
لجنة "الغصب البيِّن" في حلب: مسار قانوني لاسترداد أملاك المهجّرين بعد سنوات من التهجير
أصدر محافظ حلب، المهندس عزام الغريب، قراراً بتشكيل لجنة "الغصب البيِّن"، بهدف إعادة الحقوق العقارية لأصحابها الأصليين ممن فقدوا ممتلكاتهم قسرًا خلال سنوات الحرب، نتيجة الاستيلاء عليها من قبل متنفّذين أو جهات مرتبطة بالأجهزة الأمنية لدى نظام الأسد البائد.
وتأسست اللجنة رسميًا في آذار 2025، بالاستناد إلى المادة (45) من قانون الإدارة المحلية، والتي تمنح المحافظ صلاحية إعادة الوضع العقاري إلى ما كان عليه قبل وقوع غصبٍ واضحٍ أو استيلاء دون وجه حق، وذلك في حال ثبت وقوع اعتداء على الحقوق العينية المدنية أو حيازة العقارات.
وأفادت مصادر حكومية أن اللجنة ثلاثية التكوين وتضم خبراء في الشأن القضائي والحقوقي، بينما تتكامل مهامها مع كل من دائرة الشكاوى، التي تقوم بتصفية وإحالة الملفات، وإدارة الشرطة في حلب، التي تتولى التنفيذ الميداني واستعادة العقارات بعد التحقق من صحتها.
وتعتمد اللجنة في عملها على إثبات الحيازة الأصلية للعقار من قبل المشتكي، وذلك من خلال مراجعة سجلات ما قبل عام 2011، حيث يُطلب من كل طرف تقديم إفادات شهود من سكان الحي، إلى جانب المستندات الثبوتية إن توفرت، في وقتٍ تفتقر فيه معظم هذه العقارات إلى قيود طابو رسمية، كونها واقعة في مناطق شيوع أو مخالفات تنظيمية.
وتبدأ الإجراءات بتحويل القضية من المحافظ مباشرة إلى قيادة الشرطة، التي تتولى التدقيق في وضع اليد القائم، وجمع إفادات من المشتكي، والمشتكى عليه، وشهود الجوار، تمهيداً لقرار اللجنة الذي يُحسم غالبًا خلال أسابيع ما لم تكن هناك تعقيدات قانونية.
إحصائيات منتصف 2025: أرقام تشير إلى زخم العمل
حتى منتصف عام 2025، سُجلت 624 شكوى عقارية مقدّمة من مواطنين مهجّرين أو ورثتهم، تعاملت اللجنة فعليًا مع 411 حالة، تم البتّ في 88 منها بإزالة الغصب وإعادة الحقوق، فيما دخلت 55 حالة في مرحلة تدقيق معمّق بسبب تعقيد الوضع القانوني، بينما تم تحويل 30 حالة إلى القضاء المدني لخروجها عن نطاق صلاحيات اللجنة.
ويتركز عمل اللجنة في مناطق تنتشر فيها العقارات العشوائية أو غير المنظمة، والتي لا تحظى بقيود واضحة في السجلات العقارية، كالأحياء العشوائية والمخالفات، إضافة إلى العقارات المسجّلة ضمن الجمعيات السكنية، والتي تعرّضت خلال السنوات الماضية إلى استيلاء ممنهج بعد تغييب أصحابها أمنياً.
وذكرت مصادر حكومية في محافظة حلب أن العديد من العقارات ضمن هذه الجمعيات، كانت قد أُفرغت من سكانها الأصليين بفعل التهجير القسري أو الملاحقات الأمنية، ليتم لاحقًا نقل الحيازة بشكل غير قانوني إلى أفراد مدعومين من شخصيات نافذة، أو تأجيرها بعقود مزورة.
وبرزت منذ عام 2018 ظاهرة تُعرف محلياً باسم "وضع يد لصالح الأمن"، حيث يُقدم بعض الأشخاص على الاستيلاء على عقارات غائبين وتهجيرهم بدعوى الغطاء الأمني، ومن ثم بيعها بأسعار زهيدة أو تأجيرها لأطراف ثالثة.
وتعد هذه من أبسط أنواع الغصب التي تتعامل معها اللجنة. أما الملفات الأكثر تعقيدًا فتتعلق ببيع الورثة المقيمين في مناطق سيطرة النظام لعقاراتهم، أو منازعات على حقوق استثمار طويلة الأمد لعقارات مهجورة.
ورغم إصدار قرارات واضحة في عدد من القضايا، لا تزال العقبة الأبرز أمام اللجنة تتمثّل في تأخر تنفيذ قرارات الإخلاء، إذ تُواجه الشرطة تحديات تتعلق بالتدخلات المحلية أو احتمال اندلاع صراعات بين المشتكي والمشتكى عليه، ما يدفعها إلى توجيه إنذارات مسبقة تمنح مهلة إخلاء قبل تنفيذ القرار بالقوة، تفادياً لأي استخدام للعنف.
كما تعاني اللجنة من ضعف البنية القانونية الناظمة لهذه الملفات، وغياب أرشيف دقيق للعقارات في المناطق المتضررة، ما يُصعّب مهمة التحقّق ويفتح الباب أمام الطعون والتشكيك.
تُخطط اللجنة خلال المرحلة المقبلة لتوسيع نطاق عملها ليشمل ريف محافظة حلب، حيث سُجلت حالات غصب مشابهة خلال سنوات النزوح، خصوصًا في الريف الجنوبي والغربي، في ظل غياب السلطة القانونية سابقًا، ويأمل القائمون على اللجنة أن تُفضي هذه الجهود إلى استعادة حقوق آلاف العائلات التي فقدت أملاكها خلال سنوات الحرب، بعد أن غُيّبت ملفاتها من السجلات أو تم استبدالها بأوراق مزورة.
وتُعد لجنة "الغصب البيّن" خطوة عملية مهمّة على طريق إعادة الحقوق إلى أصحابها، وتكريس مبدأ العدالة المحلية، في بلد لا يزال يعاني من آثار حرب نظام دموي طال البشر والحجر ويبقى نجاح هذه المبادرة مرهونًا بعدة عوامل مع توفير الدعم القانوني والتوثيقي للمواطنين العائدين بعد سنوات من التهجير القسري.