تعاني أغلب القرى والبلدات والمدن في ريفي إدلب وحماة من تداعيات الحرب والقصف والنزوح التي شهدتها خلال السنوات الماضية. ومع عودة الأهالي إليها بعد سقوط نظام الأسد، واجهوا العديد من العقبات التي منع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
الألغام تمنع الأهالي من العودة إلى الحماميات
وتتفاوت هذه التحديات في طبيعتها؛ فبعضها يترك أثراً سلبياً على الحياة اليومية، في حين يشكّل البعض الآخر تهديداً مباشراً لحياة المدنيين. ينطبق هذا الواقع على قرية الحماميات الواقعة في ريف حماة الشمالي، والتي يُعرف عنها انتشار مخلفات الحرب من ألغام وقذائف وذخائر غير منفجرة ضمن أحيائها.
ويرجع ذلك بحسب مصادر محلية إلى خضوع القرية لعدة معارك ونزاعات عسكرية خلال سنوات الثورة السورية، كما تم تلغيمها على دفعات، لتصبح العودة إليها والتنقل ضمن أحيائها أشبه بالمخاطرة التي من الممكن أن تفقد الشخص حياته أو تسبب له إعاقة دائمة.
وقوع حوادث انفجار وفقدان رجل لبصره
وقد وقعت مؤخرًا حادثة أصيب فيها سائق آلية لإزالة الركام تابعة لخدمات الإغاثة إثر انفجار لغم في قرية الحماميات بريف حماة، ما يوضح استمرار المخاطر التي تهدد الأهالي والفرق العاملة في المنطقة.
وسبق أن نشرت إحدى منصات التواصل قصة الرجل حسن، الذي تسبب انفجار لغم من مخلفات الحرب في فقدانه البصر في قرية الحماميات. ويعيش حسن في ظروف اقتصادية قاسية، أجبرته على السكن تحت سقف خيمة مع زوجته وأطفاله، ما يعكس حجم المعاناة الإنسانية التي خلفتها الألغام على السكان.
وسجلت الفترات الماضية وقوع عدة حوادث من هذا النوع، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من سكان القرية، وجعلت المئات من الأهالي يترددون في العودة إليها خوفاً على أطفالهم وأنفسهم، مما حرمهم من الشعور الحقيقي بفرحة العودة إلى الموطن.
الحرمان من ترميم المنازل
لم يتوقف الأثر السلبي لمخلفات الحرب من ألغام وذخائر غير منفجرة عند منع الأهالي من العودة إلى قريتهم أو التسبب في خسائر بشرية وإصابات وإعاقات، بل امتد أيضاً ليحرمهم من إمكانية ترميم منازلهم وإزالة الأنقاض المحيطة بها، خشية أن تكون هذه الأنقاض تخفي ألغام داخلها، والتي قد تنفجر في أي لحظة وتلحق الأذى بالأشخاص القريبين من المكان.
أبناء القرية يطالبون بوضع حلّ
يوجه الأهالي نداء استغاثة عاجل إلى الحكومة والجهات المعنية بضرورة وضع حلّ لمعاناتهم، ويطالبون بنزع الألغام، حتى يُحظوا بعودة آمنة، مؤكدين أن من حقهم الرجوع إلى قريتهم وترميم منازلهم وإعادة وجوه الحياة الطبيعية للقرية، بعد أن أمضوا سنوات طويلة من النزوح.
قال السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، إن كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت “إيجابية وتاريخية”، مؤكداً أنها “ستجذب انتباهاً كبيراً” لأنها ركزت على إعادة الإعمار والتزام دمشق بالسلام والاستقرار.
وأوضح فورد، في مقابلة مع برنامج “البعد الرابع” الذي تقدمه زينة يازجي على قناة الشرق، أن كلمة الشرع “مثلت حدثاً تاريخياً، كونها أول خطاب لرئيس سوري أمام الأمم المتحدة منذ أكثر من 58 عاماً”. وأضاف أن “السياسة الأميركية تغيّرت بعد لقاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع الشرع في الرياض مايو الماضي”، مشيراً إلى أن إدارة ترمب “اتخذت قراراً بدعم دمشق والعمل على رفع العقوبات”.
تطرّق فورد إلى الحديث عن مساعٍ للتوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، لكنه أوضح أنه “لا يمتلك تفاصيل دقيقة”، مشيراً إلى أن “الإدارة الأميركية تحاول مساعدة دمشق على الوصول إلى الاستقرار بعد سقوط نظام بشار الأسد، عبر اتفاق أمني مع إسرائيل”.
وبيّن أن الجانب الإسرائيلي “قلق من الوجود الإيراني في سوريا”، مؤكداً أن “المطالب الإسرائيلية تشمل مناطق منزوعة السلاح في الجنوب السوري ومدة بقاء القوات الإسرائيلية في القنيطرة”، وهي ملفات وصفها بـ”الصعبة جداً للحكومة السورية”.
وأشار فورد إلى أن الشرع شدد في كلمته على أن “أي اتفاق مع إسرائيل يجب أن يحترم السيادة السورية”، مضيفاً: “سمعنا كثيراً عن إمكانية توقيع الاتفاق قريباً، لكن لم أرَ شيئاً ملموساً حتى الآن”.
وأكد فورد أن واشنطن بعد لقاء الشرع وترمب “كررت التزامها بوحدة سوريا”، مشيراً إلى دور المبعوث الأميركي إلى دمشق، توم برّاك، في تأكيد ذلك. كما تناول الاتفاق الأميركي ـ الأردني ـ السوري الأخير بشأن السويداء، الذي أُعلن منتصف سبتمبر، قائلاً إنه “يؤكد على وحدة الأراضي السورية وحقوق جميع المواطنين”.
لكنه أضاف أن “هناك مخاوف لدى بعض الأقليات في سوريا من نوايا الحكومة المركزية”، مشدداً على “ضرورة المساءلة عن الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان”.
واعتبر فورد أن “الوضع الاقتصادي من أبرز التحديات أمام حكومة دمشق”، مشيراً إلى تصريحات الشرع بشأن تدمير مليوني وحدة سكنية خلال الحرب. وأكد أن “التضخم، وارتفاع أسعار الغذاء، والبنية التحتية المتهالكة للكهرباء والمياه، تشكل ملفات ضاغطة على الحكومة”.
وانتقد فورد سياسة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، قائلاً إنها “ارتكبت أخطاء كبيرة في الملف السوري”، خاصة “تجاهل الرد على الهجمات الكيماوية”، ما ساهم في “معاناة الشعب السوري”، على حد تعبيره. وأضاف: “يجب أن نعترف أننا ارتكبنا أخطاء، والحل آنذاك كان بيد السوريين لا أميركا أو بريطانيا”.
وردّ فورد على الفيديو المتداول مؤخراً بشأن ادعاءات إعداد الرئيس الشرع لدخول السياسة عبر منظمة بريطانية، قائلاً:
“لم أقل بأنني أعددت الشرع، ولا صحة لذلك، وهذه لم تكن وظيفتي، وأنا لم أقل ذلك.. من هم ضد حكومة دمشق الحالية قالوا هذا الأمر لإحراج الرئيس السوري”.
وأوضح أن “المنظمة البريطانية طلبت منه فقط مرافقتها إلى إدلب للاطلاع على الوضع الإنساني وأحوال الأقليات، وأنه لم يقدم نصائح سياسية وإنما عبر عن رأيه بما شاهده هناك”.
وكان الرئيس أحمد الشرع قد ألقى الأربعاء أول كلمة لرئيس سوري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نحو ستة عقود، دعا فيها إلى رفع العقوبات عن سوريا، محذراً من “التهديدات الإسرائيلية” التي وصفها بأنها تستهدف بلاده في مرحلة انتقالية حساسة، وتنذر بـ”إدخال المنطقة في صراعات جديدة”.
أعلنت وزارة الداخلية السورية، يوم الأربعاء 24 أيلول/ سبتمبر، أن جهاز الاستخبارات العامة، وبالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي في محافظة حمص، نفّذ عملية أمنية محكمة عقب رصد ومتابعة ميدانية دقيقة استمرت لأيام، أسفرت عن ضبط عبوة ناسفة بوزن يقارب 16 كيلوغراماً.
وأوضحت الوزارة أن العبوة كانت مخبأة داخل علبة معدنية مخصّصة لتخزين المواد الغذائية، داخل شقة تعود ملكيتها للمدعو ميلاد الفرخ في بلدة الكفرون بمنطقة مشتى الحلو.
وتمكّنت الوحدات المختصة من تفكيك العبوة ونقلها بشكل آمن، مع تنفيذ انتشار أمني مكثف لضمان سلامة المواطنين في المنطقة وأكدت الداخلية أن القضية أُحيلت إلى القضاء المختص بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وشددت الوزارة في بيان رسمي لها نشرته عبر معرفتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي على استمرار جهودها المكثفة في مكافحة مختلف أشكال الجريمة والإرهاب، وضمان أمن المواطنين وسلامتهم في عموم البلاد.
وتشهد مختلف المحافظات السورية جهوداً متواصلة من قوى الأمن الداخلي، في سياق مكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز الاستقرار الأمني، وسط تنوّع في طبيعة القضايا التي جرى التعامل معها خلال الأيام الماضية، من خطف وابتزاز إلى قضايا المخدرات والسلب وانتهاء بجرائم جنائية ذات طابع عائلي.
وتعكس هذه الوقائع جهوداً متواصلة تبذلها قوى الأمن الداخلي في مختلف المحافظات السورية، حيث تتنوع أشكال التهديدات الأمنية، لكن التدخل السريع والمتابعة الحثيثة تبقى الركيزة الأساسية لضبط الوضع، وسط دعوات متكررة للمواطنين بالتعاون مع الأجهزة المختصة والابتعاد عن أعمال العنف التي تهدد أمن المجتمع واستقراره.
ويذكر أن قوات وزارة الداخلية بذلت جهودا كبيرة في ضبط الأمن والأمان والاستقرار تزامنا مع تحرير سوريا من قبضة نظام الأسد البائد، وعملت على نشر الوحدات الشرطية والأمنية لتأمين المباني الحكومية والمرافق العامة والخاصة، بالإضافة لتسيير دوريات لضبط الأمن في عموم سوريا الحرة، وطالما تتخذ القوات الأمنية السورية من عبارة "نحو مجتمع آمن" و"لا جريمة ضد مجهول"، شعارات لها تسعى إلى تنفذها عبر قوات مدربة خاضعة لدورات مكثفة لحفظ الأمن والأمان والاستقرار.
في خطوة اعتُبرت مؤشراً على تحوّل جديد في السياسة الخارجية السورية، وقّعت دمشق وكييف اليوم بياناً مشتركاً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وذلك خلال اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقّع عن الجانب السوري وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، وعن الجانب الأوكراني وزير الخارجية أندري سيبيا.
تصريحات زيلينسكي: تعاون واحترام متبادل
رحّب الرئيس الأوكراني عبر منشور على منصة (X) بهذه الخطوة، مؤكداً استعداد بلاده لدعم الشعب السوري في مساره نحو الاستقرار. وقال زيلينسكي: "خلال مفاوضاتنا مع الرئيس الشرع ناقشنا بالتفصيل القطاعات الواعدة لتطوير التعاون والتهديدات الأمنية المشتركة وأهمية التصدي لها، واتفقنا على بناء علاقاتنا على أساس الاحترام والثقة المتبادلين".
كييف تشيد بالحكومة السورية الجديدة
يأتي ذلك بعد أن كانت وزارة الخارجية الأوكرانية قد أعربت في بيان رسمي عن ترحيبها بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، واصفة هذه الخطوة بأنها "محطة هامة على طريق بناء دولة ديمقراطية وآمنة"، ورأت الوزارة أن تشكيل الحكومة يعزز مؤسسات الدولة ويضع الأساس لاستكمال الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ينشدها الشعب السوري.
وجاء في البيان: "نؤمن بأن قيام مؤسسات حكم قوية وشاملة سيُسهم في ترسيخ الاستقرار، ويُضعف فرص التدخلات الخارجية، كما يمنع محاولات زعزعة أمن سوريا مستقبلاً"، مؤكدة دعمها الثابت لوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها واستعدادها لتوسيع التعاون مع الحكومة السورية الجديدة وتقديم كل ما يلزم لدعم الشعب السوري في مسيرته نحو الأمن والتنمية والازدهار.
تُعد هذه الخطوة جزءاً من جهود دمشق لإعادة نسج شبكة علاقاتها الدبلوماسية وإثبات قدرتها على الانفتاح على شركاء جدد في الشرق والغرب على حد سواء، فيما ينظر مراقبون إلى البيان المشترك مع أوكرانيا باعتباره مؤشراً على بداية فصل جديد في علاقات سوريا الأوروبية بعد سنوات من القطيعة والحرب.
أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانًا أكد فيه أن «المفاوضات مع سوريا مستمرة»، لكنه شدد على أن أي نتائج نهائية مرهونة بـ«ضمان مصالح إسرائيل»، موضحًا أن هذه المصالح تشمل –من بين أمور أخرى– نزع السلاح في جنوب غرب سوريا، وضمان سلامة وأمن الطائفة الدرزية، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».
ونقلت مصادر مطلعة على المحادثات أن دمشق تسرّع –تحت ضغط أمريكي– وتيرة المفاوضات مع إسرائيل حول اتفاقية أمنية تأمل من خلالها استعادة أراضٍ استولت عليها تل أبيب في الآونة الأخيرة، لكن هذه المحادثات ما تزال بعيدة عن أن تكون معاهدة سلام شاملة، وكان نتنياهو قد صرّح الأحد الماضي أنه «تم إحراز تقدم في الاتفاق الأمني مع سوريا، لكن إبرامه ليس أمرًا وشيكًا».
موقف دمشق: نحو صيغة تضمن السيادة وتبدد المخاوف
من جهته، كشف الرئيس أحمد الشرع خلال قمة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن بلاده وصلت إلى «مرحلة متقدمة في المحادثات الأمنية مع إسرائيل»، مشددًا على أن الهدف هو الحفاظ على السيادة السورية وتبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
وأوضح الشرع أن المرحلة الأولى تتمثل في «الاتفاق الأمني»، وإذا كانت لدى إسرائيل هواجس يمكن مناقشتها عبر وسطاء، مؤكداً أن سوريا ماضية في اتجاه ألا تشكّل أراضيها أي تهديد لأي منطقة.
وساطة أمريكية ومسار متعثر
وسبق أن كشف المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، أن دمشق وتل أبيب على وشك التوصل إلى «اتفاق تهدئة» توقف بموجبه إسرائيل هجماتها الجوية، بينما تتعهد سوريا بعدم نقل معدات ثقيلة قرب الحدود، معتبرًا أن هذه الخطوة ستكون بمثابة المرحلة الأولى نحو الاتفاق الأمني الشامل.
وأوضح باراك للصحفيين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «سعى شخصيًا إلى إبرام الاتفاق وكان من المتوقع الإعلان عنه هذا الأسبوع، لكن عطلة رأس السنة اليهودية وتباطؤ بعض الملفات أبطأ العملية»، مضيفًا: «أعتقد أن الجميع يتعاملون مع الأمر بحسن نية».
من التهدئة إلى السلام
الرئيس الشرع كان قد أعلن في وقت سابق أنه لا يريد الدخول في معركة مع إسرائيل وأنه «يجب البحث عن وسائل للعيش المشترك بين السوريين والإسرائيليين»، وأشار في كلمته أمام قمة «كونكورديا» إلى أن المفاوضات وصلت إلى «مراحل متقدمة» على أساس اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، مؤكدًا أن الكرة الآن في ملعب إسرائيل والمجتمع الدولي، وأن دمشق مستعدة لمناقشة المخاوف الأمنية الإسرائيلية في إطار اتفاق يضمن ألا تشكّل الأراضي السورية أي تهديد لأي منطقة.
أثار توقيف الصحفي والناشط الحقوقي عامر مطر، مؤسس مشروع «متحف سجون سوريا»، موجة استنكار واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية داخل البلاد وخارجها، بعد أن اعتقلته السلطات السورية عصر الأربعاء 24 أيلول 2025 عند معبر جديدة يابوس الحدودي، عقب أيام قليلة من افتتاح المتحف مساحته الجديدة داخل المتحف الوطني بدمشق.
بيان المتحف: اعتقال انتقامي
أصدر «متحف سجون سوريا» بياناً اعتبر فيه أن توقيف مديره المؤسس عمل انتقامي يستهدف حرية التعبير وذاكرة الضحايا بشكل مباشر، وجاء في البيان أن عامر مطر – وهو سجين سياسي سابق في سجون نظام الأسد وشاهد رئيسي أمام محكمة كوبلنز الألمانية ضد أفراد الأجهزة الأمنية السابقة – «كان صوتاً للناجين من الاعتقال والتعذيب»، وأن اعتقاله بطريقة غير قانونية يعيد إلى الأذهان أنماط الاعتقال التعسفي في عهد النظام البائد.
وحمل البيان السلطات السورية، ووزارة الداخلية على وجه الخصوص، المسؤولية الكاملة عن سلامة مطر، مطالباً بالكشف الفوري عن مكان احتجازه وأسباب توقيفه والإفراج عنه دون إبطاء، مؤكداً التزام المتحف بالدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان في سوريا واعتبار الاعتقال «اعتداءً مباشراً على ذاكرة الضحايا».
تعليق وزارة الداخلية: إجراءات «أصولية»
في المقابل، أصدرت وزارة الداخلية السورية توضيحاً أكدت فيه أن الإجراء المتخذ بحق مطر تم «أصولاً» ووفقاً للمعلومات المتوفرة لديها. وقال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا إن مطر حصل على وثائق رسمية تخص جهات أمنية «بطرق غير قانونية» وحاول استخدامها «لغايات شخصية".
ولفت إلى إلى أنه جرى إخطاره مسبقاً بضرورة مراجعة الجهة المختصة لتوضيح الأمر غير أنه تجاهل الدعوة وحاول مغادرة البلاد، ما استدعى توقيفه وإحالته للقسم المختص لاستكمال الإجراءات القانونية.
مخاوف حقوقية من استهداف مشروع المتحف
ناشطون حقوقيون ربطوا بين توقيف مطر وبين نشاطه الأخير في مشروع «متحف سجون سوريا» الذي يوثق شهادات المعتقلين السابقين ويؤسس أرشيفاً رقمياً لانتهاكات السجون. وأكدوا أن الخطوة قد تعكس تضييقاً على المبادرات التي تسعى لحفظ ذاكرة الضحايا وتثبيت حقهم في العدالة والكرامة.
بين موقف الداخلية القائل بوجود «أسباب قانونية» ومخاوف الحقوقيين من أن يكون التوقيف مرتبطاً بعمل مطر في المتحف، تحولت القضية إلى ملف يتابعه باهتمام ناشطون ومنظمات إعلامية وحقوقية داخل سوريا وخارجها، باعتبارها اختباراً حقيقياً لالتزامات الحكومة السورية في مرحلة ما بعد الحرب تجاه حرية التعبير وحقوق الإنسان.
أكد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، التزام بلاده بمنح سوريا كل فرصة ممكنة لبناء دولة قوية وموحدة تُحترم فيها تنوعات المجتمع، مشدداً على أن استقرارها سيؤدي إلى استقرار المنطقة بأسرها.
وفي لقائه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في نيويورك، أشار روبيو إلى أن «هناك فرصاً فريدة ومثيرة نعمل عليها معاً، إحداها مستقبل سوريا، وهي فرصة ربما قبل عامين أو عام ونصف كانت غير قابلة للتصور».
وأضاف أن الرئيس دونالد ترامب ما يزال ملتزماً بهذه الرؤية «ليس فقط من منظور أحادي للولايات المتحدة، بل بالشراكة مع العديد من الدول»، لجعل سوريا مكاناً مستقراً بعيداً عن التطرف والأنشطة المزعزعة للاستقرار.
وشدد روبيو على أن «استقرار سوريا يحدد، بطرق عديدة، استقرار المنطقة بأسرها»، معتبراً أن هناك اليوم فرصة تاريخية لتحقيق أمر لم يكن من الممكن تخيله قبل بضع سنوات.
بدوره، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي، على أهمية احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، رافضاً التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية، ومديناً الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، مشدداً على ضرورة الالتزام باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
لقاء الشرع – ترامب: إشارة انفتاح جديدة
في سياق متصل، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحضور السيدة الأولى ميلانيا ترامب خلال حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامه البيت الأبيض على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
اللقاء اعتُبر مؤشراً على مستوى جديد من الانفتاح في العلاقات السورية – الأمريكية بعد سنوات من القطيعة والخصومة، وجاء مكمّلاً لتحركات الشرع المكثفة في نيويورك مع قادة عرب وغربيين.
خطاب «الحكاية السورية»: من الألم إلى الأمل
على منبر الأمم المتحدة قدّم الرئيس أحمد الشرع كلمة مطوّلة ذات طابع بانورامي مزج فيها بين الألم والأمل، استعرض خلالها المسار السوري من المأساة إلى النصر، ومن الثورة إلى إعادة البناء. وأكد أن سوريا اليوم تتحول إلى شريك في السلام والاستقرار الإقليمي بعد عقود من الاستبداد والصراع، مشدداً على أن النصر تحقق «من دون ثأر ولا عداوات» لصالح المظلومين والمُهجّرين.
رسائل مزدوجة: دعم أمريكي مشروط وانفتاح سوري مدروس
يُظهر تزامن تصريحات روبيو مع خطاب الشرع ولقائه بترامب أن هناك رسائل متبادلة: واشنطن تؤكد استعدادها لدعم سوريا الجديدة شرط أن تكون موحدة ومستقرة وخالية من الإرهاب، ودمشق تُبرز نفسها كدولة تريد الحوار والشراكة لا المواجهة والعزلة.
هذه اللحظة يمكن أن تشكّل بداية مرحلة جديدة في العلاقات السورية – الأمريكية والعربية – الدولية، تُبنى على الاستقرار والتنمية وتجاوز خطاب الحرب، وهو ما حاول الشرع ترسيخه في كلمته.
شهدت محافظة درعا، احتفالية كبرى لتكريم 2200 من حفظة القرآن الكريم في المدينة الرياضية تحت شعار “حفاظ النصر”، وسط حضور رسمي وشعبي واسع، في مشهد يعكس عودة الحياة الدينية والاجتماعية إلى حوران بعد سنوات الحرب والنزوح.
كلمة وزارة الأوقاف: وجوه المستقبل بعد التحرير
في كلمته خلال حفل التكريم، قال وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري: “من أراد أن يسأل عن سوريا المستقبل فلينظر إلى هذه الوجوه الكريمة يميناً ويساراً، ومن أراد أن يطمئن على دين الناس فهذا يوم من أيام الله عز وجل، يوم عظيم، يوم القرآن الكريم بعد تحرير البلاد”.
وأكد أن القرآن كان وما يزال عزاً وتشريفاً لهذه الأمة، وأنها بخير ما دامت متمسكة بكتاب الله. وأضاف الوزير أن مرحلة التمكين تبدأ بعد ختم القرآن الكريم، حيث يُترجم الحافظون ما تعلموه إلى سلوك وأعمال على أرض الواقع.
محافظة درعا: بناء الإنسان أساس النصر
رحّب محافظ درعا أنور طه الزعبي بضيوف حوران، ومن بينهم وفود من وزارة الأوقاف ومجلس الإفتاء ودول عربية كالكويت والسعودية ولبنان، مؤكداً أن الاحتفاء بحفظة كتاب الله هو احتفاء ببناء الإنسان السوري الجديد، وأن هؤلاء الحافظين يمثلون ثمرة العلم والأدب والأخلاق والأمانة والرحمة التي يربي عليها القرآن الكريم.
رسائل علمية ودينية من علماء حوران
مدير أوقاف درعا الشيخ حامد أبا زيد وصف الحافظين بأنهم “جند الله في الأرض وورثة الأنبياء”، مشدداً على أنهم قادة المستقبل بعد أن منّ الله على البلاد بالنصر. من جهته، عبّر مفتي درعا الشيخ عبد الرزاق الصياصنة عن شكره للقائمين على الحفل، فيما دعا رئيس لجنة القراء في حوران الشيخ يحيى الغوثاني الحافظين إلى التميز والوصول إلى القراءات العشر لنحتفل في العام القادم بألف حافظ جديد أتم القراءات العشر.
إنشاد ومسرحيات ومشاركة شعبية واسعة
تخللت الاحتفال وصلة إنشاد ديني قدمها الشيخ المنشد معتصم العسلي شكر فيها الله على حضوره الحفل في أرض حوران الطاهرة بعد سنوات التهجير، كما شهدت الفعالية عرض مسرحية من وحي المناسبة، وتكريم شخصيات ساهمت في إنجاح الحدث، ما أضفى على الحفل طابعاً روحياً وشعبياً في آن واحد.
دلالات الحدث: عودة الروح لسوريا ما بعد الحرب
يُبرز هذا الحفل المركزي أن درعا، التي كانت منطلقاً لأحداث كبرى، باتت اليوم منصة لتكريم حفظة القرآن الكريم وبناء الإنسان السوري على أسس دينية وأخلاقية، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على مرحلة جديدة من التعافي الاجتماعي والديني وإعادة الاعتبار للهوية الثقافية والروحية للمنطقة بعد سنوات من النزاعات والدمار.
تكريم حفظة القرآن في درعا.. مؤشر على تحوّل اجتماعي وروحي
يمثل احتفال درعا بتكريم 2200 من حفظة القرآن الكريم علامة فارقة في مسار التعافي الاجتماعي والروحي لسوريا بعد سنوات الحرب الطويلة، فالحدث لا يقتصر على بُعده الديني، بل يعكس إرادة المجتمع المحلي في إعادة بناء الإنسان وترميم النسيج الاجتماعي الذي تهشّم بفعل النزاعات والنزوح، ويُظهر هذا التكريم أن المؤسسات الرسمية والدينية باتت تركز على الاستثمار في التعليم والقيم الأخلاقية كركيزة للمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار المجتمعي.
ويرى مراقبون أن هذا النوع من الفعاليات يبعث برسائل عدة للعالم: أولاً أن المجتمع السوري، رغم الجراح العميقة، ما يزال قادراً على إنتاج أجيال متشبعة بالقيم الروحية والأخلاقية؛ وثانياً أن بناء الإنسان هو خطوة موازية لبناء الحجر وإعمار البلاد، بما يهيئ بيئة أكثر استقراراً وتعايشاً.
بهذا المعنى، يصبح تكريم حفظة القرآن في درعا نموذجاً لمشهد اجتماعي جديد يسعى إلى استعادة الهوية الثقافية والروحية للبلاد، وتأكيد أن النصر لا يكتمل إلا بالتمسك بالقيم التي تصون المجتمع وتوحده.
التقى الرئيس السوري أحمد الشرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامه البيت الأبيض على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بحضور السيدة الأولى ميلانيا ترامب، هذا اللقاء جاء ليعكس مستوى جديدًا من الانفتاح في العلاقات السورية – الأميركية، بعد سنوات من القطيعة والخصومة.
خطاب بانورامي أمام الأمم المتحدة: «الحكاية السورية»
وكان اعتلى الرئيس الشرع منصة الأمم المتحدة مقدّمًا كلمة مطوّلة حملت عنوانًا غير معلن هو «الحكاية السورية»، مزج فيها بين الألم والأمل، والصراع بين الحق والباطل، في سردية وصفتها وسائل الإعلام الأميركية بأنها «أكثر خطاب تفصيلي لرئيس سوري منذ عقود».
الشرع أكد أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار بعد سقوط نظام الأسد، وأن ما عاشته البلاد لم يكن نزاعًا داخليًا فحسب، بل مواجهة مع نظام قمعي استخدم كل أدوات القتل والتهجير والأسلحة الكيميائية والفتن الطائفية، مشيرًا إلى أن النصر تحقق «من دون ثأر ولا عداوات» لصالح المظلومين والمُهجّرين.
إصلاحات وعدالة انتقالية
أوضح الرئيس السوري في خطابه أن حكومته الانتقالية بادرت منذ اليوم الأول إلى خطوات غير مسبوقة شملت تشكيل لجان تقصّي حقائق، ومنح الأمم المتحدة الإذن بالتحقيق، وتأسيس هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، والتعهد بمحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء، وأكد أن الانتخابات التشريعية المقبلة وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية تهدف إلى «حصر السلاح بيد الدولة» وتكريس دولة القانون.
مواجهة التهديدات الإقليمية بالدبلوماسية
الشرع توقّف عند التهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ ديسمبر 2024، متهماً تل أبيب بمحاولة استغلال المرحلة الانتقالية لإثارة الفوضى، وأعلن التزام دمشق باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 وتفضيلها الحوار والدبلوماسية على التصعيد العسكري، داعيًا المجتمع الدولي إلى دعم سوريا في هذه المرحلة الحرجة واحترام سيادتها ووحدة أراضيها.
سياسة اقتصادية منفتحة
في الشق الاقتصادي، أبرز الشرع السياسة الجديدة القائمة على الدبلوماسية المتوازنة والاستقرار الأمني والتنمية، مشيرًا إلى تعديل قوانين الاستثمار ودخول كبرى الشركات الإقليمية والدولية إلى السوق السورية للمساهمة في إعادة الإعمار، ومطالبًا برفع العقوبات بالكامل حتى لا تتحول إلى أداة لتكبيل الشعب السوري.
سوريا الجديدة: دولة قانون وحريات
شدد الرئيس السوري على أن بلاده تؤسس لدولة جديدة عبر بناء المؤسسات والقوانين الناظمة التي تكفل حقوق الجميع دون استثناء، معتبرًا أن سوريا بلد حضارة وثقافة يليق بها أن تكون دولة قانون تحمي الجميع وتضمن الحريات وتعيد مجدها، واختتم خطابه بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» في إشارة رمزية إلى انتصار الحق.
رسائل شكر وانفتاح
وجّه الشرع شكره لكل من وقف إلى جانب الشعب السوري واستقبله في محنته، مثنيًا على تركيا وقطر والسعودية والدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة هي «خطوة مفصلية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي واستعادة دورها الإقليمي والدولي».
تمثل كلمة الرئيس أحمد الشرع أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أول حضور رسمي لرئيس سوري على هذا المنبر منذ نحو ستة عقود، ما يجعلها حدثاً سياسياً بامتياز ورسالة واضحة على عودة سوريا إلى المسرح الدولي بعد سنوات من العزلة والحرب.
وكان التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الثلاثاء، عدداً من قادة الدول العربية والغربية على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في أول مشاركة لرئيس سوري في الاجتماعات الأممية منذ أكثر من خمسة عقود.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” أن اللقاءات جرت في مقر البعثة السورية في نيويورك، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، وشملت كلاً من ملك الأردن عبد الله الثاني، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، إلى جانب رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس وزراء النرويج يوناس غار ستوره، ورئيس جمهورية التشيك بيتر بافيل.
قالت شركة “أبل” الأميركية إنها باتت قادرة على تصدير عدد من منتجاتها وخدماتها إلى سوريا، عقب إدخال الحكومة الأميركية تعديلات على لوائح التصدير، أُعلن عنها في سبتمبر/أيلول الجاري.
وأوضحت الشركة، في بيان رسمي نُشر ضمن سياسة الامتثال التجاري الخاصة بها، أن بعض منتجاتها “المرخصة تصديريًا” أصبحت مشمولة باستثناءات جديدة من العقوبات، تشمل أجهزة الاتصالات الاستهلاكية وبعض البرمجيات والخدمات.
وأضافت “أبل” أن التغييرات جاءت بعد أن أزال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) العقوبات المفروضة على سوريا في يوليو/تموز 2025، وهو ما تلاه تعديل رسمي من وزارة التجارة الأميركية، بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول، أُدخل بموجبه استثناء جديد على لوائح التصدير يُعرف باسم “السلام والازدهار في سوريا” (SPP).
كما أشارت إلى أن وزارة التجارة قامت بتوسيع نطاق استثناء آخر يُعرف بـ “أجهزة الاتصالات الاستهلاكية” (CCD)، ليشمل سوريا ضمن شروط محددة تتعلق بالمستخدمين المسموح لهم بالتعامل.
رغم ذلك، أكدت الشركة أن وزارة الخارجية الأميركية لم ترفع بعد اسم سوريا من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، وهو ما يعني استمرار وجود قيود على بعض الفئات أو الجهات داخل البلاد، وأن استثناءات SPP وCCD لا تشمل التعامل مع “المستخدمين المحظورين”.
وتندرج غالبية منتجات أبل ضمن التصنيف التصديري الأميركي “EAR99” أو “5A992.c”، وهي فئات تُعتبر منخفضة الحساسية الأمنية، مما يُسهّل تصديرها إلى وجهات غير خاضعة لحظر كامل.
خطوة اقتصادية لافتة
تأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، إلى إعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الدولية، واستقطاب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، الذي تضرر بشدة خلال سنوات سنوات الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري.
ويرى مراقبون أن السماح بعودة منتجات وخدمات شركات أميركية كبرى، مثل “أبل”، قد يمهد لتطبيع أوسع في العلاقات الاقتصادية بين دمشق وواشنطن.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، ممثلةً بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، يوم الأربعاء 24 أيلول/سبتمبر 2025، عن تعديل نهائي وشامل على اللوائح المنظمة للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد.
وأوضحت الوزارة أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود واشنطن لتحديث سياستها تجاه سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتعزيز أدوات المحاسبة القانونية بحق المتورطين في الجرائم والانتهاكات.
أبرز ما تضمنه التعديل الجديد كان تغيير الاسم الرسمي لهذه العقوبات؛ إذ لم تعد تُعرف باسم “لوائح العقوبات المتعلقة بسوريا”، بل أصبحت تحمل اسم “لوائح تعزيز المساءلة عن الأسد واستقرار المنطقة” (Promoting Accountability for Assad and Regional Stabilization Sanctions – PAARSS). وترى واشنطن أن هذا التغيير يتجاوز البعد الرمزي، ويعكس تركيزاً أوضح على استهداف نظام بشار الأسد وكل من يهدد الاستقرار في سوريا والمنطقة المحيطة بها.
تندرج هذه اللوائح ضمن ما يُعرف بـ”قانون اللوائح الفيدرالية” (CFR)، وتحديداً الجزء رقم 569 (31 CFR Part 569)، وهو ما جرى تعديله بالكامل بموجب القرار الجديد. ويهدف التعديل إلى تنفيذ أوامر رئاسية صدرت هذا العام، من أبرزها الأمر التنفيذي رقم 14142 الصادر في 15 كانون الثاني/يناير 2025، الذي يمنح وزارة الخزانة صلاحيات لتجميد أصول كل من يثبت دعمه للنظام السابق أو تورطه في التلاعب بالموارد الاقتصادية السورية.
كما يشمل التعديل تطبيق الأمر التنفيذي رقم 14312 الصادر في 30 حزيران/يونيو 2025، والذي وسّع قائمة المستهدفين بالعقوبات لتشمل كل من يهدد الاستقرار الإقليمي أو يشارك في تهريب الأموال أو الأسلحة أو النفط من وإلى سوريا.
وشملت التحديثات أيضاً طريقة تصنيف الأسماء والكيانات على قائمة العقوبات الأمريكية المعروفة بـ”قائمة المواطنين المُصنّفين بشكل خاص والأشخاص المحظورين” (SDN List).
فقد تم اعتماد رموز جديدة بجانب كل اسم توضح نوع العقوبة والأساس القانوني لها، مثل الرمز [PAARSSR-EO13894] للإدراج بموجب أمر تنفيذي صدر عام 2019 ضد من يساهم في العنف في سوريا، والرمز [HRIT-SY] للإدراج بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة باستخدام التكنولوجيا لقمع الحريات، والرمز [SYRIA – CAESAR] الذي يشير إلى العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين لعام 2019.
وأكد بيان وزارة الخزانة أن هذه التعديلات لا تمثل تغييراً في الموقف السياسي للولايات المتحدة تجاه سوريا، بل تهدف إلى تعزيز فعالية العقوبات، وتوفير أدوات قانونية أكثر دقة لملاحقة الشبكات المالية والاقتصادية المرتبطة ببقايا النظام السابق، حتى لو كانت تعمل من خارج سوريا أو تحت أسماء وهمية.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع المعترف به دولياً، بعد انتهاء حكم بشار الأسد. وتؤكد واشنطن من خلال هذه التعديلات تمسكها بمبدأ عدم التطبيع مع أي من رموز النظام السابق، ودعمها لعملية العدالة الانتقالية، مع السعي إلى بناء بيئة قانونية متماسكة تتيح محاسبة المتورطين وضمان استقرار سوريا والمنطقة
تمثل كلمة الرئيس أحمد الشرع أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أول حضور رسمي لرئيس سوري على هذا المنبر منذ نحو ستة عقود، ما يجعلها حدثاً سياسياً بامتياز ورسالة واضحة على عودة سوريا إلى المسرح الدولي بعد سنوات من العزلة والحرب.
الخطاب جاء بلغة عالية الرمزية تجمع بين السرد العاطفي لآلام السوريين وبين الطرح السياسي لمستقبل البلاد، وهو ما يعكس محاولة مقصودة لإعادة تعريف صورة سوريا أمام الرأي العام العالمي.
سردية جديدة للمأساة السورية
ركز الشرع في مستهل كلمته على رسم صورة «الحكاية السورية» باعتبارها مواجهة بين الحق والباطل، ودمج بين الألم والأمل في سرد تاريخ طويل من القمع والقتل والتدمير على يد النظام البائد. هذه السردية تعيد تموضع دمشق في وجدان العالم كضحية سابقة للإجرام لا كطرف صراع، ما يهدف إلى حشد التعاطف الدولي ودعمه للمرحلة الجديدة.
التأكيد على النصر بلا انتقام
أبرز الشرع في خطابه أن إسقاط النظام السابق تم «بأقل الخسائر» و«من دون تهجير المدنيين أو الثأر»، مقدماً نفسه ونظامه الجديد كطرف عقلاني يسعى لتجاوز الأحقاد. هذا التركيز على قيم العفو والتسامح والعدالة الانتقالية رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي بأن سوريا الجديدة مختلفة عن نظام الأسد وأنها جاهزة لشراكة بنّاءة.
العدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة
الخطاب تضمن إشارات متكررة إلى تشكيل لجان لتقصي الحقائق، ولجنة للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، وإلى محاسبة المتورطين في الدماء. هذه النقاط تسعى إلى طمأنة الضحايا والجهات الدولية بأن سوريا لن تكرر تجارب الإفلات من العقاب، وأن بناء دولة القانون صار خياراً استراتيجياً لا شعاراً سياسياً.
رسائل إلى إسرائيل والمجتمع الدولي
حرص الشرع على التأكيد أن سوريا لا تريد أن تكون مصدر خطر لأي أحد، مذكّراً بالتزام بلاده باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وداعياً المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبها في مواجهة «التهديدات الإسرائيلية». هذه الإشارات تكشف رغبة دمشق في الدخول بمفاوضات جدّية مع إسرائيل على قاعدة الانسحاب والأمن المتبادل، وتضع الكرة في ملعب تل أبيب كما قال الشرع نفسه.
الاقتصاد والانفتاح الإقليمي
أبرز الشرع الجهود المبذولة لإعادة هيكلة المؤسسات، حصر السلاح بيد الدولة، تعديل قوانين الاستثمار، ودخول كبرى الشركات الإقليمية والدولية إلى السوق السورية. هذه الفقرة في الخطاب هي بمثابة دعوة مفتوحة للمستثمرين ورسالة طمأنة إلى العواصم المانحة بأن بيئة جديدة آمنة تتشكل في دمشق.
البعد القيمي والرمزي
أنهى الرئيس كلمته بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل…» موجهاً شكره لدول عربية وإسلامية وغربية ساندت سوريا. هذه الخاتمة تحمل دلالات مزدوجة: فهي تربط الخطاب بموروث ديني وأخلاقي وتقدم النصر باعتباره انتصاراً للحق والإنسانية، وفي الوقت نفسه تفتح الباب أمام شراكات واسعة ومتعددة الاتجاهات.
دلالات الخطاب
من خلال كلمته أعاد الرئيس "الشرع" تعريف الهوية السورية، من ضحية نظام الأسد إلى دولة قانون ومؤسسات، وحملت الكلمة طمأنة الداخل والخارج مع تأكيد العدالة الانتقالية والمساءلة وحصر السلاح بيد الدولة، ومثلت دعوة للاستثمار والانفتاح من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار، وتهيئة الأرضية لخطوات تفاوضية، خاصة في ملف إسرائيل والأكراد.
فكلمة الرئيس أحمد الشرع تعتبر وثيقة سياسية تستهدف إعادة صياغة علاقة سوريا بالعالم، والرسائل الموجهة فيها متعددة: إلى السوريين لتأكيد أن مرحلة جديدة بدأت؛ إلى الدول الإقليمية والدولية لتشجيعها على التعاون؛ وإلى الرأي العام العالمي لإقناعه بأن سوريا ما بعد الأسد جديرة بالدعم والانفتاح. إذا تمكنت دمشق من ترجمة هذه الوعود إلى أفعال ملموسة، فقد يشكل خطاب الشرع في نيويورك نقطة انعطاف حقيقية في مسار الأزمة السورية ومكانة البلاد في النظام الدولي.