يُحيي الشعب الفلسطيني والعالم العربي في السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، "يوم الأسير الفلسطيني"، كمناسبة وطنية تجدد التذكير بمأساة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتفتح في ذات الوقت جراحاً نازفة لم تُندمل بعد، تتمثل بآلاف الفلسطينيين الذين غيبهم نظام الأسد البائد في زنازينه لسنوات طويلة، دون محاكمة أو تهمة واضحة، ودون معرفة مصيرهم حتى سقوط ذلك النظام.
وأكدت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" أن الذاكرة الجمعية، الفلسطينية والسورية معاً، لن تنسى أولئك الذين اعتقلوا قسرياً واختفوا في معتقلات النظام السابق، حيث باتت قضيتهم وصمة على جبين العدالة الصامتة، وجراحاً مفتوحة في قلوب أمهات وآباء لا يعرفون إن كان أبناؤهم أحياء أم قضوا تحت التعذيب.
وقالت: "لقد كان اللاجئون الفلسطينيون في سوريا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني السوري لعقود، إلا أن سنوات الصراع الدامي الذي تفجّر منذ عام 2011، وضعتهم في مهب العنف السياسي والبطش الأمني، فوجدوا أنفسهم مستهدفين بحملات اعتقال ممنهجة واختفاء قسري، دون أن يكون لهم يد أو خيار في ذلك الصراع".
ولفتت إلى أن آلاف من الفلسطينيين، بينهم رجال ونساء وأطفال، اختفوا فجأة من مخيماتهم وبيوتهم، وتركت ملفاتهم مفتوحة دون إجابات، فيما تعيش عائلاتهم في دائرة الانتظار المؤلم، معلقة على بصيص أمل بعودة أو حتى خبر يُطمئن القلب. خلفت هذه المأساة آثاراً نفسية واجتماعية واقتصادية مدمرة، ودفعت بالعشرات من الأسر إلى هوامش الحياة في بلدان اللجوء والشتات.
وذكرت المجموعة أنه يتزامن هذا اليوم مع مشاهد الألم المتواصلة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإن *مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية* تشدد على وحدة القضية الإنسانية للأسرى الفلسطينيين، سواء في سجون الاحتلال أو خلف جدران الأنظمة القمعية. فالمعاناة واحدة، والألم لا يعرف لون السجّان، بل يعرف فقط حجم الظلم.
وطالبت المجموعة، مجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية تجاه الفلسطينيين المختفين قسرياً في معتقلات النظام السوري البائد، والكشف عن مصيرهم، وضمان الإفراج عنهم، بالتوازي مع الضغط من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وناشدت الدول المانحة والمنظمات الدولية بتخصيص برامج إغاثة عاجلة ومستدامة لعائلات المفقودين، تشمل تأمين احتياجاتهم المعيشية الأساسية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي المتخصص، في ظل ما يعانونه من آثار قاسية.
وطالبت بتشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة ومحايدة لكشف جرائم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري التي مورست بحق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة الدولية وفق القانون الدولي الإنساني.
ودعت المجموعة المؤسسات القانونية والحقوقية إلى تقديم الدعم القانوني اللازم لعائلات المفقودين، لتمكينهم من توثيق قضاياهم وملاحقة الجناة أمام المحاكم المختصة، وحفظ حقوقهم وكرامتهم.
و "يوم الأسير الفلسطيني"، ليس مجرد مناسبة رمزية، بل محطة نضالية يجب أن تتحول إلى صرخة حرة تطالب بالعدالة لكل من غيّب قسراً، ورسالة للمجتمع الدولي بأن حرية الإنسان الفلسطيني لا تتجزأ، سواء في وجه الاحتلال أو في مواجهة الطغيان، وبأن العدالة لا تسقط بالتقادم.
في أعقاب تصاعد الحراك الشعبي السوري في عام 2011، سارع نظام بشار الأسد إلى تعديل أدواته القمعية، مُبدّلاً الأسماء ومُحافظاً على الوظيفة. فجاء تأسيس "محكمة قضايا الإرهاب" عام 2012 كأداة جديدة بلبوس قانوني، استُخدمت بفعالية خلال أكثر من عقد لسحق المعارضة وملاحقة النشطاء وتصفية خصوم النظام، تحت مظلة "مكافحة الإرهاب".
التأسيس: من محكمة أمن الدولة إلى "محكمة الإرهاب"
صدر المرسوم التشريعي رقم 22 بتاريخ 26 تموز/يوليو 2012، معلناً إحداث محكمة تختص بالنظر في "قضايا الإرهاب"، لتحلّ محل محكمة أمن الدولة العليا التي أُلغيت ظاهرياً في سياق ما زعمه النظام من إصلاحات دستورية. لكن الواقع كشف سريعاً أن هذه المحكمة لم تكن إلا استمراراً لمحاكم الطوارئ الاستثنائية، تمّت هندستها لتكون أكثر مرونة في خدمة الأجهزة الأمنية.
ورغم تسميتها القانونية، لم تكن المحكمة معنية بالإرهاب كما يُفهم دولياً، بل صُمّمت لتجريم الحراك الشعبي، وشرعنة الاعتقال السياسي، وإضفاء غطاء قانوني على ممارسات الأجهزة الأمنية.
مهامها القانونية... والمخفية
تبدو مهام المحكمة، بحسب المرسوم التأسيسي، واضحة: النظر في الجرائم التي تُهدد أمن الدولة والمجتمع. لكنها، منذ إنشائها، تحولت إلى مسرح لمحاكمة كل من تجرأ على معارضة النظام، سواء بالمظاهرة أو الكلمة أو حتى تقديم المساعدة الإنسانية.
لم تكن المحاكمة عادلة بأي حال: غابت فيها الضمانات القانونية، واُستُخدمت الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة إدانة، وسُلب المعتقلون من حق الدفاع. آلاف المعتقلين نُقلوا إلى هذه المحكمة بعد سنوات من الاحتجاز، دون محامين، ودون لوائح اتهام واضحة.
أداة قمع بيد الأجهزة الأمنية
تحوّلت المحكمة إلى ما يشبه ملحقاً لدوائر الأمن، حيث تلعب النيابة فيها دور "السكرتارية" للأفرع الأمنية، التي تُحيل إليها الملفات بعد انتزاع الاعترافات بالقوة. عمل القضاة أشبه بالمصادقة على تقارير التعذيب، لا النظر في أدلة أو استجواب شهود.
ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن المحكمة كانت الأداة الرئيسة لملاحقة عشرات آلاف السوريين، بما فيهم طلاب جامعات، إعلاميون، أطباء، عاملون في منظمات إغاثية، وحتى قُصّر. كما استُخدمت المحكمة لإصدار أحكام بالإعدام والسجن المؤبد بناء على تقارير أمنية أو نشاط إعلامي، وسط تجاهل تام لقواعد المحاكمة العادلة.
محكمة تصادر الحقوق والممتلكات
لم تكتف المحكمة بحرمان المواطنين من حرياتهم، بل تجاوزت ذلك إلى مصادرة ممتلكاتهم. فبموجب المرسوم رقم 63 لعام 2012، أُعطيت المحكمة صلاحية الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لأي شخص تُوجه له تهمة الإرهاب، حتى وإن كانت غيابية.
المراحل التي مرّت بها المحكمة||
12012–2014: التأسيس والانفجار القمعي
شهدت المحكمة في سنواتها الأولى تدفقاً غير مسبوق من القضايا القادمة من أجهزة الأمن، وكانت محاكمات المتظاهرين السلميين عنوان هذه المرحلة. آلاف السوريين أدينوا بتهم فضفاضة مثل "إضعاف الشعور القومي" أو "التحريض على أعمال إرهابية".
2015 - 2018: استهداف المجتمع المدني
انتقلت المحكمة لتجريم العمل المدني، حيث شملت قائمة المتهمين نشطاء إعلاميين، عمال إغاثة، محامين، وأكاديميين. تصاعد عدد الأحكام الطويلة بالسجن، وبرزت تقارير عن ابتزاز مالي ممنهج مقابل تخفيف الأحكام أو تسريع الإجراءات.
2019–2021: تغييرات شكلية وتجميل الواجهة
أُعلن نظام الأسد عن تغييرات في بنية المحكمة شملت تعيينات جديدة، لكن التقارير أكدت أن سلوكها القمعي لم يتغير. تغييرات صورية لم تطل البنية الأمنية العميقة التي تديرها، بل زادت من طابعها الأمني من خلال تعيين ضباط أمنيين كقضاة تحقيق.
في تقريرها الصادر بتاريخ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" عن الممارسات القمعية التي اتخذت من "محكمة قضايا الإرهاب" غطاءً قانونياً لإسكات المعارضين والمطالبين بالتغيير السياسي في سوريا، معتبرة أن هذه المحكمة تحولت إلى فرع أمني بغطاء قضائي يخدم مصالح النظام البائد في مواجهة الحراك الشعبي.
محكمة سياسية بامتياز
وصف التقرير المحكمة بأنها "كيان أمني/سياسي"، هدفه الأساسي ليس مكافحة الإرهاب، بل القضاء على المطالبين بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. ووفق بيانات الشبكة، لا يزال ما لا يقل عن 10,767 شخصاً يخضعون لإجراءات هذه المحكمة، التي نظرت منذ تأسيسها في نحو 91 ألف قضية، إضافة إلى إصدارها قرارات بحجز ممتلكات في 3,970 حالة على الأقل.
أدوات التصفية: من الاعتقال إلى المصادرة
أوضح التقرير أن المحكمة اعتمدت على شبكة من الإجراءات القمعية شملت الاعتقال التعسفي، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، واعتماد الضبوط الأمنية كأدلة وحيدة، ليتم تحويل الملفات لاحقاً إلى المحكمة دون أي التزام بأصول المحاكمات أو قواعد الإثبات القانونية.
كما لفت التقرير إلى أن النص القانوني الذي تستند إليه المحكمة صيغ بطريقة فضفاضة، ما يتيح توجيه التهم لأي شخص، وتحويل النشاط السياسي أو الإعلامي أو حتى المساعدات الإنسانية إلى "جرائم إرهابية" يعاقب عليها بأشد الأحكام، والتي قد تصل إلى الإعدام.
قضاء خاضع للسلطة التنفيذية
أكدت الشبكة أن المحكمة لا تتمتع بأي قدر من الاستقلالية، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية السابق كان يعيّن قضاة المحكمة بمن فيهم قضاة التحقيق وقضاة النقض، في مخالفة صريحة لمبدأ فصل السلطات. ورأى التقرير أن هذه الممارسات تجعل من المحكمة امتداداً طبيعياً للأفرع الأمنية، وليست هيئة قضائية مستقلة.
كما بيّن أن رئيس النيابة العامة في المحكمة لعب دور الوسيط بين الأجهزة الأمنية والقضاة، وأن قاضي التحقيق غالباً ما كان يرفض التصديق على إفادات المعتقلين بتعرضهم للتعذيب، مكتفياً بتسجيل الضبط الأمني بوصفه "دليلاً" قانونياً.
تغوّل على الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة
انتقد التقرير بشدة غياب الحق في الدفاع، متهماً المحكمة بانتهاك "الحق المقدس" في المحاكمة العادلة. وأوضح أن جلسات محكمة الجنايات غالباً ما كانت تستند إلى سطور معدودة من الضبوط الأمنية، وقد تنتهي بالحكم بالإعدام لمجرد المشاركة في مظاهرة أو إبداء رأي معارض.
وأشار إلى أن الطعون في الأحكام لا تُجدي نفعاً أمام منظومة تعتمد على التعذيب كوسيلة إثبات، وذكر حالات اختفاء معتقلين بعد مثولهم أمام المحكمة، إضافة إلى إعادة اعتقال مفرج عنهم، ما يؤكد تغوّل السلطة الأمنية على المسار القضائي.
غطاء قانوني لمصادرة ممتلكات المعارضين
توقّف التقرير مطوّلاً عند البعد الاقتصادي للمحكمة، كاشفاً عن استخدامها كأداة لتجريد المعارضين من ممتلكاتهم. ووفقاً للمرسوم رقم 63 لعام 2012، بات بإمكان المحكمة، ووزارة المالية، والأجهزة الأمنية، إصدار قرارات بمصادرة جماعية تستهدف آلاف المواطنين المحالين إلى المحكمة غيابياً أو حضورياً.
وأشار التقرير إلى أن أوامر الحجز لا تقتصر على المتهمين، بل تشمل أفراد أسرهم، بما في ذلك الآباء والأمهات والأبناء والزوجات. وسجلت الشبكة ما لا يقل عن 3,970 حالة حجز منذ عام 2014 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2020، شملت 57 طفلاً على الأقل.
استثنائية في دولة لا تحترم القانون
رأت الشبكة أن محكمة قضايا الإرهاب تنتهك أحكام القانون الدولي العرفي والمادة الثالثة من اتفاقيات جنيف، إذ لا تتمتع بشرعية قانونية، ولا تخضع لمبدأ الحياد أو الاستقلال. وأكد التقرير أن حرمان المتهمين من الحق في محاكمة عادلة يُصنّف ضمن جرائم الحرب، وفق النظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف التقرير أن النظام السوري وظّف خطاب "مكافحة الإرهاب" لتشويه صورة المعارضة، حيث جرى وصف كل من طالب بتغيير النظام بـ"الإرهابي"، ما أتاح تبرير استخدام العنف والقتل والمصادرة ضدهم، وتمرير ذلك من خلال محكمة سُمّيت بـ"محكمة الإرهاب"، في حين أن النظام نفسه هو من صاغ قانونها، وعيّن قُضاتها، وحدد إجراءاتها.
2022–2024: استمرار القمع وتغييب الملفات
مع تصاعد الحراك المعارض مجدداً، عادت المحكمة لتنشط في إصدار أحكام جماعية، رغم محاولة النظام التعتيم على نشاطها. واستخدمت مجدداً لتصفية نشطاء وتصفية حسابات سياسية داخل بنية النظام نفسه.
بعد سقوط النظام: تفكيك المحكمة وفتح ملفاتها
في شباط/فبراير 2025، وبعد انهيار نظام الأسد، أصدرت وزارة العدل السورية قراراً بإحالة 87 قاضياً من محكمة الإرهاب إلى التحقيق، لفتح ملفات التجاوزات التي ارتكبوها بحق المعتقلين. وقد بدأت بالفعل عمليات جمع شهادات ناجين وتدقيق الملفات القانونية، تمهيداً لمحاكمات قضاة ثبت تورطهم بأحكام تعسفية وبالفساد القضائي.
أرقام وحقائق صادمة
- أكثر من 91 ألف قضية نظرت بها المحكمة خلال عقد، وفق تقديرات حقوقية.
- نحو 10,767 شخصاً لا يزالون قيد المحاكمة أو الاحتجاز ضمن ملفات المحكمة.
- 177,021 شخصاً موثقين كمختفين قسرياً منذ عام 2011، معظمهم أُحيلت ملفاتهم إلى محكمة الإرهاب دون محاكمة.
- ما لا يقل عن 45,332 شخصاً قُتلوا تحت التعذيب في مراكز احتجاز، كثير منهم مرّ بمحكمة الإرهاب ولم تُسلّم جثامينهم لذويهم.
محكمة الإرهاب... بين القانون الدولي وجرائم الحرب
بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن المحكمة تُمثل انتهاكاً صريحاً لأبسط معايير المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الدولي. إذ إن قضاة المحكمة عُيّنوا من قبل رأس النظام مباشرة، وأحكامهم لا تستند إلى أدلة قانونية، بل إلى تقارير فروع الأمن.
كما أن المحكمة حاكمت مدنيين وعسكريين وأحداثاً ضمن بنية قضائية واحدة، خلافاً للقواعد الدولية التي تفصل بين هذه الفئات من المتهمين، وقد أدرجت الشبكة السورية هذه المحكمة كأداة رئيسية ارتكب النظام من خلالها جرائم ضد الإنسانية، ما يجعل القضاة العاملين فيها عرضة للمساءلة في المحاكم الدولية.
ضرورة تفكيك المحكمة وبناء قضاء نزيه
أثبتت محكمة قضايا الإرهاب أنها لم تكن يوماً مؤسسة عدلية، بل سيفاً بيد النظام لتصفية خصومه. واليوم، بعد سقوط هذا النظام، تُطرح الأسئلة الملحة حول مصير هذه المحكمة، وضرورة تفكيكها، ومحاسبة كل من أسهم في أعمالها، سواء كانوا قضاة أو محققين أو موظفين قضائيين.
في المقابل، يؤكد حقوقيون أن بناء قضاء سوري جديد لا يمكن أن يتم دون الكشف الكامل عن الجرائم التي ارتُكبت تحت عباءة "العدالة"، ووضع إطار قانوني يضمن استقلال القضاء ويحمي حقوق الإنسان، ويعيد الاعتبار لمفهوم الدولة القانونية بعد سنوات من التلاعب به باسم مكافحة الإرهاب.
بالرغم من سنوات الاصطفاف مع النظام السابق ومواقفه القمعية، يحاول عدد من الفنانين السوريين اليوم إعادة رسم صورتهم الشعبية والتقرب من الشارع الثوري، في تحوّل لافت أثار ردود فعل متباينة، اتخذ بعضها طابع السخرية والرفض القاطع.
ويأتي هذا الحراك المتأخر بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وبدء مرحلة جديدة في سوريا تقوم على الحرية والمحاسبة، وهو ما يبدو أن بعض الوجوه الفنية تسعى لمواكبته لتجنب السقوط في ذاكرة السوريين.
إدلب بين الإنكار والتغنّي بها
لطالما كانت محافظة إدلب مهمشة ومغيّبة عن الحضور الرسمي والإعلامي في عهد آل الأسد، الأب والابن، وكانت صورتها ترتبط في ذهن النظام بأنها بعيدة عن "مراكز النفوذ"، رغم كونها مهداً من مهود الثورة السورية.
وفي واقعة شهيرة، حين سُئلت الممثلة شكران مرتجى عن محافظة تبدأ بحرف "الباء"، أجابت إحدى المشاركات في البرنامج "إدلب"، فما كان من مرتجى إلا أن طالبت باسم آخر، لترد المتسابقة بـ"حلب"، في مشهد بدا انعكاساً للاستخفاف الرسمي بالمحافظة الثائرة.
لكن اليوم، وفي مشهد مقلوب تماماً، بات بعض الفنانين المعروفين سابقاً بولائهم المطلق لبشار الأسد، يتغنون بإدلب وأهلها في محاولة –وصفها كثيرون– بأنها "تكويع" سياسي وفني للتماشي مع التحولات الجديدة.
نعيم الشيخ: من سميرة إلى إدلب
المطرب الشعبي نعيم الشيخ، الذي ارتبط اسمه سابقاً بأغانٍ عاطفية تتغزل بحبيبته المتخيلة "سميرة"، ظهر مؤخراً في تسجيل مصور يقول فيه: "ياريتني من إدلب، وأخد واحدة إدلبية، وأم عيون السود وساع ما خلت عكل بيا"، في لحن ساخر بدا أقرب لطلب الغفران منه إلى التغني بحب.
موجة من التعليقات الساخرة هاجمت الشيخ على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت إحدى المتابعات: "الله يرحم أيام زمان كيف كنتو، حبيت التكويع"، وأضاف آخر: "كان الله ورجال الأسد، شقد من غنيت لادلب رح تبقى طبل"، فيما قال ثالث: "لك هلق صرتو تحبوا إدلب؟ الله يعز إدلب وكل شريف".
حسام جنيد: "أنا من بنش" بعد إنكار طويل
وفي ذات السياق، ظهر المغني حسام جنيد في فيديو آخر يردد كلمات أغنية تقول: "ألي الشرف أني كون... يا ابن الأسعد ألي الشرف أني كون إدلبي، أنا من بنش وأرضي حلب". مقطع لم يمر مرور الكرام، إذ سرعان ما أعاد الجمهور التذكير بإنكاره السابق لأصله، وادعائه مراراً الانحدار من الساحل السوري، نكاية بانتمائه الإدلبي.
وتداول المتابعون تعليقات لاذعة منها: "شو عم يصير؟ نعيم الشيخ، وأنت صرتو تمجدو أهل إدلب شكلا إدلب رح تصير قرداحة نمبر 2"، وكتب آخر: "لاتجيب سيرة إدلب على لسانك. فهمنا إنكم مكوعين بس لهالدرجة تمسيح جوخ؟ مفكرين رح نرضى عنكن إذا تغنوا باسم إدلب؟ والله مارح ننسى مواقفكم السابقة".
ذاكرة الثورة لا تسامح بسهولة
يرى متابعون أن ما يفعله بعض الفنانين من تمجيد متأخر للمناطق الثائرة لا يمكن أن يُمحى به تاريخ طويل من الاصطفاف مع القمع والسكوت عن جرائم النظام. فتاريخ التشبيح العلني الذي مارسه بعضهم لا يُمحى بكلمات غزل أو أغنية عابرة، وهم بذلك يسيرون على خطى من سبقهم من الوجوه المتهاوية مثل دريد لحام وسلاف فواخرجي، الذين خسروا الشارع بعد أن اختاروا صف المستبد.
الثورة السورية التي قدّمت التضحيات الجسيمة، لا تنسى بسهولة من وقف ضدها أو تواطأ بصمته، وتعتبر أن "تبييض الصفحات" لن يمنح أحداً براءة من المواقف السابقة، خاصة حين تكون على حساب الدم والحرية.
أصدرت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريراً مفصلاً يستعرض رؤيتها لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، وذلك في ضوء التغير السياسي الجذري الذي شهدته البلاد عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وأوضح التقرير أنَّ المرحلة الانتقالية الراهنة تشكل منعطفاً تاريخياً يقتضي الانتقال نحو مرحلة جديدة تعالج الإرث الثقيل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وترسخ مبادئ العدالة والسلم الأهلي. وفي هذا السياق، تُعد العدالة الانتقالية المنهج الأمثل لتحقيق تعافٍ شامل من آثار النزاع، وبناء أسس راسخة لدولة تقوم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة الوطنية، بما يضمن استقراراً دائماً.
وأشار التقرير إلى أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان عملت على توثيق الانتهاكات بشكل يومي ومنهجي منذ عام 2011 وحتى الآن، وقامت بإنشاء قاعدة بيانات شاملة تحتوي على ملايين الوقائع، وأصدرت أكثر من 1800 تقرير وبيان غطَّت كافة مراحل النزاع. وقد وثَّقت هذه التقارير أبرز الخسائر البشرية والمادية التي خلفت آثاراً عميقة على المجتمع والدولة السورية خلال 14 عاماً، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والإخفاء القسري، والوفيات جراء التعذيب، واستخدام الأسلحة المُدمِّرة، والتشريد القسري.
وأكد التقرير أنَّ الخطوة الأولى لتحقيق العدالة الانتقالية تتمثل في تشكيل هيئة وطنية متخصصة، تتمتع بالكفاءة والنزاهة والخبرة، وتضم شخصيات مستقلة تمثل مختلف أطياف المجتمع السوري. وشدد التقرير على أهمية الملكية الوطنية والمشاركة المجتمعية، مؤكداً أنَّ العدالة الانتقالية هي الركيزة الأساسية لعملية الانتقال السياسي.
إنشاء هيئة العدالة الانتقالية
الإطار القانوني لتشكيل هيئة وطنية للعدالة الانتقالية:
يقوم المجلس التشريعي، الذي سيُشكَّل عقب الإعلان الدستوري، بإعداد قانون تأسيسي يُحدِّد مسار العدالة الانتقالية، ويستند القانون التأسيسي إلى التشريعات الوطنية ذات الصلة ويتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مما يعزز مصداقية الهيئة ويكسبها شرعية وطنية ودولية.
يتضمن القانون عدة فصول تنظِّم هيكلية الهيئة، واختصاصاتها، وآليات عملها، ومعايير اختيار أعضائها، وأساليب تعاونها مع المؤسسات القضائية والرسمية، وآليات تقديم التقارير، وتحقيق مبادئ الشفافية والمساءلة.
تتوزع الفصول الرئيسة التي يجب أن يشملها القانون على النحو التالي:
الفصل الأول: التعريفات والمبادئ العامة.
الفصل الثاني: هيكلية الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
الفصل الثالث: آليات العدالة الانتقالية.
الفصل الرابع: الإطار القانوني والتنظيمي لإصلاح المؤسسات.
ونوه التقرير إلى أنَّ فصول القانون التأسيسي قد تخضع للتعديل والتطوير وفق المتغيرات والظروف المستجدة في المشهد السوري، وأكد التقرير على أهمية استقلالية الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية استقلالاً كاملاً عن السلطة التنفيذية، مع ضرورة عملها في ظل نظام قضائي مستقل ومحايد، وذلك على النحو التالي:
ينص القانون على استقلال الهيئة عن وزارة العدل، باعتبارها جزءاً من السلطة التنفيذية. تعمل الهيئة في إطار النظام القضائي السوري، الذي يُفترض أن يكون مستقلاً تماماً عن السلطة التنفيذية وتتولى الهيئة مهام الكشف عن الحقيقة، وتوثيق الانتهاكات، وتعويض الضحايا، وتساهم مع السلطة القضائية في تشكيل محكمة خاصة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم الجسيمة، بحيث تكون هذه المحكمة جزءاً من النظام القضائي الوطني.
يُعد استقلال القضاء شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة الانتقالية، ويجب تضمين ضمانات دستورية واضحة تؤكد استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وتكون المحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى على رأس النظام القضائي، الذي يتولى بدوره إنشاء المحكمة الخاصة بقضايا العدالة الانتقالية، وصياغة القانون الجنائي الذي يختص بمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أركان العدالة الانتقالية في سوريا
يقول فضل عبد الغني مدير الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان: “لضمان نجاح عملية العدالة الانتقالية في سوريا، من الضروري أن تعمل جميع آليات العدالة الانتقالية، بما في ذلك المساءلة الجنائية، وكشف الحقيقة وتقصي الحقائق، وجبر الضرر والتعويض، والإصلاحات المؤسسية، بصورة متوازية ومتكاملة تحت إدارة موحدة ضمن إطار هيئة العدالة الانتقالية. يتيح هذا النهج الشامل معالجة جميع أوجه الانتهاكات بشكل منسق، مما يعزز فعاليتها واستجابتها لاحتياجات الضحايا والمجتمع السوري ككل.”
وفي ضوء ذلك، حدّد التقرير أربعة أركان أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، وهي:
المحاسبة الجنائية.
● كشف الحقيقة والمصالحة.
● جبر الضرر والتعويض وتخليد الذكرى.
● إصلاح المؤسسات (القضاء، والأمن، والجيش).
أ. المحاسبة الجنائية
على مدار 14 عاماً، قامت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان بالتوثيق اليومي الدقيق لانتهاكات نظام الأسد المخلوع، وأنشأت قاعدة بيانات شاملة تضم ملايين الوقائع الموثقة لمختلف أطراف النزاع. كما حددت الشَّبكة هوية الأفراد المتورطين في هذه الانتهاكات، وتمكنت من جمع قائمة موسعة تضم أسماء نحو 16,200 متورط، بينهم:
6,724 فرداً من القوات الرسمية، التي تشمل الجيش وأجهزة الأمن.
9,476 فرداً من القوات الرديفة، التي تضم ميليشيات ومجموعات مساندة قاتلت إلى جانب القوات الرسمية.
ونظراً للتحديات الكبيرة التي تواجه جهود المساءلة والمحاسبة، أكَّد التقرير على ضرورة التركيز على محاسبة القيادات العليا من الصفين الأول والثاني في الجيش وأجهزة الأمن التابعة للنظام السابق، والذين تورطوا بشكل مباشر في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة من آذار/مارس 2011 وحتى كانون الأول/ديسمبر 2024.
الإطار القانوني للمحاسبة الجنائية
شدد التقرير على أهمية وضع إطار قانوني واضح ومحدد للمحاسبة الجنائية، يتضمن: تشكيل هيئة العدالة الانتقالية لجاناً قانونية مختصة تضم خبراء محليين ودوليين لوضع هذا الإطار القانوني، وقيام هذه اللجان بمهمة مراجعة وإصلاح القوانين المحلية الحالية، وخاصة تلك التي وُضعت لحماية النظام وأركانه أو التي تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كذلك صياغة قوانين وتشريعات جديدة تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتتكامل مع مبادئ وأحكام القانون الدولي، والتأكيد على ضرورة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية أو قبول اختصاصها بشكل واضح في الإطار القانوني.
تقصي الحقائق
لضمان فعالية المحاسبة الجنائية، أشار التقرير إلى أهمية الاعتماد على لجان تقصي الحقائق التي تؤدي دوراً محورياً في جمع الأدلة الجنائية والوثائق اللازمة وتقديمها إلى المحاكم المختصة بقضايا العدالة الانتقالية، مع التركيز على استرداد الأدلة والوثائق المخزنة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية، مثل:
الفروع الأمنية ومراكز الاحتجاز والسجون.
● دوائر السجل المدني.
● المستشفيات العسكرية والمدنية.
● المحاكم والدوائر القضائية.
● المنشآت والمؤسسات المسؤولة عن سجلات الملكية والعقارات.
● مراكز رعاية الأيتام.
إنشاء محاكم مختلطة متخصصة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (محاكم وطنية بدعم من الخبرات الدولية)
أوضح التقرير أنَّ المحاكم المختلطة تمثل خياراً عملياً وفعالاً في الحالة السورية، بالنظر إلى التحديات التي يعاني منها النظام القضائي الوطني، كضعف الموارد وإرث الفساد المترسخ من العهد السابق. وتقدم هذه المحاكم نموذجاً يجمع بين العناصر الوطنية والدولية في تشكيلها وفي أطرها القانونية والتنظيمية، مما يضمن الحفاظ على سيادة الدولة والملكية الوطنية لعملية المحاسبة، مع التزام كامل بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأكد التقرير أيضاً أهمية الاستفادة من الآليات الدولية المتاحة لمحاكمة مجرمي الحرب الذين فرّوا خارج البلاد، بما في ذلك استخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية والإقليمية لتسليم المطلوبين إلى الجهات القضائية المختصة.
ب. الحقيقة والمصالحة
أكّد التقرير أهمية إنشاء لجان متخصصة لكشف الحقيقة، تتولى مهام توثيق الانتهاكات وتحديد مرتكبيها ودعم جهود العدالة والمساءلة، بهدف ترسيخ أسس المصالحة الوطنية. ويتم ذلك عبر:
اعتماد منهج يركز على الضحايا عبر توثيق شهاداتهم ورواياتهم، بما يسهم في صياغة ذاكرة وطنية مشتركة حول الانتهاكات، وجمع شهادات المتورطين بالانتهاكات بهدف فهم البنية التنظيمية لهذه الجرائم، والكشف عن تفاصيل وآليات تنفيذها، وتحديد مصير المفقودين كخطوة جوهرية في عملية كشف الحقيقة، وإعادة الكرامة للضحايا والتخفيف من معاناة ذويهم.
دور لجان الحقيقة في تحقيق المصالحة
وفقاً للتقرير، تؤدي لجان الحقيقة دوراً محورياً في تحقيق مستوى من العدالة المحلية من خلال معالجة المظالم وتسهيل المصالحة دون الاعتماد الكامل على النظام القضائي الرسمي. يتم ذلك عبر تشكيل مجالس عُرفية ولجان مصالحة في مختلف المحافظات السورية، تضم وجهاء المجتمع من شخصيات قيادية، ووجهاء عشائريين، ورجال دين، مع الاستفادة من تجارب المجتمع السوري التي طوّرت على مدى السنوات الماضية آليات الصلح العشائري، والتي تشمل حلولاً تقوم على الصفح، أو التسامح بموجب اتفاقيات تراضٍ، أو دفع الدية، أو الاعترافات العلنية كبديل للعقوبات التقليدية.
ت. جبر الضرر والتعويض وتخليد الذكرى
أكد التقرير على أهمية إعداد وتنفيذ برامج شاملة لجبر الضرر والتعويض، تتضمن تقديم الدعم المادي والمعنوي للضحايا، وضمان إعادة إدماجهم بشكل فعّال في المجتمع، وذلك من خلال لجان متخصصة تتولى المهام التالية:
تحديد الفئات التي يشملها برنامج التعويض. تحديد طبيعة الأضرار التي يمكن التعويض عنها، سواء كانت اقتصادية أو جسدية أو نفسية، وتصميم هيكل متكامل للتعويضات يشمل التعويضات الفردية، والتعويضات الموجهة للمجتمعات المتضررة، والتعويضات المقدمة على شكل خدمات، إضافة إلى جبر الضرر المعنوي، ووضع آلية واضحة لتوزيع التعويضات مع تحديد إطار زمني مُلزم لإنجاز هذه العملية.
التعويض المادي
أشار التقرير إلى أنَّ التعويض المادي لا يقتصر على المنح المالية المباشرة فقط، بل يمكن أن يشمل أيضاً منح الضحايا خدمات تفضيلية في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، وإعادة حقوق الملكية وتمويل مشاريع الإسكان وتأهيل البنية التحتية، ودعم التأهيل الاقتصادي الفردي والجماعي، إضافةً إلى إنشاء برامج لتعويض خسائر الدخل.
جبر الضرر المعنوي وتخليد الذكرى
سلّط التقرير الضوء على أهمية تقديم مختلف أشكال الدعم المعنوي للضحايا، بما في ذلك برامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، والدعم القانوني. ومن الممكن تقديم تعويضات رمزية كاعتراف علني بالتضحيات التي قدّمها الضحايا، وتقديم الاعتذارات العلنية من قِبل مرتكبي الجرائم.
وأوضح التقرير أنَّ طرق تخليد ذكرى الضحايا تشمل إقامة النصب التذكارية، وتخصيص أيام وطنية لإحياء الذكرى، وإنشاء المتاحف والمراكز الأرشيفية التي توثّق الانتهاكات، وإطلاق أسماء الضحايا على الأماكن العامة، وإدماج إرث الثورة والانتهاكات في مناهج التعليم الوطنية، إلى جانب الاعتراف الرسمي بالتضحيات التي قدمها الشعب السوري، وتقديم الاعتذارات العلنية من الأطراف المسؤولة.
ث. إصلاح المؤسسات
أكد التقرير أنَّ إصلاح مؤسسات الدولة كافة يُعد ضرورةً ملحَّة نظراً لما شهدته من فساد وتدهور خلال عهد النظام السابق، لكنه شدَّد على منح الأولوية في المرحلة الانتقالية للمؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية، كونها الأكثر تورطاً في الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت الشعب السوري خلال سنوات النزاع.
إصلاح المؤسسة القضائية
اعتبر التقرير أنَّ إصلاح القضاء يمثل أولويةً أساسية في المرحلة الانتقالية، بهدف تعزيز آليات المساءلة، والحد من الإفلات من العقاب، وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي، وقد قدّم التقرير خارطة طريق تفصيلية لإصلاح المؤسسة القضائية، من أبرز محاورها:
إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى والقوانين الناظمة لاستقلال القضاء.
إلغاء المحاكم الاستثنائية ودمجها في إطار القضاء العادي.
تعزيز الشفافية في آليات تعيين وترقية القضاة، وتحسين ظروفهم المعيشية.
كذلك، أبرز التقرير الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني والجهات الدولية في دعم عملية الإصلاح القضائي، من خلال تقديم الدعم الفني والقانوني، وتنفيذ برامج التدريب المتخصصة، وتفعيل دور النقابات المستقلة وجمعيات القضاة، والاستعانة بخبرات قانونية دولية متخصصة.
إصلاح القطاع الأمني
وضع التقرير إطاراً متكاملاً للإصلاح الأمني في سوريا المستقبل، يرتكز على المحاور التالية: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتحديد مهامها وصلاحياتها بشكل واضح، وإصلاح العقيدة الأمنية بما يضمن حماية المواطنين واحترام حقوق الإنسان، وتطوير نظام واضح للتجنيد والتوظيف ضمن الأجهزة الأمنية، وتعزيز مبادئ الشفافية وآليات المساءلة والرقابة الداخلية.
ولفت التقرير إلى وجود تحديات كبيرة في عملية إصلاح القطاع الأمني، أهمها: المقاومة السياسية والطائفية الناتجة عن صعوبة تفكيك الولاءات المتجذرة داخل الأجهزة الأمنية، والمقاومة الداخلية التي يبديها بعض أفراد الأجهزة الأمنية خوفاً من فقدان نفوذهم أو امتيازاتهم، كذلك القيود الاقتصادية المرتبطة بصعوبة توفير الموارد المالية اللازمة لتحسين ظروف العاملين في القطاع الأمني دون التأثير سلباً على القطاعات الحيوية الأخرى، كالتعليم والصحة.
إصلاح المؤسسة العسكرية
أشار التقرير إلى أنَّ عملية إصلاح المؤسسة العسكرية السورية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد وتفكك الجيش السابق، هي عملية طويلة ومعقدة، لكنَّها تظل ضرورةً حتمية لاستعادة الاستقرار وبناء دولة قوية ومتماسكة، واستعادة الثقة بين المواطنين والقوات المسلحة.
تتطلب هذه العملية إجراءات أساسية تشمل: نزع سلاح المجموعات المسلحة كافة، وتفكيك الهياكل العسكرية الموازية ودمج جميع الفصائل ضمن جيش وطني موحد، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على نحو يضمن عدم تكرار الانتهاكات السابقة.
خطوات إصلاح المؤسسة العسكرية
وفقاً للتقرير، يتطلب إصلاح المؤسسة العسكرية اعتماد خطة شاملة تتضمن المحاور التالية:
توفير إطار سياسي وقانوني من خلال سن التشريعات الضرورية لعملية الدمج والمساءلة، بما يتوافق مع القانون الدولي، وإحصاء وتقييم الفصائل المسلحة، وتسريح العناصر غير المؤهلة وإعادة إدماجهم في الحياة المدنية، وإعادة توزيع القوى البشرية بشكل متوازن، وتوفير برامج التدريب وإعادة التأهيل.
كذلك إنشاء هيكل تنظيمي جديد يعكس التنوع المجتمعي ويعزز الهوية الوطنية، وتوفير التسليح والتجهيز اللازم للجيش وفق معايير واضحة، وإنشاء هيئة مدنية مستقلة للإشراف والمحاسبة ومراقبة عملية الإصلاح وضمان الشفافية، إضافة إلى تشكيل محاكم عسكرية متخصصة لمحاسبة الأفراد المتورطين في الانتهاكات.
خاتمة: نحو مستقبل سوري قائم على العدالة والكرامة
خلص التقرير إلى أنَّ هذه الرؤية التي تقدّمها الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تمثّل خارطة طريق نحو بناء سوريا الجديدة، وأنَّ الالتزام بمسار العدالة الانتقالية يُعد ضرورة وطنية لضمان عدم تكرار مأساة الماضي، وتحقيق الاستقرار الدائم الذي يطمح إليه السوريون بعد عقود من الاستبداد والنزاع المدمر.
وشدَّد التقرير على أنَّ نجاح هذه الرؤية يتطلب التزاماً جماعياً من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الضحايا والناجون، مؤسسات الدولة، منظمات المجتمع المدني، والمجتمع الدولي. فليس بمقدور أي طرف بمفرده أن يحقق العدالة الانتقالية، كما أنَّه لا يمكن لأي ركن من أركانها الأربعة (المحاسبة الجنائية، كشف الحقيقة، التعويض وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات) أن يحقق الفعالية المنشودة بمعزل عن بقية الأركان.
وأكد التقرير أخيراً على أنَّ العدالة الانتقالية ليست نهاية الطريق، بل هي بداية مسار طويل نحو التعافي الوطني الشامل وإعادة بناء سوريا التي يستحقها كل السوريين؛ سوريا الحرية والكرامة، دولة القانون والعدالة.
تواصل العيادة المتنقلة في مدينة صلخد، جنوب محافظة السويداء، أداء دورها الحيوي كجسر إنساني يصل بين سكان القرى النائية والخدمات الصحية الأساسية، في ظل غياب المراكز الطبية في العديد من التجمعات السكانية. وتقوم العيادة بتنفيذ جولات منتظمة بمعدل يومين أسبوعياً، تُخصص كل مرة لقرية مختلفة، بهدف تغطية أوسع شريحة من السكان الذين يعيشون بعيداً عن المنشآت الصحية الثابتة.
إيصال العلاج إلى منازل المحتاجين
وفي تصريح لموقع "السويداء 24"، أوضحت غادة نصر الدين، مسؤولة قسم الإمداد في صلخد وإحدى كوادر العيادة، أن الهدف من المشروع هو تأمين الأدوية الضرورية مباشرة للمرضى، دون تحميلهم أعباء التنقل أو عناء الوصول إلى مراكز صحية بعيدة.
تُوزع ضمن هذه الجولات قائمة متنوعة من الأدوية تشمل مسكنات، وعلاجات للضغط والغدة، وأدوية التهابات، بالإضافة إلى فيتامينات للأطفال والكبار، ومواد خاصة بالإسعافات الأولية. ويتم تأمين هذه المستحضرات من مديرية الصحة العامة ثلاث مرات سنوياً، ما يجعل توفر بعض الأصناف متغيراً بحسب العقود والمناقصات.
دعم الموظفين ودوائر الدولة
ولم تقتصر خدمات العيادة على القرى فقط، بل بادرت فرقها إلى إيصال الأدوية للموظفين العاملين في الدوائر الحكومية في مدينة صلخد، خاصة أولئك الذين لا تسمح طبيعة أعمالهم بمغادرة أماكن عملهم، مثل موظفي الأفران، المحكمة، المالية، المياه، المصرف الزراعي والبلدية. ويتم التنسيق مع هذه الجهات بشكل مباشر لضمان توزيع الأدوية بشكل منظم وفعّال.
برامج تثقيف وتغذية وصحة إنجابية
وبالتوازي مع التوزيع الدوائي، تنفذ العيادة المتنقلة برامج توعوية وصحية، تشمل التثقيف بشأن أهمية اللقاحات، والوقاية من الأمراض المعدية، والتوعية بمخاطر مخلفات الحرب. كما يتضمن عملها برنامجاً مخصصاً للتغذية يُعنى بقياس مؤشرات سوء التغذية لدى الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل، مع تقديم نصائح غذائية مناسبة.
كما تقدم العيادة برنامجاً داعماً للصحة الإنجابية يشمل توعية النساء الحوامل وتنظيم الأسرة، إلى جانب برنامج خاص بكبار السن يُعنى بقياس ضغط الدم وإحالة الحالات المرضية التي تتطلب رعاية متخصصة إلى المراكز الصحية المتوفرة.
تقديم اللقاحات وخدمة استشارية
ورغم أن طبيعة عمل العيادة لا تشمل الفحوصات الطبية المباشرة، إلا أنها توفر استشارات أولية وتُخصّص يوم الإثنين أسبوعياً لتقديم اللقاحات ضمن إطار برنامج الرعاية الصحية الدورية.
التزام وجودة رغم التحديات
وأكدت غادة نصر الدين أن الفريق العامل في العيادة ملتزم بتقديم الخدمة الصحية وفق أعلى المعايير الممكنة، ويعمل جاهداً لضمان إيصال الأدوية إلى مستحقيها الحقيقيين، ما يجعل من العيادة المتنقلة نقطة ارتكاز مهمة في منطقة تعاني من ضعف في البنية التحتية الصحية.
تُعد العيادة المتنقلة في صلخد اليوم بمثابة "رئة طبية" للقرى المحرومة، وواحدة من المبادرات التي تعكس جوهر التضامن المجتمعي، في سبيل بناء نظام صحي أكثر عدالة وإنصافاً.
أصدر وزير العدل السوري، الدكتور مظهر الويس، قرارين متتاليين يهدفان إلى تعزيز الشفافية والالتزام بالمعايير القانونية، وسط تصاعد المطالب الشعبية بإعادة تقييم أداء مؤسسات العدالة بعد سقوط النظام السابق، في خطوة لافتة نحو إصلاح المنظومة القضائية في البلاد.
مراجعة شاملة لأحكام محكمة الإرهاب
القرار الأول تمثل في تشكيل لجنة قضائية متخصصة تتولى دراسة ومراجعة الأحكام والإجراءات الصادرة عن محكمة قضايا الإرهاب، إلى جانب باقي المحاكم الاستثنائية التي أُنشئت في عهد النظام المخلوع.
وبحسب ما نشرته وزارة العدل عبر قناتها على تلغرام، تهدف هذه الخطوة إلى تقييم مدى قانونية تلك الأحكام، ومواءمتها مع الضمانات الدستورية التي تكفل حقوق المواطنين، في إطار العدالة الانتقالية التي تشهدها البلاد.
اللجنة القضائية ستُكلّف بإعداد تقارير تحليلية دقيقة لكل حالة، مع رفع تقارير شهرية إلى مجلس القضاء الأعلى تتضمن مقترحات بإلغاء الأحكام التي يتضح أنها فُرضت تعسفاً أو انطوت على انتهاك للحريات العامة.
تعليق الدراسة في المعهد العالي للقضاء بسبب شبهات فساد
في قرار ثانٍ، أعلن وزير العدل تعليق التدريس في المعهد العالي للقضاء، بعد ورود شكاوى تتعلق بوجود مخالفات وتجاوزات في عملية قبول الطلاب ضمن الدورة الرابعة.
ووفقاً لما نشرته الوزارة، تزامن القرار مع تشكيل لجنة تفتيشية مختصة لتقييم الإجراءات التي تم اتباعها في اختيار المقبولين، ومدى مطابقتها للمعايير الأكاديمية والمبادئ الناظمة لنزاهة القضاء.
اللجنة ستقوم بإعداد تقرير مفصل يُرفع إلى مجلس القضاء الأعلى، ليُبنى عليه اتخاذ قرارات تصحيحية تُعيد الاعتبار لمصداقية المؤسسات القضائية، وتمنع تكرار مثل هذه التجاوزات مستقبلاً.
يُذكر أن هذه الإجراءات تأتي في سياق خطوات متصاعدة لإصلاح القضاء، وإعادة الثقة به كأحد أعمدة الدولة السورية الجديدة، بعد سنوات طويلة من التسييس والفساد القضائي الذي مارسه النظام السابق عبر أدواته الأمنية والقضائية.
يستمر فتح ملفات المتورطين بجرائم نظام الأسد، وسط مطالبات متصاعدة بمحاسبة كل من ساهم في تعذيب السوريين وظلمهم خلال سنوات الثورة، وعلى رأسهم شخصيات بارزة في المجال القضائي لعبت أدواراً محورية في تغطية الانتهاكات قانونياً.
القاضية "خلود الحموي"، التي تولّت منصب قاضي التحقيق الخامس في ما كان يُعرف بمحكمة "الإرهاب"، باتت في دائرة الاتهام بعد شهادات توثق أحكامها المجحفة، وتورطها في إرسال معتقلين إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة.
لورنس حيدر يفضح.. "خلود الحموي أداة النظام القضائية"
أحد الناجين من الاعتقال، ويدعى لورنس حيدر، خرج بشهادة مصوّرة كشف فيها تفاصيل صادمة عن تجربته في الاعتقال ودور القاضية خلود الحموي في تكريس الظلم بحق المعتقلين.
وقال حيدر إنه اعتُقل في سبتمبر/أيلول 2013 عند حاجز "كشكول" بدمشق، إثر تقرير أمني كتبه أحد معارفه، وجرى تحويله إلى "فرع الدوريات" حيث خضع للتحقيق لدى عنصر يُدعى محمود حمدان. وبعد شهرين، نقل إلى فرع منفردة 93، ثم خضع للتحقيق أمام لجنة أمنية تضم خمسة ممثلين عن أجهزة الاستخبارات السورية.
في شهادته، أشار إلى نقله لاحقاً إلى سجن عدرا، ثم إلى محكمة "الإرهاب" حيث عرض أمام القاضية خلود الحموي. ووفقاً له، تم عرض 23 شخصاً على الحموي في تلك الفترة، ولم يُفرج سوى عن ثلاثة، بينما تم ترحيل الباقين إلى سجن صيدنايا، المعروف بأنه مقبرة الأحياء.
شهادات معتقلين: "أحكام ظالمة وابتزاز مقابل الذهب"
بعد انتشار شهادة حيدر، تفاعل عدد من المعتقلين السابقين مع الفيديو، كاشفين عن تعرضهم لأحكام جائرة على يد الحموي، وكتب أنور بركات، أحد ضحايا القاضية، قائلاً: "حوّلتني إلى الجنايات عام 2013 رغم براءتي.. فقط لأنني من محافظة إدلب. حرمتني من عملي وسُرق منزلي واتُّهمت بالإرهاب ظلماً".
أما عمار العبادي، فقال: "حكمتني القاضية خلود الحموي سبع سنوات بسبب ربطة خبز.. الله لا يسامحها". وأضاف أحمد المحمد: "أوقفتني الحموي وأرسلتني إلى صيدنايا. قضيت ثلاث سنوات بدون محاكمة، وكانت الأضابير تبقى نائمة عندها ما لم يُدفع ذهب. من كان يدفع كان يُفرج عنه، ومن لم يفعل يُترك مصيره بيدها".
مطالبات بالمحاسبة.. فتح ملفات محكمة "الإرهاب"
تأتي هذه الشهادات في وقت يواصل فيه محامون وحقوقيون فتح ملفات محكمة "الإرهاب"، باعتبارها أداة قانونية استخدمها النظام السابق في شرعنة الاعتقال التعسفي وتصفية الخصوم. وتزايدت الدعوات لإجراء تحقيقات قضائية بحق القاضية الحموي، مع تقديم شكاوى ضدها تتضمن اتهامات بالفساد واستغلال السلطة والضلوع في ممارسات تعذيب غير مباشرة من خلال تغطية قانونية لقرارات أمنية.
"لا عدالة دون محاسبة"
ملف القاضية خلود الحموي يمثل نموذجاً صارخاً على مدى تواطؤ المؤسسة القضائية مع الأجهزة الأمنية في عهد النظام المخلوع، ويؤكد أن أي عدالة انتقالية في سوريا لن تكتمل دون محاسبة كل من تورّط في ظلم السوريين، سواء أكانوا جنوداً في الميدان، أم قضاةً في المكاتب.
وأكد المحامي “ميشيل شماس” أن الشكوى جاءت نتيجة ما وصفه بـ”انتهاكات مهنية جسيمة”، حيث اتهم عدد كبير من المحامين القاضية الحموي بإظهار عداء صارخ تجاه المتهمين من المعارضين السياسيين، وبتبني مواقف منحازة للنظام السوري السابق، خلال فترة توليها القضايا الحساسة في المحكمة.
وتُعد الحموي من الشخصيات القضائية المثيرة للجدل في سوريا، بسبب ارتباط اسمها بمحكمة الإرهاب التي وُجّهت لها اتهامات واسعة بانتهاك حقوق المعتقلين السياسيين.
وكانت قد أصدرت وزارة العدل السورية بيانًا توضيحيًا بعد انتشار صورة تُظهر وزير العدل الدكتور مظهر الويس وهو يصافح القاضي عمار بلال، أحد أبرز قضاة محكمة الإرهاب إبان عهد النظام السابق. وأكدت الوزارة أن المصافحة جرت ضمن لقاء بروتوكولي بمناسبة عيد الفطر، ولا تحمل أي دلالة سياسية أو قانونية.
وأضاف البيان أن جميع القضاة الذين شغلوا مناصب في محكمة قضايا الإرهاب يخضعون حاليًا لتحقيقات لدى إدارة التفتيش القضائي، مؤكدة أن أية مخالفات أو تجاوزات سيتم التعامل معها بحزم، وفق مقتضيات القانون.
وشددت الوزارة على التزامها بمبدأ المحاسبة وسيادة القانون، معتبرة أن تطهير المؤسسة القضائية من المتورطين في الانتهاكات يمثل استحقاقًا وطنيًا وأخلاقيًا في إطار مسار العدالة الانتقالية وبناء سوريا الجديدة.
في المقابل، أثارت صورة القاضي بلال مع الوزير موجة من الجدل والاستياء في الأوساط الحقوقية والثورية، التي اعتبرت ظهوره بمثابة “استفزاز” لضحايا القمع، مطالبة بعزله ومحاسبته إلى جانب جميع القضاة المتورطين في انتهاكات سابقة.
وأصدر عدد من المحامين المنشقين ونشطاء الثورة بيانًا طالبوا فيه باتخاذ إجراءات فورية لعزل كل من ساهم في قمع السوريين، مؤكدين أن استمرار هؤلاء في مواقعهم يشكل “صفعة للعدالة وإهانة لذكرى الضحايا”.
كما شدد البيان الحقوقي على ضرورة دعم القضاة الشرفاء والمنشقين الذين أثبتوا نزاهتهم، والذين يجب أن يكونوا في طليعة عملية إصلاح القضاء في سوريا المستقبل.
وعبّر ناشطون عن تطلعهم إلى مرحلة جدية من المحاسبة الشاملة لكل من ارتكب انتهاكات بحق السوريين خلال عهد النظام المخلوع، سواء من الأجهزة الأمنية أو القضائية، مؤكدين أن التغاضي عن هذه الأسماء سيُفقد الدولة الجديدة مصداقيتها في أعين من دفعوا أثمانًا باهظة في سبيل الحرية والكرامة.
وأكدت تعليقات أخرى أن “الكثير من رموز القمع ما زالوا طلقاء، يمارسون وظائفهم، بل ويُمنح بعضهم مناصب جديدة”، وهو ما وصفه ناشطون بأنه “تهديد حقيقي لمسار العدالة الانتقالية”، داعين إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق ومتابعة ملفات القضاة المتورطين بجرائم ضد الإنسانية.
كشفت وكالة "رويترز" في تحقيق استقصائي موسّع، تفاصيل عملية تهريب سرية قادها رأس النظام السوري السابق الإرهابي "بشار الأسد" قبل أيام من انهيار نظامه في ديسمبر/كانون الأول 2024، شملت نقل أموال نقدية ضخمة، ووثائق سرية، ومقتنيات ثمينة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، على متن طائرة خاصة، بمساعدة مقربين منه، وتحت غطاء أمني مشدد.
شبكة تهريب عبر طائرة خاصة.. أربع رحلات خلال 48 ساعة
وفقاً لتصريحات أكثر من 14 مصدراً مطلعاً على العملية – من بينهم ضباط سابقون في المخابرات الجوية والحرس الجمهوري، وموظفون في مطارات سورية، وأفراد من شبكة أعمال الأسد – فإن يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي الخاص للأسد، أشرف على تنسيق العملية. إبراهيم، الذي تولى إدارة المكتب المالي والاقتصادي للرئاسة، كان أحد الوجوه البارزة في منظومة الأسد الاقتصادية، ويُعد "واجهة مالية" للنظام.
استُخدمت طائرة من طراز "Embraer Legacy 600"، مسجلة في غامبيا تحت الرقم التعريفي C5-SKY، لتنفيذ أربع رحلات متتالية بين دمشق وأبوظبي، خلال 6 إلى 8 ديسمبر 2024، أي قبل يوم من انهيار النظام وفرار الأسد إلى روسيا.
محتويات الطائرة: أموال ووثائق سرية
كشفت مصادر التحقيق أن الطائرة حملت في رحلاتها المتتالية:
- مبالغ نقدية لا تقل عن 500 ألف دولار
- أجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات حساسة تتعلق بـ"المجموعة"، وهو الاسم الرمزي لشبكة الكيانات التجارية التي يديرها الأسد.
- سجلات مالية، ومحاضر اجتماعات، وبيانات تحويلات بنكية، ووثائق تتعلق بملكية عقارات وشركات
- مقتنيات ثمينة ولوحات فنية ومنحوتات صغيرة
إشراف أمني مباشر: المخابرات الجوية والحرس الجمهوري
تمركزت وحدات من المخابرات الجوية، المعروفة بدورها في قمع الثورة، في مطار دمشق الدولي لحماية قاعة كبار الزوار أثناء تحضير الرحلات. كما شاركت وحدات من الحرس الجمهوري، الذي يخضع مباشرة لبشار الأسد، في تأمين العملية، ما أكد ضلوع الأسد شخصياً في إصدار أوامر التهريب، بحسب مصادر استخباراتية.
مدير أمن المطار، العميد غدير علي، طلب من العاملين "عدم الاقتراب من الطائرة"، وصرّح لهم: "أنتم لم تروا شيئاً"، وفق شهادة محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية للخطوط الجوية السورية.
دور السفارة الإماراتية
في واحدة من الرحلات، أُبلغت رويترز أن سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق وصلت إلى المنطقة الخاصة بكبار الزوار، وهو ما اعتبره ضباط سابقون "إشارة على أن الإمارات كانت على علم بالعملية، أو سهّلتها بشكل غير مباشر"، كما أن الطائرة كانت تهبط وتقلع من مطار البطين في أبوظبي، وهو مطار مخصص لكبار الشخصيات ومعروف بسرية إجراءاته.
من دمشق إلى حميميم: الهروب الأخير
في فجر الثامن من ديسمبر 2024، وبعد أن أصبحت العاصمة دمشق على وشك السقوط بأيدي قوات المعارضة، فر الأسد من قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية إلى روسيا. الطائرة ذاتها التي استخدمت في نقل الأموال والوثائق، عادت لتحمل الأسد ومقربين منه إلى خارج البلاد.
أظهرت صور أقمار صناعية التُقطت في تمام الساعة 09:11 صباحاً وجود الطائرة C5-SKY على مدرج حميميم. وبينما اختفت الطائرة عن أجهزة تتبع الطيران لعدة ساعات، عادت للظهور مجدداً وهي تحلّق فوق حمص في طريقها إلى أبوظبي.
شهادات ومراسلات
اطلعت "رويترز" على: مراسلات عبر تطبيق "واتساب" بين معاونين ليسار إبراهيم، ووثائق ملكية شركات في ثلاث قارات، وبيانات الرحلات الجوية وسجلات المطارات، ومقابلات مع ضباط ومصادر على دراية مباشرة بالعملية.
من كانوا على متن الرحلات؟
بحسب المصادر، شملت الرحلات "أقارب بشار الأسد من الدرجة الأولى، موظفين في القصر الجمهوري منهم "أحمد خليل خليل"، وهو أحد المقربين من يسار إبراهيم، والذي وصل إلى مطار حميميم في سيارة مصفحة تابعة لسفارة الإمارات، حاملاً حقيبة تحتوي على 500 ألف دولار. خليل يخضع لعقوبات دولية بتهمة إدارة شركات تدعم النظام السابق.
الحكومة السورية الجديدة: نلاحق الأموال المهربة
في تعليق رسمي لوكالة "رويترز"، أكد مسؤول بارز في الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، أن الدولة تعمل على تتبع واستعادة الأموال العامة المهربة قبيل سقوط الأسد، مشيراً إلى أن العملية كانت ممنهجة وتهدف إلى حماية ثروات النظام وقياداته.
وقال المسؤول: "نحن ملتزمون باسترجاع أموال السوريين المنهوبة، ومحاسبة كل من ساهم في تهريبها أو التستر عليها".
صمت رسمي روسي وإماراتي
وفق "رويترز" حتى تاريخ نشر التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارتي الخارجية في روسيا أو الإمارات، رغم إرسال رويترز طلبات رسمية للتوضيح بشأن العملية.
وتكشف هذه العملية عن مدى تعقيد شبكة الفساد التي أسسها النظام السابق، وتحالفاته السياسية والأمنية، والتي استخدمها للهروب بموارده إلى الخارج قبل انهياره. وبينما تسعى الحكومة الجديدة إلى استعادة الأموال وتفعيل العدالة الانتقالية، يبقى ملف "الهروب الكبير" شاهداً على نهاية نظام استمر لعقود على أنقاض الدولة السورية.
تمكنت إدارة الأمن العام من إلقاء القبض على الشبيح "جميل قزلو"، أحد أبرز عناصر ميليشيا "الدفاع الوطني" والناشط كمراسل حربي ضمن صفوفها، وذلك خلال عملية أمنية جرت في حي التضامن بالعاصمة دمشق.
مصادرة معدات وذخائر
وأسفرت عملية التوقيف عن ضبط كمية من الذخائر والجُعب العسكرية ودرع واقٍ للرصاص، بالإضافة إلى معدات تصوير احترافية، كانت بحوزة قزلو أثناء القبض عليه.
سجل دموي ومشاركة في حصار بلدات دمشق
ويُعرف "جميل قزلو"، بعمله كمراسل ميداني في إذاعة المدينة إف إم، حيث شارك في تغطية العمليات العسكرية للنظام البائد، لا سيما في حصار مناطق ببيلا ويلدا بريف دمشق، وكان يوثق هذه الانتهاكات بشكل دعائي عبر وسائل إعلام موالية.
كما شارك قزلو في اقتحام بلدات الغوطة الشرقية عام 2018، وهي العمليات التي أدت إلى تهجير واسع للسكان المدنيين، وقدّم خلالها تقارير تحريضية تصف الثوار بالإرهابيين وتشرعن استخدام العنف بحقهم.
ارتباطات أمنية وتشبيحية
وشغل "قزلو"، سابقًا موقعًا في المكتب الإعلامي لاتحاد شبيبة الثورة بدمشق، ويُعرف بكونه نجل حاتم قزلو، أحد الشخصيات المحسوبة على الأجهزة الأمنية، والمتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق أهالي حي التضامن.
اتهامات بتصفية مدنيين ودفنهم تحت الأنقاض
وتشير مصادر محلية إلى أن والد "جميل قزلو" ايضا متورط بتصفية عدد من المدنيين في حي التضامن، ودفنهم تحت الأبنية التي كان يتم تفجيرها عمدًا لإخفاء الجثث، في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الموالية للنظام البائد.
ويحمل والد "قزلو" صفة "محلل سياسي وعسكري" على بعض المنصات الإعلامية التابعة للنظام، وهو ما استخدمه لتبرير سياسات القمع والترويج لروايات النظام الأمنية.
وكانت أكدت وزارة الإعلام عبر معرفاتها الرسمية، على إخضاع جميع الإعلاميين الحربيين ممن شاركوا في حرب النظام المجرم الساقط ضد الشعب السوري، لمحاكمة عادلة.
ولم يعجب القرار الإعلاميين المتلونين ممن دعموا نظام الأسد البائد، نظرا إلى دورهم المفضوح في مساندة النظام حتى اللحظات الأخيرة من سقوطه على يد الثوار، وحتى الأمس القريب كان عدد من الإعلاميين الموالين من أشد المدافعين عن نظامهم عبر صفحاتهم الرسمية.
وذكرت وزارة الإعلام أن "جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءاً من آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد الساقط، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه ومجازره ضد الشعب السوري".
وشددت على أن "الإعلاميين الحربيين"، سيخضعون للمحاكمة العادلة ضمن إطار العدالة الانتقالية، التي تهدف إلى تحقيق الإنصاف ومحاسبة كل من تورط في انتهاكات جسيمة بحق أبناء الشعب السوري.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الإعلاميين العاملين في مؤسسات النظام سابقا كانوا يعلنون الولاء له وسط تشبيح منقطع النظير، ومع انتصار الثورة السورية بدء عدد منهم محاولة ركوب الموجة، وهناك أسماء بارزة عرفت بدعم نظام الأسد والمشاركة في سفك الدم السوري، مثل "كنانة علوش، صهيب المصري، شادي حلوة" وغيرهم.
طالبت عائلات الضباط الكُرد المنشقين عن نظام الأسد، قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بالكشف عن مصير أبنائها المختطفين، والإفراج الفوري عنهم، ومحاسبة المتورطين في احتجازهم خارج إطار القانون.
وجاء في بيان صادر عن العائلات، نشره موقع "باسنيوز"، أن اليوم يصادف "الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف مجموعة من الضباط الكُرد المنشقين ومرافقهم المدني، أثناء توجههم نحو إقليم كوردستان عبر الحدود السورية–العراقية، دون أي معلومات مؤكدة عن مصيرهم منذ لحظة الاختطاف حتى اليوم.
دعوات للمؤتمر الكردي والجهات الدولية للتحرك
وفي ظل الحديث عن مؤتمر مرتقب لتوحيد الصف السياسي الكردي في سوريا، ناشدت العائلات اللجنة التحضيرية للمؤتمر وجميع القوى المشاركة، إدراج ملف المختطفين كقضية أساسية والعمل على الضغط للإفراج عنهم.
وأكد البيان: "نحمّل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، ونطالب بالكشف عن مصيرهم فوراً، وضمان تقديم المسؤولين عن احتجازهم إلى العدالة".
مناشدة للتحالف الدولي ودول فاعلة
كما وجّهت العائلات نداء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وقوى التحالف الدولي، بوصفهم أطرافاً مؤثرة في الملف السوري، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الموقف السياسي الكردي، للضغط على قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للكشف عن مصير المختطفين وضمان الإفراج عنهم.
قائمة الضباط المختطفين:
وضمّت قائمة المختطفين التالية أسماؤهم:
1. العميد الركن محمد خليل العلي – من مدينة الباب
2. العقيد محمد هيثم إبراهيم – من مدينة عفرين
3. العقيد حسن أوسو – من ناحية أبين / عفرين
4. العقيد محمد كوله خيري – من مدينة عفرين
5. المقدم شوقي عثمان – من مدينة عفرين
6. الرائد بهزاد نعسو – من مدينة عفرين
7. النقيب حسين بكر – مواليد 1976 من ناحية الشيخ حديد / عفرين
8. الملازم أول عدنان البرازي – من مدينة كوباني
9. المدني راغب محمود – المرافق للضباط
خلفية التشكيل العسكري ودورهم في الثورة
وكان الضباط المختطفون قد شاركوا في تأسيس "المجلس العسكري الكردي المشترك" عام 2012 في مدينة حلب وريفها الشمالي، وشاركوا في معارك ضد قوات النظام السوري، وتمكنوا من السيطرة على أجزاء واسعة من أحياء الشيخ مقصود، الأشرفية، والهلك، كما ساهموا في طرد قوات النظام من مدن وبلدات متعددة في ريف حلب.
واختُتم البيان بمناشدة حقوقية وإنسانية تطالب بإنهاء معاناة العائلات المستمرة منذ أكثر من عقد، مؤكدة أن ملف المختطفين يجب أن يبقى حاضراً في كل مفاوضات تتعلق بمستقبل سوريا والعدالة الانتقالية.
أكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية، "هند قبوات"، أن التحديات التي تواجه الوزارة في المرحلة الراهنة "متوقعة وطبيعية" في بلد أنهكته الحرب وعبثت بمقدراته عقود من الفساد والاستبداد، لكنها شددت على أن العزيمة لا تزال حاضرة، والقدرة على تجاوزها "ممكنة ومستمرة".
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، كشفت قبوات عن ملامح خطة الوزارة للمرحلة المقبلة، والتي تتركّز على محورين أساسيين: عودة النازحين وتعزيز السلم الأهلي والتعايش، مشيرة إلى أن ذلك يشكل أرضية لأي عملية تعافٍ مجتمعي واقتصادي حقيقي.
وأوضحت الوزيرة أن الوزارة تعمل على تطوير برامج خاصة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع السوري، عبر مسح شامل للواقع الاجتماعي، يهدف إلى توجيه الدعم بكفاءة وعدالة وضمان وصوله لمن هم في أمسّ الحاجة إليه.
شراكات دولية من أجل التعافي
وعن التعاون الدولي، قالت قبوات إن الشراكات مع دول أوروبية، مثل فرنسا وهولندا، تلعب دورًا مهمًا في دعم جهود التعافي، من خلال المساهمة في إعادة الإعمار، وتمكين الفئات الضعيفة، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين بشكل آمن وكريم.
وأضافت: "ناقشنا مع مبعوثين دوليين آليات خلق فرص عمل جديدة وتطوير قطاع العمل، في إطار دعم الاستقرار والتمكين المجتمعي".
المرأة والشباب.. في قلب الخطة
وأشارت قبوات إلى أن الحكومة تُولي اهتمامًا خاصًا بتمكين المرأة وتعزيز دورها في سوق العمل، معتبرة أن مشاركة النساء "ليست ترفًا، بل ضرورة وطنية لبناء مجتمع متوازن".
كذلك، شدّدت على دور الشباب، مؤكدة أن الوزارة تطلق برامج تدريب وتأهيل تهدف إلى إشراكهم في قيادة عملية النهوض الاقتصادي.
قرار إعادة الموظفين.. وتوضيح رسمي
وحول قرار إعادة الموظفين الحكوميين الذين كانوا في إجازات مدفوعة الأجر، أوضحت قبوات أن القرار لا يعني إلغاء وقف العمل، بل إنهاء الإجازات وعودتهم لأداء مهامهم، استجابةً للمصلحة العامة، دون أن يشكل ذلك عبئًا إضافيًا على ميزانية الدولة.
رسالة الختام للسوريين
في ختام حديثها، وجّهت قبوات رسالة للسوريين في الداخل والشتات، دعتهم فيها إلى طي صفحة الألم والبدء ببناء مستقبل يليق بتضحياتهم، مؤكدة أن "سوريا بحاجة إلى كل أبنائها"، وأن "النهضة لن تتحقق إلا بتكاتف الجميع".
بأجواء مفعمة بالمحبة والوفاء، نظّمت مديرية التربية في محافظة السويداء حفلاً لتكريم المعلمين المتقاعدين، تقديراً لعطائهم الطويل في خدمة قطاع التعليم، وذلك بحضور حاشد من الكوادر التربوية والمهتمين بالشأن التعليمي.
واستُهل الحفل بعرض غنائي قدّمه كورال بإشراف مدرّسات التربية الموسيقية وقيادة الأستاذ كرم الشاطر والآنسة سناء الشعار، على خشبة مسرح مديرية التربية، ضمن فعالية احتضنتها دائرة المسرح المدرسي.
فقرات فنية وتراثية تعبّر عن الامتنان
وفي كلمته خلال الحفل، أشار رئيس دائرة المسرح المدرسي، الأستاذ نورس الملحم، إلى أهمية هذه المبادرة في ترسيخ ثقافة الوفاء للمعلم، لافتاً إلى تقديم لوحات فنية من الفنون الشعبية والتراث المحلي، بإشراف الأنسة ناهد درويش، تعبيراً عن عمق الانتماء للهوية الثقافية.
تقدير رمزي لعطاء طويل
وشهد الحفل توزيع "شهادات تقدير ومبالغ مالية لأكثر من مائة معلم ومعلمة من المتقاعدين"، في بادرة رمزية تحمل رسالة شكر لكل من أمضى سنوات في خدمة الأجيال، وغرس قيم العلم والمعرفة في نفوس الطلاب.
وفي تصريح خاص لموقع "السويداء 24"، أكد الأستاذ الملحم أن "هذا التكريم يمثل لفتة رمزية بسيطة أمام حجم التضحيات التي قدّمها المعلمون طوال سنوات خدمتهم، وهو خطوة أولى نحو مزيد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز مكانة المعلم في المجتمع".