شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً واسعاً خلال الأيام الماضية مع إعلان الحكومة السورية الجديدة إعادة الآلاف من الموظفين المفصولين تعسفياً في عهد النظام السابق إلى وظائفهم في وزارة التربية، بعد سنوات طويلة من الحرمان نتيجة مواقفهم الداعمة للثورة السورية ورفضهم الاستبداد الذي مارسه نظام بشار الأسد بحق المواطنين.
وأكد وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، في تصريحات إعلامية، أن الوزارة أنهت دراسة الملفات المقدمة من العاملين في قطاع التربية، موضحاً أن عدد الطلبات التي تلقتها الوزارة بلغ 22,644، جرى الانتهاء من معالجة 14,646 منها حتى الآن. كما أشار إلى استمرار التنسيق مع الوزارات الأخرى للنظر في حالات مشابهة لضمان إعادة الحقوق إلى أصحابها وفق جدول زمني منظم وواضح.
كما أصدرت الوزارة بياناً رسمياً مرفقاً بقائمة أسماء الموظفين الذين تمت إعادتهم إلى وظائفهم، وطلبت منهم مراجعة مديريات التربية المختصة لاستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة واستلام وظائفهم مجدداً.
عقوبات على خلفية سياسية
بحسب شهادات حصلت عليها فرق ميدانية من معلمين في إدلب وريفها، فإن معظم قرارات الفصل الصادرة بحقهم كانت بسبب مواقفهم الثورية وانحيازهم للشارع السوري المنتفض، في حين طال الفصل آخرين لمجرد الاشتباه بعدم ولائهم للنظام، أو بسبب عدم التحاقهم بأماكن عملهم، نتيجة ظروف الحرب التي فرضت قيوداً شديدة على التنقل والأمان.
ويرى العاملون في الحقل التربوي أن عقوبة الفصل الوظيفي، على قسوتها، كانت أهون من المآلات الأخرى التي واجهها كثير من المعارضين، كالسجن والاعتقال والتغييب القسري، في بلد لم يكن يسمح بأي هامش من المعارضة أو الحياد.
بدائل مؤقتة وسط الأزمات
بعد فصلهم من وظائفهم، اضطر كثير من المعلمين للبحث عن مصادر دخل بديلة، في ظل انهيار البنية الاقتصادية والمعيشية. بعضهم التحق بسلك التعليم في المدارس الحرة التابعة للإدارة المدنية في المناطق المحررة، بينما لجأ آخرون للعمل في منظمات إنسانية أو افتتحوا مشاريع صغيرة لتأمين لقمة العيش، في وقت كانت فيه سبل الحياة تضيق يوماً بعد آخر.
نزوح وفقدان
ازدادت معاناة المعلمين المفصولين خلال فترات النزوح القسري التي شهدتها مختلف المحافظات السورية، لا سيما بعد فقدانهم منازلهم وممتلكاتهم وأراضيهم، ليجدوا أنفسهم أمام تحديات جديدة في تأمين سكن بديل، وتغطية مستلزمات الحياة اليومية وسط غياب الاستقرار والأمان.
عودة مستحقة بعد انتصار الشعب
وبعد مضي أكثر من 14 عاماً على انطلاق الثورة السورية، ومع سقوط نظام بشار الأسد وفراره مع عائلته إلى موسكو، بدأت ملامح العدالة تعود إلى الواجهة. وعملت الحكومة السورية الجديدة على إعادة تنظيم شؤون الدولة، ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها مؤخراً، إعادة المعلمين المفصولين إلى وظائفهم، وفتح الباب أمامهم للعودة إلى ميادينهم التربوية، مرفوعي الرأس، بعدما كان النظام السابق قد أقصاهم ظلماً.
ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها واحدة من بوادر الإنصاف وإرساء قيم العدالة الانتقالية، التي تسعى الحكومة الجديدة إلى ترسيخها، كجزء من مشروع وطني يسعى لإعادة الاعتبار لكل من تضرر بسبب مواقفه في سبيل الحرية والكرامة.
أعاد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقطع فيديو قديم للمستشارة الإعلامية السابقة لرئيس النظام السوري السابق، لونا الشبل، خلال ظهورها على إحدى القنوات الموالية، وهي تروي روايات وصفت بأنها أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، عن مواقف "بطولية" نسبتها لبشار الأسد. هذا الظهور، الذي سبق تصفيتها في ظروف غامضة، أعاد إلى الواجهة سلسلة من الأكاذيب الإعلامية التي روج لها النظام طوال سنوات الحرب السورية.
مواجهة المسلحين "وجهاً لوجه".. رواية غير قابلة للتصديق
في اللقاء الذي جمعها بالإعلامي حسين مرتضى وإحدى المذيعات المواليات، زعمت الشبل أن بشار الأسد كان يتواجد في أكثر المناطق اشتعالاً، مثل جوبر وداريا ومنطقة الهبيط في ريف إدلب، مشيرة إلى أنه كان يواجه المسلحين "وجهاً لوجه". وروت واقعة قالت إنها حدثت في مرج السلطان، حيث "التقت عين الأسد بعين أحد المسلحين من داخل دشمة"، في مشهد استُقبل بتهكم واسع على منصات التواصل.
الشبل أكدت أن الأسد "كان دائماً حيث يجب أن يكون، مرة مع الجيش ومرة مع الشعب"، على حد تعبيرها، وهاجمت في الوقت ذاته المعارضين الذين اتهموه بالاختباء وعدم قدرته على الظهور علناً، معتبرة أن ما وصفته بـ"الثقة المتبادلة بينه وبين الشعب" أثمرت نتائج سياسية وشعبية هامة.
بين حياة القصور والادعاء بالتواضع
رغم الصورة التي حاولت الشبل رسمها عن تواضع الأسد وتفاعله مع أبناء شعبه، فإن الوقائع الموثقة تشير إلى أن تحركاته كانت تخضع لحراسة مشددة وإجراءات أمنية دقيقة، وكان يُحضّر لها مسبقاً بأدق التفاصيل. جميع اللقطات التي ظهر فيها بين المدنيين كانت منظمة بعناية، تهدف إلى تلميع صورته أمام الإعلام وتقديمه كشخص بسيط يعيش بين الناس، بينما الواقع يُظهر تمسكه بالسلطة على حساب حياة آلاف السوريين.
حين يصبح "البحث عن نتيجة البكالوريا" إنجازاً!
وفي استمرار لسرد المبالغات، قالت الشبل إن الأسد "كان يحصل على نتائج أبنائه الدراسية مثل أي مواطن عادي، وينتظر ظهورها عبر الإنترنت". وأضافت أن الأسد لم يستخدم صلاحياته كرئيس للحصول على النتائج قبل موعدها، في إشارة إلى نتائج ابنته زين وابنه حافظ. إلا أن المتابعين سرعان ما سخروا من هذه الرواية، مؤكدين أن نجاح أبناء الأسد كان مضموناً في نظام لا يعرف الشفافية، على غرار نتائج الانتخابات الرئاسية التي لطالما حاز فيها على أكثر من 99% من الأصوات، بما في ذلك أصوات الأموات.
سخرية واسعة وتعليقات لاذعة
الفيديو المتداول أثار موجة واسعة من السخرية، حيث استعاد المتابعون نبرة الإعلام الموالي التي كانت تُطلق الأكاذيب بلا حرج. وعلّق أحدهم: "قديش كان لطيف... ربي يحفظه بثلاجة الموتى"، فيما كتب آخر: "أجت عينه بعين المسلح وتركوه... يا أما المسلح أعمى، يا أما عميل". وعلّقت إحدى المتابعات ساخرة: "كانت عينه تجي بعين المسلح ويقله بنظراته شايفك بس عايفك، مع زئير الأسد".
الماكينة الإعلامية والقصص الأسطورية
لم يكن حديث الشبل استثناءً في سجل الأكاذيب الإعلامية التي غذّى بها النظام الموالي جمهوره على مدى سنوات، من روايات "العسكري الذي استيقظ في ثلاجة الموتى"، إلى "الأبطال الذين هزموا المؤامرة الكونية". جميعها حكايات تعكس محاولة مستميتة لتجميل صورة نظام كان ولا يزال يُتهم بارتكاب أفظع الجرائم بحق شعبه.
في النهاية، تبقى مثل هذه الروايات شاهداً على حجم التزييف الذي مارسه إعلام النظام، في محاولاته لتلميع وجه سلطة لم تكن ترى في مواطنيها سوى أدوات للتمجيد أو أهدافاً للقمع. أما الشبل، التي طالما دافعت عن زعيمها، فقد اختفت عن المشهد في ظروف غامضة، تاركة وراءها إرثاً من الأكاذيب الإعلامية التي لن تُمحى بسهولة من ذاكرة السوريين.
أكد فيصل يوسف، الناطق الإعلامي باسم المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS)، أن التحضيرات الجارية لعقد كونفرانس "وحدة الصف والموقف الكوردي" تسير بخطى واثقة ومدروسة، مدفوعة بإرادة حقيقية لإنجاح هذا الحدث السياسي المرتقب، موضحاً أن الإعلان الرسمي عن موعد انعقاده سيتم فور استكمال الترتيبات النهائية.
وقال يوسف في بيان صحفي نقلته وكالة "باسنيوز"، إن العمل على عقد الكونفرانس يسير بثبات، ويعكس إصراراً جماعياً ملموساً من أجل توحيد الرؤية والموقف الكوردي في هذه المرحلة الحساسة.
وأضاف أن "المخاوف التي تسود الشارع الكردي من احتمالات الفشل تبقى مشروعة، نظراً للتجارب السابقة"، مشدداً على أهمية "استخلاص الدروس من محطات التعثر الماضية وتفادي تكرار الأخطاء التي حالت دون الوصول إلى توافق شامل".
وأشار إلى أن المجلس الوطني الكردي "يُقدّر تطلعات وآراء أبناء الشعب الكوردي وأصدقائه ببالغ الاحترام"، مؤكداً أن المجلس ملتزم بتحقيق طموحات الشعب في إطار مشروع سياسي واضح يستند إلى اللامركزية والديمقراطية في سوريا المستقبل.
وشدد يوسف على أن "المجلس الوطني الكوردي يعتبر وحدة الصف خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه"، لافتاً إلى أن الجهود المبذولة في هذا الاتجاه لم تتوقف، وأن الكثير من الإجراءات التنظيمية والإدارية الخاصة بالكونفرانس قد أُنجزت بالفعل.
واختتم بالتأكيد أن الإعلان عن موعد انعقاد الكونفرانس سيتم في أقرب وقت، بعد الانتهاء الكامل من الترتيبات اللازمة، في خطوة تهدف إلى تعزيز وحدة الصف الكوردي وتحقيق التطلعات الوطنية الجامعة ضمن إطار سوريا موحدة وديمقراطية.
"إلهام أحمد" تتحدث عن مؤتمر كردي لتشكيل لجنة تشرف على صياغة مسودة دستور جديد لسوريا
أكدت إلهام أحمد، ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، خلال لقائها وفدًا برلمانيًا مشتركًا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في مدينة القامشلي، أن الحوار بين الأطراف الكردية لا يزال مستمرًا ونشطًا، مشيرة إلى وجود "نقاشات جادة حول تحقيق الوحدة السياسية".
ونقل موقع "Rudaw" عن أحمد أنها قدمت للوفد إحاطة مفصلة تناولت أبرز التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية، إلى جانب المساعي المبذولة لتوحيد الصف الكردي، والتحضيرات الجارية لعقد مؤتمر وطني جامع للأحزاب الكردية في 18 نيسان الجاري، تمهيدًا لتشكيل لجنة مشتركة تتولى مهمة الإشراف على صياغة مسودة دستور جديد لسوريا.
نحو دستور شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري
وأوضحت أحمد أن الخطوة التالية بعد المؤتمر تتمثل في تشكيل لجان دستورية تضم ممثلين عن مختلف مكونات الشعب السوري، مؤكدة أن هذه الخطوة تعد "أساسية قبل الشروع في أي عملية لصياغة الدستور".
وأضافت: "نحن بحاجة إلى دستور يعكس التعددية السورية ويضمن العدالة الاجتماعية، ويشكل أساسًا لانتخابات ديمقراطية حقيقية، لأن الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة دون وضوح في طبيعة النظام الانتخابي والقانون المنظم لها".
رؤية موحدة لفيدرالية دستورية
في أعقاب التحولات السياسية العميقة التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، عادت مسألة الفيدرالية لتتصدر المشهد السياسي في مناطق شمال شرقي البلاد. وتتمسك القوى الكردية، لاسيما المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بطرح الفيدرالية كنموذج حكم مثالي لحل القضية الكردية ضمن سوريا موحدة وديمقراطية، علماً أن روسيا كانت أول من طرحها إبان اجتماعات أستانا.
تؤكد القوى الكردية أن النظام الفيدرالي لا يهدف إلى الانفصال، بل إلى ضمان الحقوق القومية، والإدارية، والثقافية للكرد، وتمثيلهم دستورياً، ضمن دولة سورية موحدة. ويجري العمل على مسودة توافقية ستُعرض قريباً في اجتماع موسع يضم الأطراف الكردية السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات النسوية، وممثلين من خارج الإطارين الرئيسيين ENKS وPYD.
أكدت إلهام أحمد، ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، أن الحل السياسي الحقيقي في سوريا لا يمكن أن يتحقق دون تبني صيغة لامركزية تُراعي التعددية المجتمعية، مشددة على أن رفض هذا الطرح قد يقود البلاد إلى موجات جديدة من الصراع.
وجاءت تصريحات أحمد خلال مشاركتها في منتدى السليمانية في إقليم كردستان العراق، حيث قالت: "العودة إلى النظام المركزي كما كان قبل عام 2011 لم تعد واردة، إذ إن الأنظمة المركزية لم تكن سوى بيئة خصبة لتكريس الأزمات بدل حلها". وأكدت على أن "الاعتراف بالتنوع السوري وضمان حقوق الأكراد وباقي المكونات في الدستور هو المدخل الصحيح لبناء دولة عادلة ومستقرة".
وأضافت أحمد أن "الرفض المتكرر لفكرة اللامركزية لا يخدم الاستقرار"، معتبرة أن "غالبية السوريين باتوا يدركون أن الحل لا يكمن في إعادة إنتاج مركزية السلطة، بل في توزيعها على مختلف المناطق والمكونات"، نافية في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة للإدارة الذاتية بالسعي إلى الانفصال، وأكدت أن "اللامركزية لا تعني التقسيم، بل هي السبيل الوحيد لتفادي المزيد من الأزمات".
وفي ما يتعلق بالعملية الدستورية، شددت أحمد على أهمية إشراك جميع القوى السياسية والاجتماعية في صياغة الدستور، مؤكدة أن "الإقصاء أو تجاهل المكونات الفاعلة لن يقود إلا إلى الفشل"، وأضافت: "نحن نريد أن نكون جزءاً فاعلاً في صياغة دستور يضمن العدالة والكرامة لكل السوريين".
وعن العلاقة مع الحكومة السورية، قالت أحمد إن "الإدارة الذاتية تسعى إلى التوصل إلى اتفاقيات أعمق مع دمشق، تتعلق بمسارات الحل السياسي والدستوري وإعادة الإعمار"، مشيرة إلى أهمية التفاهم بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، لما يمثله ذلك من التقاء إرادات تسهم في تعزيز التماسك الوطني.
وفي تصريحات سابقة خلال استقبالها وفداً برلمانياً من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في مدينة القامشلي، وجّهت أحمد انتقادات لاذعة إلى الحكومة السورية، معتبرة أنها "تفشل في تمثيل التركيبة السكانية المتنوعة في البلاد، وتعتمد خطاباً عقائدياً سلفياً يتناقض مع قيم الدولة الديمقراطية". ولفتت إلى أن "النظام يحاول إظهار نفسه أمام المجتمع الدولي كمدافع عن حقوق الإنسان، فيما تنقض ممارساته اليومية هذا الادعاء".
وفي ما يخص العملية الانتخابية، أكدت أحمد أنه "لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة في غياب دستور واضح، يُحدد طبيعة النظام الانتخابي وشكل الحكم المستقبلي"، مشيرة إلى ضرورة التمهيد لمرحلة انتخابية ديمقراطية من خلال وثيقة دستورية تُجمع عليها مختلف الأطراف.
كما أشارت أحمد إلى أن مناطق الإدارة الذاتية تحظى بإعفاء جزئي من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، موضحة أن "الإدارة قدّمت للجانب الأميركي قائمة تحدد نوعية الاستثمارات المسموح بها وتلك التي لا تزال محظورة"، في إشارة إلى محاولات خلق فرص إنعاش اقتصادي ضمن مناطقها رغم الظروف الإقليمية المعقدة.
واعتبرت في ختام حديثها أن الشعب السوري، بكل أطيافه، "لن يتراجع عن نضاله من أجل الحرية والكرامة"، وأن "الإدارة الذاتية ستواصل العمل على ترسيخ نهجها السياسي في إطار حل سوري شامل، يضمن وحدة الأراضي السورية وسيادتها وعدالة التمثيل السياسي لكل مكوناتها".
أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن الوجود العسكري الروسي في سوريا لا يزال قائماً في المواقع ذاتها، مشدداً على أن موسكو تواصل حوارها المنتظم مع الحكومة السورية الجديدة، في إطار دعمها المستمر لسوريا خلال المرحلة الانتقالية.
وفي رده على سؤال حول طبيعة الوجود العسكري الروسي الراهن في الأراضي السورية، قال نيبينزيا: "القوات الروسية لا تزال في مواقعها كما كانت دائماً، ويجري حوار متواصل بين موسكو والحكومة السورية الحالية". وأضاف: "كما تعلمون، مبعوثنا الخاص زار دمشق مؤخراً، والرئيس فلاديمير بوتين تحدث مباشرة مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع".
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلن في تصريحات سابقة أن إدارته حريصة على بناء علاقات استراتيجية متجددة مع روسيا، مشدداً على أن أي شراكة مقبلة يجب أن تُبنى على قاعدة احترام سيادة الدولة السورية واستقلال قرارها السياسي، وضمن إطار يضمن استقرار البلاد ووحدتها.
يُذكر أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إلى جانب المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، كانا قد زارا دمشق في يناير/كانون الثاني الماضي على رأس وفد روسي رسمي، في أول زيارة من نوعها بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وخلال تلك الزيارة، أعرب الجانب الروسي عن دعمه الثابت لوحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية، وأبدى استعداده لتقديم كافة أشكال الدعم للشعب السوري، بما في ذلك المساهمة في جهود إعادة الإعمار وتهيئة المناخ السياسي والاقتصادي الملائم للمرحلة المقبلة.
تبدل الموقف الروسي عقب سقوط الأسد
أثار تبدل الموقف الروسي وكثير من الدول الداعمة لنظام الأسد، حالة من الاستغراب في أوساط أبناء الحراك الثوري السوري، بعد نجاحهم في إسقاط حكم الطاغية "بشار الأسد"، لتحاول تلك الدول في مقدمتها روسيا تبديل مواقفها وإظهار وجه آخر تجاه الشعب السوري، وهي التي مارست شتى أنواع القتل والتدمير وساهمت في "تثبيت الديكتاتور" حتى لحظة سقوطه.
روسيا تستضيف السفاح "بشار"
لم تكتف روسيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها في سوريا منذ تدخلها في 2015 لإنقاذ حكم "بشار الأسد"، بل عملت على حمايته بعد سقوطه من خلال منحه وعائلته وكبار ضباطه والمقربين منه حق اللجوء الإنساني، وسط تصريحات متبدلة تحاول فيها الخروج من مسؤوليتها على جرائم الحرب المرتبكة، دون أن تبادل حتى لتسليم الديكتاتور للمحاكمة العادلة.
حصائل الموت الروسية
في تقريرها السنوي الأخير عن أبرز انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015، تشير إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى تورط روسيا بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد هذه القوات.
ووفق الشبكة الحقوقية، تسببت القوات الروسية بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و978 سيدة (أنثى بالغة)، وما لا يقل عن 360 مجزرة، وأظهر تحليل البيانات أن العام الأول للتدخل الروسي قد شهد الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52 % من الحصيلة الإجمالية). فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 41 %) بين المحافظات السورية، تلتها إدلب (38%).
كما وثق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، جلهم في محافظة حلب، وكانت الحصيلة الأعلى لهؤلاء الضحايا في العام الأول، إضافةً إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، نصفهم في محافظة إدلب التي سجلت الحصيلة الأعلى بين المحافظات، وكانت الحصيلة الأعلى من الضحايا في العام الأول من التدخل العسكري الروسي (قرابة 35 %) وفق ما أورده التقرير. وسجل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
وطبقاً للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30/ أيلول/ 2023 ما لا يقل عن 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و61 سوق، وبحسب الرسوم البيانية التي أوردها التقرير فقد شهد العام الأول للتدخل الروسي 452 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية. كما شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 629حادثة، أي ما نسبته 51 % من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.8 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة.
لفتَ التقرير إلى أن السلطات في روسيا تنكر إلى اليوم قيامها بأية هجمات ضدَّ المدنيين، وما زال وزير خارجيتها يصرح مراراً أن التدخل الروسي شرعي؛ لأن هذا التدخل كان بطلب من النظام السوري ولمحاربة تنظيم داعش، ويؤكد لافروف بأنَّ بلاده مُلتزمة بقواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أنه يتجاوز فكرة أن روسيا لم تقم بفتح تحقيق واحد حول المعلومات المؤكدة على انخراط القوات الروسية في العديد من الهجمات بانتهاكات ترقى لتكون جرائم حرب بحسب عدد من التقارير الأممية والدولية والمحلية.
ووفق الشبكة، تورط النظام الروسي في دعم النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، أوضح التقرير أن روسيا استخدمت الفيتو مرات عديدة على الرغم من أنها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أن هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظام للإفلات من العقاب.
وأكد أن السلطات الروسية لم تَقم بأية تحقيقات جدية عن أيٍ من الهجمات الواردة فيه أو في تقارير سابقة، وحمل التقرير القيادة الروسية سواء العسكرية منها أو السياسية المسؤولية عن هذه الهجمات استناداً إلى مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني.
أعلنت وزارة الدفاع التركية أن قواتها تمكنت من تدمير ما مجموعه 121 كيلومتراً من الأنفاق التي استخدمتها عناصر "حزب العمال الكردستاني" (بي كي كي) و"وحدات حماية الشعب" (واي بي جي) في شمال سوريا، وذلك في إطار العمليات الجارية لتعزيز الأمن والاستقرار في مناطق العمليات التركية.
وقال زكي آق تورك، المتحدث باسم المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع، في مؤتمر صحفي عقده أمس الخميس في ولاية إسبرطة جنوب غربي تركيا، إن العمليات التي انطلقت في 8 يناير/ كانون الثاني 2025، أسفرت عن تدمير نحو 66 كيلومتراً من الأنفاق في منطقة تل رفعت شمال مدينة حلب، إضافة إلى 55 كيلومتراً آخر في منطقة منبج شمال شرق حلب.
وأوضح آق تورك أن هذه العمليات تأتي في سياق جهود أنقرة المستمرة لإرساء بيئة آمنة ومستقرة في الشمال السوري، تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم، مشيراً إلى أن العمل لا يزال جارياً لكشف وتفكيك الألغام والعبوات الناسفة والأنفاق المتبقية في المنطقة.
في أول ظهور علني له عبر شاشة "تلفزيون سوريا"، روى محمد عفيف بن أسعد نايفة، المعروف إعلامياً بلقب "حفّار القبور"، تفاصيل صادمة عن واحدة من أفظع الجرائم التي ارتُكبت بحق المعتقلين السوريين، خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
نايفة، الموظف السابق في مكتب دفن الموتى بمحافظة دمشق، كشف خلال المقابلة عن شهادات موثقة تتعلق بعمليات دفن جماعية طالت آلاف الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام السوري. وقد تحولت شهادته، التي سبق وأدلى بها أمام محكمة كوبلنز الألمانية والكونغرس الأميركي، إلى واحدة من أكثر الشهادات إيلاماً في الذاكرة السورية الجماعية.
بداية المهمة.. من موظف إداري إلى شاهد على الفظائع
ينحدر محمد نايفة من حي القدم الدمشقي، وكان يشغل وظيفة إدارية في مكتب دفن الموتى، حيث اقتصر عمله قبل الثورة على تعبئة الاستمارات ومعاملات نقل الموتى. لكن في عام 2011، تغيّر مسار حياته عندما استدعاه مديره وطلب منه مرافقة شخصين بلباس مدني إلى مقبرة "نجها" في ريف دمشق، ليُفاجأ حينها بشاحنة تحمل 335 جثة، تُدفن في مقابر جماعية ضيقة.
وأوضح نايفة أن الجثث كانت تُحشر في قبور فردية على شكل مجموعات، تصل إلى ثلاث جثث في القبر الواحد، وتم استخدام المقبرة المدنية كموقع لدفن الضحايا الذين قضوا في أقبية المخابرات السورية.
الانتقال إلى الخنادق و"الدفن الصناعي"
مع تزايد أعداد الضحايا، بدأ الحفر في خنادق جماعية يصل عمقها إلى ستة أمتار، تستخدم فيها الجرافات والبواقر. في بعض الحالات، كان يتم فتح البرادات الكبيرة لإلقاء الجثث مباشرة في الخنادق، التي كانت تُغطى بالتراب تدريجياً على مدى أيام.
وفي إحدى المهام، تعرّف نايفة على العقيدين مازن اسمندر وأيمن الحسن من المخابرات الجوية، الذين أشرفوا على عمليات الدفن بحماية من سيارات "الدوشكا" المنتشرة حول المقبرة.
من نجها إلى القطيفة: اتساع المقابر واتساع الرعب
بحلول عام 2012، ومع امتلاء مقبرة نجها، انتقل الدفن إلى منطقة القطيفة بالقرب من الفرقة الثالثة العسكرية، حيث كانت الخنادق أطول وأسهل للحفر. وأفاد نايفة بأن برادات الموتى كانت تصل من مختلف مستشفيات دمشق مثل المجتهد والمواساة وتشرين، وتضم ما بين 100 إلى 500 جثة يومياً.
وأشار إلى أن عمليات الدفن كانت تتم وفق جدول منظم بحسب المستشفى أو الجهة الأمنية المسؤولة، مؤكداً أنه دفن بيديه معارف له، من بينهم أصدقاء وجيران وأطفال، بينهم ضحايا يظهر على أجسادهم آثار تعذيب مروعة.
مشاهد لا تُنسى: أطفال في صناديق وأحياء يُدفنون
في شهادته المؤلمة، وصف نايفة جثة لامرأة تحتضن طفلها، وآثار التعذيب على أجسادهما، وأخرى لطفلة عمرها سبع سنوات قيل إنها توفيت بجلطة دماغية بينما كانت قد قضت نتيجة اغتصاب جماعي نفذه 11 عنصراً من الشبيحة.
وفي حادثة مروعة، كشف نايفة أن أحد المعتقلين كان لا يزال على قيد الحياة عندما تم إنزاله مع الجثث، حيث أُمر بدفنه حياً بواسطة جرافة، في مشهد قال إنه ما زال يسمع صوت تكسر عظامه حتى اليوم، وأضاف أن بعض الضباط كانوا يمنعون دفن الأطفال، ويأمرون بتركهم على الساتر الترابي، لتنهشهم الكلاب في اليوم التالي.
إشراف مباشر من أركان النظام
أفاد نايفة بأن عمليات الدفن كانت تتم تحت إشراف مباشر من ضباط كبار، من بينهم العقيد اسمندر والعميد عمار سليمان، أحد أبرز ضباط المخابرات الجوية، والذي كان، بحسب قوله، على اتصال مباشر مع رأس النظام بشار الأسد.
وأوضح أن الوثائق التي كان يحتفظ بها تضمنت رموزاً لفروع أمنية معروفة، مثل الفروع 215 و227 و251، وأنه كان ممنوعاً من الاطلاع عليها أو نسخها، مع إرسال نسخ رسمية إلى الجهات العليا، أشار إلى أن بعض الضباط كانوا يتفاخرون بعدد الجثث التي يرسلونها للدفن، ويعتبرونها "إنجازات أمنية" يُفاخر بها في الاجتماعات المغلقة.
تهديدات لعائلته ومعاناة نفسية حادة
نايفة تحدث أيضاً عن معاناة شخصية كبيرة، إذ تعرض ابنه للاختطاف مرتين، وتلقى تهديدات طالت عائلته وأقاربه حتى بعد مغادرتهم البلاد. كما أُجبر على الإقامة في المكتب التابع للمقبرة بحماية أمنية، وعاش في عزلة نفسية بسبب مشاهد الرعب التي ترافقه في نومه ويقظته.
قال نايفة إنه كان يسمع في كوابيسه أصوات الجثث تناديه: "لا تنسنا... لا تضيّع حقنا"، مؤكداً أنه فقد شهيته للطعام والنوم لأسابيع بسبب الفظائع التي عاشها.
من ألمانيا إلى واشنطن: شهادات دولية وتوثيق للجريمة
بعد خروجه من سوريا ووصوله إلى ألمانيا عام 2018، بدأ نايفة بالكشف عما في جعبته، وقدم شهادته في محكمة كوبلنز الألمانية ضمن ملف محاكمة العقيد أنور رسلان. كما زار الولايات المتحدة بدعوة من منظمات حقوقية، وأدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ والأمم المتحدة.
أوضح أن شهاداته أسهمت في فرض عقوبات على شخصيات في النظام السوري، وطالب بضرورة التمييز بين الشعب والنظام في تطبيق العقوبات.
رسالة ختامية: لا أطلب شكراً.. فقط العدالة
في ختام شهادته، وجّه نايفة رسالة إلى المجتمع الدولي قال فيها: "لا أطلب شكرًا، أريد فقط تحقيق العدالة. لقد حملت الأمانة وأوصلت صوت الضحايا، وأنا مستعد للإدلاء بشهادتي أمام أي محكمة سورية مستقبلية. هذه رسالتي أمام الله وأمام الشعب السوري"، وختم قائلاً: "ما رأيته لا يمكن وصفه بالكلمات، ولن يكتمل السلام في سوريا إلا حين يُحاسب كل من شارك في هذه الجرائم".
يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الجمعة، زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة له منذ سقوط نظام بشار الأسد، وهي أيضاً الأولى منذ زيارته الأخيرة لسوريا في 20 كانون الثاني/يناير 2007، التي جاءت حينها بدعوة من الرئيس المخلوع.
ويُجري الرئيس عباس خلال زيارته الحالية مباحثات رسمية مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحسب ما أكده السفير الفلسطيني في دمشق، سمير الرفاعي، في تصريح لوكالة الأناضول، حيث أشار إلى أن الزيارة تحمل طابعاً رسمياً وتندرج في إطار تعزيز العلاقات الفلسطينية السورية في المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يرافق الرئيس الفلسطيني في زيارته كل من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، وعضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، الذي أكد أن لقاء عباس بالشرع سيبحث في "العلاقات الثنائية والتهديدات المشتركة التي تواجهها القضية الفلسطينية والمنطقة".
لقاءات سابقة وتمهيد دبلوماسي
تأتي هذه الزيارة عقب اللقاء الذي جمع الرئيسين أحمد الشرع ومحمود عباس في 4 آذار/مارس 2025، على هامش القمة العربية الطارئة في القاهرة التي عُقدت تحت شعار "قمة فلسطين"، والتي أعادت ترميم كثير من الروابط العربية في ظل التغيرات السياسية الإقليمية.
وسبق هذه الخطوة، في كانون الثاني/يناير الماضي، زيارة وفد فلسطيني رسمي إلى دمشق برئاسة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، التقى خلالها بالرئيس الشرع في قصر الشعب، حيث ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون المشترك، وتوسيع التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المتبادل، خصوصاً في ضوء المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا بعد سقوط النظام السابق.
رسائل متبادلة بين الجانبين
وكان الرئيس محمود عباس قد بعث برسالة تهنئة إلى الرئيس أحمد الشرع بمناسبة توليه منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية، أكد فيها على متانة العلاقات التاريخية التي تجمع الشعبين الفلسطيني والسوري، معرباً عن ثقته بقدرة القيادة السورية الجديدة على قيادة البلاد نحو الأمن والاستقرار.
وفي مناسبة عيد الفطر المبارك، وجّه الرئيس الفلسطيني أيضاً برقية تهنئة إلى نظيره السوري، عبّر فيها عن تمنياته له بموفور الصحة والنجاح، وللشعب السوري بمزيد من الخير والبركة، مؤكداً وقوف فلسطين إلى جانب سوريا في مسيرتها الوطنية الجديدة.
لقاءات متواصلة ضمن مسار التقارب العربي
ويُذكر أن الرئيس أحمد الشرع أجرى سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من القادة العرب والدوليين خلال مشاركته في قمة القاهرة، كان من أبرزها لقاؤه بالرئيس الفلسطيني، الذي عُقد قبيل بدء أعمال القمة في مقر إقامة الرئيس السوري بالعاصمة المصرية.
وتحمل زيارة الرئيس عباس إلى دمشق أبعاداً رمزية ودبلوماسية كبيرة، كونها تمثل عودة التواصل الفلسطيني السوري إلى مساره الطبيعي بعد سنوات طويلة من القطيعة والتوتر بسبب موقف نظام الأسد السابق من الثورة السورية وملف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات سوريا، الذين تعرضوا خلال سنوات النزاع لانتهاكات موثقة طالت وجودهم وأمنهم.
ووفق خبراء، تُعد هذه الزيارة محطة مهمة ضمن الجهود الإقليمية الهادفة إلى إعادة تشكيل العلاقات العربية على أسس جديدة، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف بالمنطقة.
أثار ظهور وزير الثقافة السوري "محمد ياسين صالح"، في مضافة الشّيخ "فرحان المرسومي" في محافظة دير الزور، والمعروف بولائه المطلق للميليشيات الإيرانية، وتورطه في ملفات تهريب المخدرات وارتكاب انتهاكات كبيرة بحق السوريين، موجة انتقادات كبيرة للوزير، في وقت فتح الأمر ملف لم يكد يغلق وهو ظهور جديد لأحد أشقاء الرئيس "الشرع" خلال اللقاء ويدعى "جمال الشرع".
المرسومي، أحد أبرز أذرع "الحرس الثوري" في الشرق السوري، شكّل رأس الحربة في تجنيد أبناء المنطقة ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني، وساهم في إحكام قبضة طهران على مفاصل اجتماعية وعسكرية داخل دير الزور. كما لعب دوراً محورياً في إدارة شبكات تهريب السلاح والمخدرات، بغطاء مباشر من "الفرقة الرابعة"، مستفيداً من علاقاته الوثيقة بماهر الأسد.
المفارقة أن الوزير الجديد ظهر إلى جانب أحد أشقاء الرئيس "الشرع" دخلوا مضافته في دير الزور دون الانتباه لتاريخه الأسود بحق السوريين، هذا اللقاء فتح باب واسع من الانتقاد طال وزير الثقافة، وطرح المتابعون تساؤلات عن كيفية حضور الوزير لأي لقاء أو الاجتماع مع أي شخصيات دون ترتيب مسبق ومعرفة بماهية وطبيعة وتاريخ هذه الشخصيات، وهذا الأمر تكرر مراراً مع عدد من مسؤول الحكومة الجديدة، من خلال لقاء مع شخصيات بارزة متورطة في الدم السوري.
حجم الانتقاد دفع الوزير للرد والاعتذار وقال في منشور على منصة إكس: "في كل يوم يُطلب مني مئات الصور مع الناس، ولا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم وانتماءاتهم، أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة - غير مقصودة - مع أي شخص محسوب على النظام البائد".
رغم اعتذار الوزير، خرج الإعلامي "موسى العمر" للدفاع بأسلوب اعتبره كثير من النشطاء أنه مستفز ويتجاوز الحدود، قائلاً :"عذرا ً على تعبير (المشوشين) ظننت أن صورة معالي وزير الثقافة هي لشخص استوقفه في شارع (شبيح سابق) فغرد واعتذر، لكن اتضح أنه وقع في خطأ جسيم بتلبيته لدعوة لأحد امراء الحرب السابقين في مضافة، على يقين أن محمد صالح لا يعرفه وأقر بالخطأ واعتذر، فالتمسوا له عذر جهله بماضي الرجل وما اكثر الشبيحة (المقنعين).
في حقل آخر، أعاد المشهد اليوم فتح ملف مهم وموضع اهتمام واسع للسوريين بشكل عام، وهو دور وصلاحية أشقاء الرئيس "الشرع" مع الظهور لشقيقه "جمال الشرع" في ذات اللقاء مع وزير الثقافة، دون وجود صفة رسمية معلنة له في الدولة، مايطرح تساؤلات كبيرة عن أدوار "أشقاء الرئيس" في المرحلة القادمة، وعن ماهية الملفات التي تسلموها دون إعلان رسمي.
فالشعب السوري لديه حساسية متجذرة تجاه نمط الحكم القائم على الطابع العائلي أو تجاه بروز أقارب الرئيس وذويه في مواقع القرار ومفاصل السلطة، وهذا الأمر يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغليب سوء الظن على حسن النية وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى الثقة الشعبية الممنوحة للقيادة ويُضعف من رصيدها الرمزي والأخلاقي في نظر المواطنين، وفق تعبير أحدهم.
وسبق أن أثار تعيين الدكتور ماهر الشرع، شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، موجة واسعة من الانتقادات وردود الفعل المتباينة في الأوساط السياسية والإعلامية، وسط مخاوف من عودة منطق “المحاصصة العائلية” إلى مؤسسات الدولة الجديدة.
تعيينه في موقع الأمانة العامة للرئاسة خلفاً لعبد الرحمن سلامة، الذي أوكلت إليه مهام أخرى، فُسر على أنه مكافأة سياسية، خصوصاً بعد شغله سابقاً لمنصب وزير الصحة بالوكالة في الحكومة الانتقالية، ودوره في العمل الاستشاري في مستشفيات شمال سوريا.
تتولى الأمانة العامة للرئاسة مهام استراتيجية تشمل التنسيق المباشر مع الرئيس، وصياغة المراسيم ومتابعة تنفيذ القرارات، والتواصل بين مؤسسات الدولة. وهو ما جعل المنصب مركز ثقل سيادي أثار علامات استفهام حول دلالة تعيين شقيق الرئيس فيه.
عدد من الناشطين والحقوقيين عبّروا عن خشيتهم من أن يكون القرار بوابة لعودة نهج "الدولة العائلية"، إذ علّق الصحفي وائل التميمي بأن السوريين "ثاروا على حكم العائلة"، معتبراً أن تعيين أحد أقارب الرئيس في موقع بهذه الحساسية "خطوة للخلف في مشروع بناء دولة المواطنة".
يبدو أن حضور أشقاء الرئيس سيبقى تحت مجهر الرأي العام لفترة طويلة، في ظل رغبة السوريين بمؤسسات شفافة وقرارات بعيدة عن الشبهات، وبين اعتبارات الثقة ومقتضيات الدولة، تبقى التجربة قيد الاختبار، وسوريا الجديدة أمام لحظة مفصلية لتأكيد التزامها بمبادئ الديمقراطية والشفافية.
تواجه مئات العائلات في إدلب وحماة مأساة متجددة، حيث تتفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا نتيجة التحديات المتراكمة في القطاع الصحي، في ظل غياب الدعم وانهيار البنية التحتية الذي خلفه النظام السابق. وفي وقت تسعى فيه المناطق المحررة للنهوض من آثار الحرب، تبقى الفئات الأشد ضعفاً في مواجهة الخطر، في مقدمتهم مرضى الدم المزمنون.
توقف الدعم عن مراكز العلاج في إدلب
في محافظة إدلب، يشكو مرضى الثلاسيميا وذووهم من صعوبة الحصول على الخدمات العلاجية، لاسيما بعد توقف الدعم عن مركز كللي الصحي، الذي كان يعد أحد المراكز المتخصصة في تقديم نقل الدم والعلاج اللازم. وأدى إغلاق المركز إلى اضطرار المرضى للانتقال إلى مراكز بديلة في مدينة إدلب وسلقين وقاح، ما زاد من الضغط على هذه المرافق المحدودة أصلاً، وفاقم من التحديات التي يواجهها المرضى، خصوصاً في ظل أوضاعهم المادية المتدهورة.
النازحون المقيمون قرب مركز كللي عبّروا عن استيائهم من اضطرارهم لتحمّل أعباء إضافية تتعلق بالمواصلات، وغياب مركز قريب يوفر لهم الرعاية المنتظمة، وهو أمر بالغ الخطورة نظراً لارتباط علاج مرض الثلاسيميا بمواعيد ثابتة لجلسات نقل الدم.
نقص حاد في أكياس الدم بحماة
أما في مدينة حماة، فيواجه المرضى صعوبة متزايدة في تأمين وحدات الدم اللازمة، مع تراجع أعداد المتبرعين بشكل ملحوظ. وأشارت مصادر ميدانية إلى أن بعض المستشفيات باتت تشترط على المرضى تأمين متبرعين قبل كل جلسة علاج، ما يضيف عبئاً نفسياً وتنظيمياً إضافياً على ذوي المرضى.
وأكد عدد من الأهالي أن رحلة البحث عن كيس دم باتت مرهقة، تتخللها التنقلات المتكررة بين المستشفيات وبنك الدم، وسط تخوف دائم من عدم توافر الزمرة المطلوبة، لا سيما لدى أصحاب الزمر النادرة مثل O السالب، ما يهدد صحة المرضى ويعرضهم لمضاعفات قاتلة.
إلغاء وثيقة التبرع يزيد الأزمة
أحد العوامل التي ساهمت في تراجع الإقبال على التبرع بالدم هو إلغاء العمل بوثيقة التبرع، والتي كانت تُستخدم في السابق كأحد متطلبات القبول أو التوظيف لدى الجامعات والدوائر الرسمية، ما جعلها دافعاً عملياً لكثير من المتبرعين.
في غياب هذا الحافز، ومع ضعف حملات التوعية والتشجيع على التبرع، باتت بنوك الدم في حماة عاجزة عن توفير الكميات المطلوبة، في وقت يشكل فيه تأخير جلسة نقل الدم خطراً داهماً على حياة المريض، خاصة أن من يعاني من الثلاسيميا بحاجة إلى نقل دوري للدم لتفادي فشل الأعضاء أو مضاعفات مميتة.
أدوية غير متوفرة ومضاعفات خطيرة
ويواجه المرضى أيضاً صعوبة في الحصول على أدوية إزالة الحديد الزائد (أدوية التخلب الحديدي)، التي تعد ضرورية لتقليل الأضرار الناجمة عن نقل الدم المتكرر، في ظل غياب الدعم الطبي الكافي وارتفاع أسعار هذه الأدوية إن وجدت في السوق.
حلول مطروحة تنتظر الدعم
رغم هذا الواقع المؤلم، ثمة مقترحات عملية من شأنها تخفيف حدة الأزمة، أهمها إعادة تفعيل حملات التبرع بالدم في المراكز التعليمية والدينية والمجتمعية، إضافة إلى ضرورة توفير الدعم المستدام لمراكز الثلاسيميا عبر التواصل الفعّال مع المنظمات الصحية والجهات الداعمة، لتأمين التمويل اللازم لتشغيلها وضمان استمرار تقديم الرعاية للمصابين.
في ظل هذه الظروف، تبقى معاناة مرضى الثلاسيميا في إدلب وحماة شاهداً على الحاجة الملحّة لإعادة بناء نظام صحي عادل وفعال في سوريا، يُراعي احتياجات المرضى الأشد ضعفاً، ويوفر لهم الحق الأساسي في العلاج والحياة الكريمة.
سلّط تقرير مطول نشرته مجلة "فورين أفيرز" الضوء على أهمية مراجعة واشنطن لسياستها تجاه سوريا، في أعقاب التحول السياسي الذي شهده البلد بسقوط نظام بشار الأسد، مؤكداً أن الدعم الأميركي للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا ترافق مع خطوات حقيقية أبرزها سحب القوات الأميركية ورفع العقوبات التي أنهكت الشعب السوري.
التقرير الذي أعدّه كل من ستيفن سيمون وجوشوا لانديس، اعتبر أن القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة في المدى القريب ستكون حاسمة في تحديد قدرة الحكومة السورية الجديدة على بسط سلطتها، وإعادة بناء الدولة المنهكة بعد أكثر من عقد من الحرب.
وأشار الكاتبان إلى الحالة الإنسانية والاقتصادية المتردية في سوريا، حيث يعيش أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر، فيما تقلّص الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل الثورة إلى 10 مليارات فقط، في وقت تتجاوز فيه تقديرات إعادة الإعمار حاجز الـ400 مليار دولار. وهو ما يفرض، بحسب التقرير، فتح الباب أمام الحكومة الجديدة لالتقاط الأنفاس، بدلاً من الاستمرار في تضييق الخناق عليها.
ورأى التقرير أن الرئيس أحمد الشرع أظهر إشارات إيجابية في قدرته على إدارة المرحلة الانتقالية، من خلال التواصل مع مختلف المكونات السورية، بما في ذلك الطوائف المسيحية والدرزية، واهتمامه بحقوق المرأة، فضلاً عن انفتاحه على المساعدات الغربية والمنظمات الإنسانية.
ووفقاً للتقرير، فإن أفضل سيناريو ممكن لسوريا والمنطقة هو قيام دولة موحدة ومستقرة قادرة على خوض مفاوضات إقليمية بناءة تضمن الاستقرار طويل الأمد. أما البديل، فيتمثل في بقاء سوريا كدولة منقسمة وضعيفة، ما قد يفرض على واشنطن الحفاظ على وجود عسكري باهظ الكلفة، دون نتائج ملموسة.
مخاطر استمرار الانخراط العسكري الأميركي
وحذّر الكاتبان من أن استمرار التواجد الأميركي على الأرض السورية، إلى جانب الإبقاء على نظام العقوبات الحالي، قد يؤدي إلى تعقيد جهود الحكومة الجديدة ويعرقل سعيها لإعادة فرض السيطرة على البلاد، مشيرين إلى أن ذلك من شأنه أن يُفاقم التوترات في المنطقة، ويضر بمصالح الحلفاء الأميركيين مثل تركيا والعراق، بل ويفتح الباب أمام موجة جديدة من اللاجئين.
ودعا التقرير إدارة بايدن إلى انتهاز فرصة التغيير في سوريا وسحب ما يقارب ألفي جندي من شمال شرقي البلاد، وهو ما سيمنح الحكومة السورية القدرة على استعادة السيطرة على مناطق حيوية كالمنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن استعادة الحكومة السورية لحقول النفط، بدعم من السعودية والإمارات، يمكن أن يساهم سريعاً في تحسين الاقتصاد المحلي، ويتيح فرصاً لإعادة الإعمار وتوفير فرص عمل، ما قد يشجع اللاجئين في دول الجوار على العودة تدريجياً إلى وطنهم.
فرص وتحديات الانسحاب
التقرير لم يخفِ صعوبة هذه المهمة، موضحاً أن على القيادة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الشرع وهيئة تحرير الشام، أن تقود عمليات مكافحة تنظيم "داعش"، وتتوصّل إلى تسويات سياسية مع الأكراد، وتعمل على تحجيم نفوذ القوى المتطرفة.
ولفت الكاتبان إلى أن الشرع يُدرك تماماً أهمية الحصول على دعم واشنطن لشرعنة حكومته وتعزيز الاستقرار، محذرين من أن غياب هذا الدعم قد يجعل دمشق عرضة لضغوط عسكرية من أنقرة وتل أبيب، ويعيق قدرتها على تسليح جيشها أو تأمين موارد الطاقة.
السباق على النفوذ: تركيا وإسرائيل
كما نوّه التقرير إلى تنامي الطموحات الإقليمية لكل من تركيا وإسرائيل في مرحلة ما بعد الأسد، مشيراً إلى أن تل أبيب سيطرت بالفعل على مناطق قرب الجولان، فيما عززت تركيا من نفوذها في الشمال السوري. ويحذر التقرير من أن منح أنقرة حق الوصول إلى قواعد عسكرية قرب الجولان قد يؤدي إلى صدام محتمل مع إسرائيل، ما يفاقم التوتر الإقليمي.
مغادرة مدروسة تنقذ واشنطن من استنزاف غير مجدٍ
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن انسحاباً أميركياً مدروساً يمكن أن يجنّب الولايات المتحدة المزيد من التورط العسكري المكلف في ساحة لم تعد تمثل أولوية استراتيجية لها. ورغم إدراك التقرير للمخاطر، فإنه يرى أن السياق الحالي في سوريا يستحق هذه "المخاطرة المحسوبة"، بعد سنوات من الفوضى والدماء، داعياً واشنطن إلى أن تمنح السوريين فرصة حقيقية لبناء مستقبلهم بعيداً عن الاستقطاب والوصاية.
شهدت مناطق شمال شرقي سوريا في وقت متأخر من الليل، وخصوصاً محيط قاعدة كونيكو في دير الزور، تحركات عسكرية لقوات التحالف، وثّق نشطاء انسحاب رتل ضخم من أكثر من 100 شاحنة تحمل معدات وعتاداً أميركياً باتجاه الحدود العراقية، في مشهد عزّز التكهنات حول وجود نية أميركية لتقليص الوجود العسكري.
في السياق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة بدأت بخطوات فعلية لتقليص وجودها العسكري في شمال شرقي سوريا، حيث باشرت بسحب مئات من جنودها وأغلقت ثلاث قواعد تشغيلية صغيرة من أصل ثماني قواعد تنتشر في تلك المنطقة، ما أدى إلى خفض عدد الجنود الأميركيين المتبقين إلى نحو 1400.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن هذه الخطوة جاءت بناءً على توصيات ميدانية من قادة عسكريين، الذين أوصوا بالإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي أميركي في سوريا، في وقت أكدت فيه المصادر أن عملية الانسحاب بدأت فعلياً يوم الخميس 17 نيسان.
وزارة الدفاع الأميركية، من جهتها، نفت صحة التقارير التي تتحدث عن انسحاب شامل، وأكدت أن ما يجري هو "إعادة تموضع روتينية للقوات"، وأن الخطوة تأتي في إطار التكيّف مع المتغيرات العملياتية. وقال متحدث باسم البنتاغون إن "هذه التحركات لا تعكس انسحاباً، بل تعبّر عن مرونة السياسة الدفاعية الأميركية واستعدادها الدائم للتعامل مع التهديدات المتغيرة".
انسحاب من كونيكو ومراجعة الاستراتيجية الأميركية
رغم نفي البنتاغون، كشفت مصادر من "قوات سوريا الديمقراطية" أن الجيش الأميركي بدأ فعلياً في إخلاء قاعدة حقل كونيكو، حيث غادرتها قافلتان كبيرتان خلال الأيام الماضية، تضمان معدات ثقيلة وناقلات، وأشارت إلى أن منطاد المراقبة التابع للقاعدة اختفى منذ أكثر من أسبوع، ما يعزز احتمالات الانسحاب الكامل منها.
في السياق ذاته، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أميركية أن واشنطن تدرس خفض عدد قواتها في سوريا إلى النصف، ليصبح نحو ألف جندي، وذلك في إطار مراجعة أوسع لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
تحذيرات إسرائيلية وقلق من فراغ استراتيجي
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كشفت أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بعزم واشنطن تنفيذ انسحاب تدريجي من سوريا خلال الشهرين القادمين. وذكرت الصحيفة أن هذا التوجه أثار قلقاً كبيراً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي حذّرت من أن الفراغ الأميركي قد يفتح الباب أمام تركيا لبسط نفوذها في مناطق استراتيجية مثل مطار "تي فور" ومدينة تدمر، وهو ما اعتبرته تل أبيب تهديداً مباشراً لسلاحها الجوي.
تحركات تركية دبلوماسية وتوتر مع إسرائيل
وبينما تستعد أنقرة لملء الفراغ العسكري المحتمل في شمال وشرق سوريا، عقد مسؤولون عسكريون أتراك وإسرائيليون لقاءات فنية في العاصمة الأذربيجانية باكو لمناقشة آلية لتفادي الاشتباك داخل الأراضي السورية. غير أن التوتر تصاعد مجدداً بعد تصريحات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصف فيها إسرائيل بأنها "دولة إرهابية"، متهماً إياها بمحاولة "إجهاض الثورة السورية"، في تصعيد كلامي ألقى بظلاله على الجهود الدبلوماسية الجارية.
وتبقى الخطوات الأميركية قيد المتابعة، إذ يرى مراقبون أن الانسحاب المتدرج قد يُحدث تحولات جيوسياسية في المشهد السوري، ويعيد ترتيب خارطة النفوذ بين الأطراف الإقليمية والدولية، وسط غموض حول طبيعة الدور الأميركي في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد بعد سقوط نظام الأسد.