الحكومة الانتقالية السورية والجهات المانحة إلى إعطاء أولوية قصوى لرصد وتطهير المناطق الملوثة، وتكثيف حملات التوعية بالمخاطر لضمان عودة آمنة للنازحين والمقيمين، مؤكدة أن المعالجة الفاعلة لهذا الملف تمثل خطوة أساسية في مسار التعافي وإعادة الإعمار.
وفق التقرير، يواجه السكان في سوريا خطراً كبيراً نتيجة الألغام والذخائر غير المنفجرة من مخلفات الحرب أكثر من أي وقت مضى رغم توقف المعارك بعد سقوط نظام الأسد، حيث أدت حرب نظام الأسد على السوريين خلال 14 عاماً إلى تلويث مساحات شاسعة من المناطق السكنية والأراضي الزراعية، وخاصة مع التغيرات التي كانت تشهدها مناطق السيطرة وخطوط التماس خلال تلك السنوات.
ومع عودة جزء من السكان إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح، إلى المناطق التي كانت ضمن خطوط التماس أو في المناطق التي تعرضت للقصف أو كان سكانها مهجرون منها وتنتشر فيها مخلفات الحرب، ازدادت بشكل كبير حوادث انفجار هذه المخلفات موقعة ضحايا في صفوف المدنيين، ليكون عدد الضحايا منذ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 30 آذار 2025 هو الأعلى في سوريا منذ عام 2011، وتهدد مخلفات الحرب والألغام أرواح المدنيين وتتسبب بإصابات بليغة بينهم وتقوّض الأنشطة الزراعية والصناعية وسبل العيش وتعرقل عودة المهجرين إلى ديارهم بمناطق سورية واسعة.
مخلفات الحرب في سوريا
يعيش ملايين المدنيين في سوريا في مناطق موبوءة بالألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة سنوات من قصف نظام الأسد وروسيا والذي استمر لـ 14 عاماً، وتشكل مخلفات الحرب هذه (الألغام والذخائر غير المنفجرة) تهديداً كبيراً على حياة السكان، وموتاً موقوتاً طويل الأمد، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار المدنيين والتعليم والزراعة وعلى حياة الأجيال القادمة وخاصة الأطفال لجهلهم بماهية هذه الذخائر وأشكالها وخطرها على حياتهم، وتتعامل فرقنا مع هذا الواقع لإزالة مخلفات الحرب وتوعية المدنيين بخطرها وتمكنت منذ بداية الفرق منذ بداية عملها من إزالة أكثر من 28 ألف ذخيرة من مخلفات الحرب منها أكثر 23 ألف قنبلة عنقودية.
بعض أنواع مخلفات الحرب تكون على سطح الأرض ، بينما توجد أنواعٌ أخرى منها كقنابل الطائرات مدفونة تحت سطح الأرض بعدة أمتار مما يجعل من إزالتها أمرًا صعبًا، الذخائر غير المنفجرة مختلفةٌ في آليتها عن الألغام، إذ إنّ الألغام زرعت بغرض التسبب بإصاباتٍ، بينما تكون الذخائر غير المنفجرة عبارةً عن أدواتٍ فشلت في أداء عملها، فقد لا تنفجر أبدًا أو قد تنفجر بأي لحظة ولا يمكن تحديد مدى تأثيرها وخطرها على ما حولها، وطوال السنوات الماضية وثقت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري استخدام نظام الأسد وروسيا أكثر من 70 نوعاً من الذخائر المتنوعة في قتل المدنيين منها 13 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً
وكشف تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review) السنوي الصادر عام 2023، والذي ساهم فيه الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) من خلال توفير البيانات، وجمع وإدارة المعلومات المتعلقة بالألغام في شمال غربي سوريا وتحديد المناطق الملوثة، أن سوريا سجلت و للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، حيث وثق التقرير 834 ضحية في عموم سوريا خلال العام 2022 والنصف الأول من العام 2023، ويعد التقرير بمثابة الأساس للعمل المنتظم للدول الـ 164 الموقعة على اتفاقية أوتاوا لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد (APMBC) واتفاقية الذخائر العنقودية (CCM).
أماكن انتشار الذخائر غير المنفجرة:
تنتشر الذخائر غير المنفجرة في عموم مناطق سوريا التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، فحجم الترسانة العسكرية الهائل التي تم قصف المدنيين فيها، كبير جداً وانتشرت مخلفات الحرب في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية وفي الأراضي الزراعية، ولا يقتصر خطر مخلفات الحرب بما تخلفه من ضحايا فقط، فلها آثار آخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطر على حياتهم ، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف، كما تؤثر تلك المخلفات على عودة السكان لمنازلهم ولاسيما في المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مكثف أو التي كانت خطوط تماس وهي الأكثر تلوثاً.
أماكن انتشار الألغام:
تخلف الألغام (المضادة للأفراد أو للمدرعات) إرثاً يستمر أمداً بعيداً، فهي إن لم تقتل، تُحدث إصابات ومعاناة شديدة، وغالباً ما يسفر عن الدعس على لغم إصابة أو قتل شخص أو أكثر، وكثيرًا ما يكون هؤلاء الضحايا من الأطفال، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ينوء بها الضحايا وأسرهم مدى الحياة، وإن وجود ألغام أرضية يجعل من المستحيل استخدام مساحات شاسعة من الأراضي، ما يعرض إنتاج الغذاء لخطر بالغ ويدمر سبل العيش، وغالباً ما يستمر تأثير الألغام على المجتمعات عقوداً طويلة.
حددت فرق مسح مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري 141 حقلاً ونقطة تنتشر فيها الألغام، في المناطق المدنية وبالقرب من منازل المدنيين وفي الحقول الزراعية والمرافق، وعثرت الفرق على العشرات من حقول الألغام التي تحتوي على الألغام المضادة للآليات والمضادة للأفراد المحرمة دولياً، والتي تسببت حالات انفجارها بمقتل وإصابة العشرات من المدنيين خلال الأيام السابقة، وباتت تشكّل خطراً يهدد الحياة ويقوض عودة المدنيين لمنازلهم والعمل في مزارعهم بمناطق واسعة في سوريا.
عمل فرق إزالة مخلفات الحرب
تواصل فرق إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أعمالها في سوريا من مخلفات الحرب النظام وتتنوع أعمال الفرق من عمليات مسح غير تقني وتحديد المناطق الملوثة بمخلفات الحرب وإزالة المخلفات إلى جلسات التوعية بتلك المخلفات، وأجرت فرق إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري منذ 1 نيسان 2024 حتى 1 نيسان 2025، أكثر من 2300 عملية إزالة وتم التخلص فيها من 2931 ذخيرة غير منفجرة، وتنفيذ أكثر من 1185 عملية مسح غير تقني، وتم تحديد 832 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب، وبلغ عدد جلسات التوعية 3694 و عدد المستفيدين الكلي 72808 مستفيد.
وبعد سقوط نظام الأسد والتغيرات التي حدثت وتلاشي خطوط التماس وعودة جزء من المهجرين لمنازلهم ازدادت بشكل كبير حوادث انفجار مخلفات الحرب وكثف فرقنا عملها بشكل كبير.
وأجرت فرق إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري منذ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 نيسان 2025، أكثر من 1450 عملية إزالة وتم التخلص فيها من 2059 ذخيرة غير منفجرة، وتم تنفيذ أكثر من 370 عملية مسح غير تقني، وتم تحديد 453 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب، وبلغ عدد جلسات التوعية 690 و عدد المستفيدين الكلي 14843 مستفيد.
ضحايا مخلفات الحرب:
بشكل شبه يومي تشهد سوريا حوادث انفجار لمخلفات الحرب، وتهدد مخاطر مخلفات الحرب والألغام التي زرعها نظام الأسد البائد كموت مؤجل للسوريين أرواح المدنيين وتتسبب بإصابات بليغة بينهم و تعمق مأساة المدنيين وتحد من أنشطتهم وتنقلاتهم والعودة لديارهم.
واستجاب الدفاع المدني السوري منذ تاريخ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 31 آذار 2025، لـ 69 انفجاراً لمخلفات الحرب أدت لمقتل 72 شخصاً، بينهم 17 طفلاً و7 نساء و48 رجلاً ولإصابة 108 آخرين بينهم 33 طفلاً و4 نساء.
أغلب الانفجارات والضحايا كانت ناجمة عن الألغام إذ استجابت فرقنا لـ 62 انفجار للألغام منذ تاريخ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 31 آذار 2025، أدت لمقتل 46 بينهم 7 أطفال ولإصابة 74 بينهم 13 طفلاً، وأعلى محافظة بعدد حوادث انفجار مخلفات الحرب التي استجابت لها فرقنا هي إدلب بـ 29 حادث، تليها دير الزور قم حلب ثم اللاذقية.
فيما استجاب الدفاع المدني السوري منذ تاريخ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 31 آذار 2025 لـ 7 حوادث انفجار مخلفات الحرب أدت لمقتل 26 شخصاً بينهم 10 أطفال و7 نساء.
وبمقارنة بسيطة يظهر الفرق بين عدد حوادث الألغام وعدد ضحاياها، وبين عدد انفجارات الذخائر غير وعدد ضحاياها، إذا ساهمت أعمال فرق الدفاع المدني السوري الخوذ البيضاء بالمسح والإزالة والتوعية في الحد بشكل كبير من مخاطر الذخائر غير المنفجرة رغم انتشارها الكبير وعودة جزء من السكان لديارهم.
واستجاب الدفاع المدني السوري منذ تاريخ 1 نيسان 2024 حتى 1 نيسان 2025، لـ 39 انفجار لمخلفات الحرب أدت لمقتل 24 شخصاً، بينهم 7 طفلاً وإصابة 54 آخرين بينهم 26 طفلاً..
وبالمقارنة يظهر الارتفاع الكبير بعدد حوادث انفجار مخلفات الحرب وعدد الضحايا بشكل كبير بعد سقوط نظام الأسد، ويرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها عودة السكان لمناطق ملوثة بشكل كبير، عدم امتلاك السكان للوعي حول مخاطر مخلفات الحرب.
التوعية مهمة أساسية للحفاظ على الأرواح
إن زيادة الوعي بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب أمر بالغ الأهمية، وتساهم حملات التوعية بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجنبها، وتشمل تثقيف السكان حول كيفية التعرف على الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، فضلاً عن توفير التدريب على كيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد تكون ملوثة، ويساعد رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة في تقليل مخاطر الإصابة والوفاة وتعزيز مجتمعات أكثر أماناً، وتأمين الحماية لها وخاصة الأطفال.
وتهدف التوعية لزيادة الوعي في حالات الطوارئ، وتغيير السلوك على المدى الأطول، إضافة لإعطاء المجتمعات المحلية دور مهم في تعلم حماية أنفسهم والإبلاغ على وجود مخلفات الحرب، وتعتمد فرق التوعية على الملصقات والجلسات الفيزيائية المباشرة بالاعتماد على نهج التواصل مع المجتمع المحلي وهو الأكثر فعالية، لأن متطوعي الدفاع المدني السوري هم أفراد ينتمون إلى مجتمعاتهم المحلية وبالتالي يكون تواصلهم عالي الأثر.
أنشطة فرق إزالة مخلفات الحرب في الخوذ البيضاء
وتقوم فرق إزالة مخلفات الحرب في الخوذ البيضاء بثلاثة أنشطة رئيسية، ولا بد من التنويه إلى أن فرقنا لا تقوم بإزالة الألغام وينحصر عملها فقط بإزالة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف.
1ـ المسح غير التقني: وعدد الفرق العاملة في هذا النشاط 6 فرق وتقوم بمهامها بمسح القرى والمجتمعات على مرحلتين:
أ ـ عبر المسح غير التقني وجمع الاستبيانات من المجتمع المحلي بمختلف أطيافه للوصول للمناطق الملوثة.
يمثل جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة بالسلاح وضحاياها الأساس الذي يستند إليه كل تخطيط، وتقوم الفرق المختصة بعمليات المسح غير التقني بجمع البيانات وتحليلها، فهي تستخدم النتائج التي حصلت عليها خلال المسح غير التقني لتحديد المناطق الخطرة والأشخاص الأكثر عرضة للخطر للتخطيط لعمليات المسح الأولي والتطهير والحد من المخاطر وأنشطة التوعية بالمخاطر ووضع الأولويات الخاصة بذلك.
ب ـ تحديد المناطق الملوثة ورسم الخرائط اللازمة وإرسالها لفرق الإزالة التي تقوم بعملية البحث التقني لاحتمالية وجود الذخائر في المنطقة المستهدفة والتخلص النهائي من الذخائر كل ذخيرة على حدى وبدون أن يتم نقلها أو تحريكها.
2ـ الإزالة (التخلص النهائي): وعدد الفرق العاملة في هذا النشاط 6 فرق أيضاً، فبعد الوصول للمنطقة الملوثة والمحددة من قبل فريق المسح تجري عملية بحث بصري وبمساعدة الأجهزة في المكان الملوث بشكل دقيق وتتم عملية إتلاف الذخائر (كل ذخيرة على حدى) بحرفية عالية ومهنية من قبل الفرق التي تحرص على إتلافها بشكل كامل.
يبلغ عدد فرق الإزالة 6 فرق متوزعة قامت حتى الآن بالتخلص من أكثر من 26 ألف ذخيرة متنوعة من بينها نحو 24 ألف قنبلة عنقودية ضمن ظروف عمل صعبة للغاية في كثير من الأحيان كلفت 4 شهداء من الدفاع المدني السوري.
3ـ التوعية: وتعتبر عملية التوعية من أهم إجراءات مواجهة خطر الذخائر غير المنفجرة، وتقوم الفرق بجلسات توعية من مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة للمدنيين لزيادة الوعي المجتمعي من خطر هذه الذخائر، وركزت على خطر الذخائر غير المنفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري المختصة عنها فوراً.
خطط الخوذ البيضاء:
تخطط الخوذ البيضاء لزيادة عدد ونوعية تدريب الفرق العاملة في إزالة مخلفات الحرب، الخطط أولية وتشمل زيادة عدد فرق الإزالة من 6 فرق إلى 11 فريقاً، وزيادة عدد فرق المسح غير التقني من 6 فرق إلى 10 فرق، واستحداث 8 فرق توعية، وتدريب فرق إزالة يدوية وميكانيكية للألغام.
عواقب مخلفات الحرب على الأفراد والمجتمعات:
تؤدي الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة حرمان مجموعات سكانية بأكملها من المياه والأراضي الزراعية والرعاية الصحية والتعليم، كما تعيق أعمال الإغاثة وقد تحرم السكان من المساعدات الإنسانية بسبب المخاطر:
الأثر الجسدي: يمكن أن تنفجر مخلفات الحرب بشكل غير متوقع وتتسبب بأذى جسدي وحالات بتر أو وفاة، الأطفال معرضون للخطر بشكل خاص لجهلهم خطرها، ولعبهم وتنقلهم في أماكن خطرة وموبوءة بمخلفات الحرب.
تعد الإصابات الناجمة عن مخلفات الحرب كارثية لتسببها بإعاقات دائمة على الأغلب، إذ يؤدي انفجارها إلى الإصابة بجروحٍ شديدةٍ قد ينجم عنها تمزقٌ في الأعضاء الداخلية وتضررٌ في الأجزاء الحيوية للجسم، أو بترٌ في الأطراف أو فقدان حاستَي السمع والبصر كذلك الأمر.
الأثر على المأوى: وتعتبر مخلفات الحرب واحدة من أكبر عوائق عودة النازحين لمنازلهم وخاصة في المناطق التي كانت نقاط تماس أو تعرضت للقصف.
الأثر الاقتصادي: يمكن أن تتسبب مخلفات الحرب تقييد للأنشطة الزراعية بالحد من الوصول للأراضي الزراعية أو استثمارها، على الأنشطة الصناعية و الإنتاجية ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي والتنمية وخاصة في المجتمعات الهشة كما في شمال غربي سوريا، وينعكس ذلك سلباً على معدلات الفقر والبطالة وبالتالي تفاقم التحديات التي تواجهها المجتمعات.
الأثر النفسي: إن مخلفات الحرب يمكن أن تخلق حالة من الخوف والقلق لدى الأفراد والمجتمعات، مما يؤدي إلى صدمات نفسية أو حتى مشاكل مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وخاصة في المناطق التي سقط فيها ضحايا جراء هذه المخلفات، بالإضافة للأثر النفسي المباشر على الأشخاص الذين يتعرضون للإصابة بأحد هذه المخلفات (الشعور بالعجز والتغير في نمط الحياة ونظرة المجتمع لهم في حال حصول إعاقة دائمة).
الأثر البيئي: يمكن أن تضر المتفجرات من مخلفات الحرب بالبيئة وتلوث التربة ومصادر المياه بمواد خطرة، والجفاف بسبب صعوبة الوصول للأراضي الزراعية وزراعتها وحرمان الأراضي المروية من مياه الري نتيجة صعوبة الوصول لمصادر المياه اللازمة للزراعة وانعكاس ذلك كأثر طويل الأمد على النظام البيئي.
اليوم الدولي للتوعية بالألغام
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 8 كانون الأول 2005، يوم 4 نيسان من كل عام رسميا اليوم الدولي للتوعية بمخاطر الألغام والمواد المتفجرة والمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام، ودعت إلى استمرار الجهود التي تبذلها الدول، بمساعدة من الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة المشاركة في الأعمال المتعلقة بالألغام وتشجيع بناء قدرات وطنية وتطويرها في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام في البلدان التي تشكل فيها الألغام والمخلفات المنفجرة للحرب تهديداً خطيراً على سلامة السكان.
الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار في القانون الدولي الإنساني
تشكل القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، والبروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد والبروتوكول الثاني المعدَّل والبروتوكول الخامس للاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة واتفاقية الذخائر العنقودية، تشكل في مجملها الآن الإطار القانوني الدولي الشامل لمنع ومعالجة المعاناة الإنسانية التي تسببها الألغام والذخائر العنقودية وغيرها من الذخائر المتفجرة.
وبموجب هذه الصكوك، يُحظر على الدول الأطراف استخدام الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، كما أنّ عليها التزامات تتراوح من تطهير الأراضي الملوثة وتدمير المخزون إلى توفير المساعدة الشاملة للضحايا.
رغم كل الجهود المبذولة ما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام وروسيا استمر على مدى سنوات ومايزال حتى الآن، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، ومع وجود تلك الذخائر وانتشارها في جميع أنحاء سوريا، ستستمر الخسائر لفترة طويلة حتى في حال انتهاء الحرب، و تتركز جهود الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين، عبر إزالة تلك الذخائر وتوعية المدنيين من خطرها، وإن الأعمال المتعلقة بالألغام وإزالة الذخائر غير المنفجرة هي استثمار في الإنسانية، فهي تساعد في رعاية المجتمعات وإعادة إحيائها، والحفاظ على الأمن الغذائي، وتمكين النازحين داخلياً العودة إلى منازلهم، والأطفال من الوصول لمدارسهم و أماكن لعبهم بأمان.
أصدرت رئاسة الجمهورية العربية السورية بياناً صحفياً تناول تفاصيل اللقاء الرسمي الذي جمع فخامة الرئيس أحمد الشرع، رئيس الجمهورية، بدولة رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني، والذي عُقد في العاصمة القطرية الدوحة، برعاية كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة.
وأوضح البيان أن هذا اللقاء تم بمبادرة وساطة من دولة قطر، انطلاقاً من حرصها على دعم الحوار العربي وتعزيز جسور التواصل بين الدول الشقيقة. وقد ناقش الجانبان خلال الاجتماع العلاقات الثنائية بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق، في ضوء الروابط التاريخية العميقة التي تجمع الشعبين، والسعي المشترك لإحياء مسارات التعاون العربي على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وأكد الرئيس أحمد الشرع ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني في محادثاتهما على أهمية احترام سيادة واستقلال البلدين، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، معتبرين أن أمن واستقرار سوريا والعراق يمثلان دعامة أساسية لأمن المنطقة بأسرها.
وتناول الجانبان قضية أمن الحدود المشتركة، حيث تم الاتفاق على تعزيز التنسيق الأمني والميداني وتكثيف التعاون الاستخباراتي بين الجهات المختصة في كلا البلدين، من أجل مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية العابرة للحدود.
وفي الشق الاقتصادي، ناقش اللقاء سبل تفعيل التعاون التجاري بين سوريا والعراق، والعمل على تسهيل حركة البضائع والأفراد عبر المعابر الحدودية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات المتبادلة وفتح آفاق تعاون جديدة في قطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية، بما يحقق تطلعات الشعبين ويخدم الأهداف الاستراتيجية للبلدين.
وقد أعرب فخامة الرئيس الشرع خلال اللقاء عن عميق شكره لدولة قطر الشقيقة، ولصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد، على رعايته الكريمة لهذا اللقاء، وجهوده المخلصة في دعم الحوار العربي وتعزيز مسيرة التضامن بين الدول العربية.
واختتم البيان بالتأكيد على أن هذا اللقاء يمثل محطة محورية في مسار بناء علاقات عربية متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والشراكة الفاعلة، ويمثل خطوة متقدمة نحو تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وتكريس نهج التعاون العربي في مواجهة التحديات المشتركة، وبناء مستقبل أكثر إشراقاً لشعوب المنطقة.
"السوداني" يوجه دعوة رسمية للرئيس "الشرع" لحضور القمة العربية في بغداد
وكان أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء 16 نيسان/أبريل 2025، عن توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المرتقبة، المقرر عقدها في العاصمة بغداد بتاريخ 17 أيار/مايو المقبل.
وأكد السوداني، خلال مشاركته في "ملتقى السليمانية الدولي التاسع"، أن الرئيس الشرع سيحضر القمة العربية، مشدداً على أن القيادة السورية مرحب بها في بغداد، في إطار دعم العراق لمسار التعاون العربي وتعزيز العلاقات مع دمشق.
وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام عراقية من بينها "السومرية نيوز"، أن السوداني لم يكتف بتوجيه الدعوة فحسب، بل أعلن أيضاً عزمه الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة، في خطوة تؤكد استمرارية حضوره السياسي على الساحة العراقية.
اتصال هاتفي بين الشرع والسوداني: نحو فتح صفحة جديدة
وجاءت هذه الدعوة في أعقاب اتصال هاتفي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بحثا خلاله سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا والعراق، وأكدا على عمق الروابط التي تجمع الشعبين على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وخلال الاتصال، هنأ السوداني الرئيس الشرع بمناسبة عيد الفطر المبارك، معرباً عن دعمه لتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ومجدداً موقف العراق الثابت في دعم أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها.
واتفق الجانبان على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، تقوم على التعاون المشترك، ومواجهة التحديات الإقليمية، بما يسهم في تعزيز استقرار المنطقة وخدمة شعوبها.
تعزيز أمني مشترك ومواجهة التهريب
كما تناول الاتصال ملف أمن الحدود المشتركة بين البلدين، حيث شدد الجانبان على ضرورة تعزيز التنسيق الأمني، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات والعناصر الخارجة عن القانون.
وأكد الرئيس الشرع التزام بلاده باحترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، داعياً إلى شراكة استراتيجية بين دمشق وبغداد، قائمة على المصالح المتبادلة والتعاون الثنائي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
دعم متبادل ورؤية مشتركة للاستقرار
وفي ختام الاتصال، جدّد الجانب العراقي تأكيده دعم سوريا في مسيرتها نحو الاستقرار السياسي، معرباً عن تطلعه إلى تطوير علاقات أكثر عمقاً بما يخدم مصالح الشعبين، ويعزز الأمن والاستقرار الإقليمي في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
قمة القاهرة الطارئة: بداية الانفتاح العربي
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد شارك في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة بتاريخ 4 آذار/مارس الماضي، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك في أول مشاركة له ضمن محفل عربي رفيع منذ توليه رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
وفي إطار الانفتاح العربي على دمشق، أكدت جامعة الدول العربية أن سوريا ستشارك أيضاً في القمة العربية المقبلة في بغداد، وأن تحديد مستوى التمثيل يعود للدولة السورية، سواء عبر الرئيس أو وزير الخارجية.
زيارة تاريخية لوزير الخارجية السوري إلى بغداد
وتزامناً مع هذا الحراك الدبلوماسي، أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زيارة رسمية إلى بغداد، هي الأولى من نوعها لمسؤول سوري منذ سقوط النظام السابق، حيث عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع نظيره العراقي فؤاد حسين.
وأكد الشيباني خلال الزيارة على وحدة الصف السوري العراقي، وضرورة الوقوف صفاً واحداً في وجه التهديدات والتدخلات الخارجية، معرباً عن استعداد دمشق الكامل للتعاون مع بغداد في مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش، قائلاً: "أمن سوريا من أمن العراق، ومصائرنا مشتركة".