
من الشريك إلى العبء: نساء يدفعن ثمن إدمان أزواجهن في سوريا
لا تنعكس الآثار السلبية لظاهرة الإدمان على المدمنين وحدهم، بل تمتد لتطال عائلاتهم، وأبناءهم، وزوجاتهم، وكل من يعيش في محيطهم المباشر، وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز الانعكاسات النفسية والاجتماعية التي قد تعاني منها النساء، نتيجة ارتباطهن برجال واقعين تحت وطأة الإدمان.
فقد عانت سيدات سوريات من كونهن مرتبطات برجال مدمنين على "الأتش بوز" وغيرها من المواد المخدّرة، وهي ظاهرة انتشرت في ظلّ الحرب في سوريا، وقد انعكس هذا الواقع على حياتهن اليومية وعلى علاقاتهن بأزواجهن، مما عرّضهن لآثار سلبية عميقة على الصعيد النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، وسائر جوانب حياتهن.
بحسب تقارير حقوقية وأخرى صادرة عن جهات دولية، ثبت تورّط نظام بشار الأسد في تصنيع المواد المخدّرة والإتجار بها، ما جعله طرفاً مباشراً في تفشي هذه الظاهرة داخل سوريا وخارجها. إضافة إلى ذلك، غضّ النظام البائد الطرف عن حالات الإدمان المتزايدة.
وبحسب أخصائيين نفسيين، فإن الزوجات المرتبطات بمدمنين على المخدرات يواجهن مشكلات نفسية عميقة، أبرزها القلق المزمن والتوتر المستمر، فمن الطبيعي أن تعيش المرأة في حالة دائمة من الخوف، خاصة إذا كان الزوج يتعاطى المواد المخدرة بشكل منتظم أو يظهر سلوكاً عنيفاً، ما يعرّضها لخطر التعنيف الجسدي أو اللفظي، ويؤدي تدريجياً إلى فقدان الإحساس بالأمان داخل المنزل.
كما تتدمر صورة الشريك في وعي المرأة شيئاً فشيئاً. فالرجل الذي كانت تراه سنداً وركيزة أساسية في حياتها يتحول إلى شخص مختلف تماماً، غريب عنها في التصرفات والمشاعر، مما يخلق لديها صدمة نفسية وانهياراً في الثقة.
وفي أغلب الحالات تضطر الزوجة لتحمّل مسؤوليات مضاعفة، منها تربية الأطفال والإنفاق على الأسرة، في ظل غياب دور الزوج المدمن، الذي يكون في حالة انفصال عن الواقع، منشغل فقط بالحصول على جرعة جديدة من المخدرات، دون اكتراث باحتياجات الأسرة الأساسية أو استقرارها.
إضافة إلى ذلك، الزوجة التي ترتبط بزوج مدمن عادةً ما تواجه نظرة سلبية وانتقادات من المجتمع المحيط، مما يؤثر على ثقتها بنفسها. هذه الضغوط قد تدفعها إلى الانسحاب الاجتماعي والابتعاد عن الاختلاط بالناس لتجنب الأحكام المسبقة والوصمة.
في بعض الأحيان، تتعرض الزوجة لمعاملة قاسية من زوجها المدمن، الذي يكون همه الأساسي تأمين المادة التي يدمنها. وعندما لا يتوفر لديه المال لشراء المخدرات، قد يلجأ إلى ضرب زوجته أو الأطفال، مسبباً لهم أذى نفسياً وجسدياً كبيراً. هذا العنف يتكرر بشكل متزايد ويؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسرة وسلامتها النفسية والجسدية.
توجد احتمالية حقيقية وخطيرة أن تصبح الزوجة نفسها مدمنة، وأن تنجرف في طريق الإدمان إلى جانب زوجها، خاصة عندما تعيش معه في بيئة مغلقة تسودها التوترات والضغوط المستمرة. في مثل هذه الظروف، تصبح المخدرات وسيلة للهروب من الواقع أو لمجرد الشعور المؤقت بالراحة.
إضافة إلى ذلك، قد يكون الزوج نفسه سبباً مباشراً في وقوعها في الإدمان، سواء من خلال إقناعها أو الضغط عليها لتجربة المادة، أو حتى من باب "المشاركة" في السلوك ذاته. ومع مرور الوقت، قد تجد نفسها عالقة في نفس الدائرة دون وعي، لتتحول من ضحية للظروف والعنف إلى ضحية جديدة للإدمان.
يقترح مختصون ضرورة إطلاق برامج دعم نفسي موجهة للنساء، خاصة اللواتي تضررن بشكل مباشر من الإدمان داخل الأسرة. ويؤكدون على أهمية أن تتبنى منظمات المجتمع المدني هذه المبادرات، عبر تقديم جلسات دعم نفسي فردي أو جماعي، بالإضافة إلى إتاحة الاستشارات النفسية عن بعد (أونلاين) للنساء في المناطق التي يصعب الوصول إليها بسهولة.
كما يوصي المختصون بإطلاق حملات توعية مجتمعية حول الإدمان، سواء ميدانياً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف شرح الآثار الكارثية للإدمان على الأسرة، وتسليط الضوء بشكل خاص على معاناة النساء.
ويؤكد الخبراء في هذا السياق على ضرورة أن تضطلع الجهات الرسمية، بدورها في دعم هذه النساء، من خلال تأمين الحماية لهن وتقديم العلاج المجاني لأزواجهن، ضمن برامج تأهيل شاملة تراعي استقرار الأسرة وسلامة أفرادها.
وتُعد ظاهرة الإدمان واحدة من أقسى الظواهر التي انتشرت في ظل الحرب بدعم من النظام البائد، ولا تنعكس آثارها السلبية على المدمن فقط وإنما على عائلته والأشخاص الذين يعيشون معه في نفس الوسط، وتستدعي تدخلاً فورياً من الجهات المعنية للحدّ من آثارها وحماية المجتمع منها.