أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، والذي يُسلّط الضوء على واحدة من أبشع الجرائم المنهجية التي تعرّض لها السوريون منذ آذار/مارس 2011.
ويأتي تقرير عام 2025 في مرحلة مفصلية أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وما تبعه من كشف معلومات جديدة من خلال وثائق وسجلات رسمية، إضافة إلى التواصل مع آلاف الأهالي، أثبتت لدينا وفاة أعداد كبيرة من المختفين قسراً داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في الحصيلة التوثيقية للضحايا الذين قضوا تحت التعذيب أو في ظروف احتجاز لا إنسانية، وفقاً لقاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأوضحت الشبكة أنها عملت على مدى أربعة عشر عاماً، على توثيق ممارسات التعذيب والانتهاكات التي تعرّض لها المعتقلون في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التابعة لنظام بشار الأسد، وبنت قاعدة بيانات ضخمة تستند إلى شهادات آلاف الناجين وأقارب الضحايا، مدعومة بالأدلة البصرية والمستندات، لتشكّل مرجعاً رئيسياً في العديد من التحقيقات والآليات الأممية الدولية.
بيانات الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب منذ آذار/مارس 2011 وتوزّعهم وفق قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان
أشار التقرير إلى أنَّ عام 2025 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الضحايا الموثّقين بسبب التعذيب في سوريا، ويُعزى ذلك أساساً إلى توفر آلاف البيانات من شهادات ووثائق وأدلة كشفت عن وفاة عشرات الآلاف من المختفين قسراً في فترات سابقة.
وفق الشبكة، تم تأكيد وفاتهم من خلال وثائق رسمية، وبيانات صادرة عن دوائر السجل المدني، وتقارير من مراكز الاحتجاز، بالإضافة إلى شهادات ناجين من داخل تلك المراكز، وذلك عقب انهيار المنظومة الأمنية التي كانت تحجب هذه المعلومات بشكل منهجي.
ووفقاً لتوثيق الشَّبكة، فقد تم في عام 2025 تسجيل مقتل ما لا يقل عن 29,959 شخصاً نتيجة التعذيب، ما رفع الحصيلة الإجمالية للضحايا منذ آذار/مارس 2011 وحتى حزيران/يونيو 2025 إلى 45,342 شخصاً، بينهم 225 طفلاً و116 سيدة. وتعود معظم هذه الوفيات إلى الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2014، التي مثّلت ذروة حملات الاعتقال والإخفاء القسري.
وتُظهر بيانات الشَّبكة أيضاً أنَّ ما لا يقل عن 181,244 شخصاً، من بينهم 5,332 طفلاً و9,201 سيدة، لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز احتجاز تتبع لجهات مختلفة داخل سوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى حزيران/يونيو 2025. ومن بين هؤلاء، يُصنّف ما لا يقل عن 177,021 شخصاً، منهم 4,536 طفلاً و8,984 سيدة، كمختفين قسراً. وتؤكد الإحصاءات أنَّ الغالبية العظمى من المعتقلين كانوا على خلفية مشاركتهم في الحراك الشعبي، وقد احتُجزوا تعسفياً دون أي إجراءات قانونية أو قضائية نزيهة.
نظام بشار الأسد مسؤول عن أكثر من 99 % من حالات الوفاة بسبب التعذيب
كشفت البيانات أنَّ أكثر من 99 % من حالات الوفاة تحت التعذيب (45,032 من أصل 45,342 حالة) وقعت داخل مراكز احتجاز تابعة للنظام السابق، الذي استخدم التعذيب كأداة قمع ممنهجة ضمن سياسة رسمية شملت الأجهزة الأمنية الأربعة الرئيسة: المخابرات الجوية، الأمن العسكري، أمن الدولة، والأمن السياسي، إضافة إلى السجون المدنية والعسكرية، ومراكز الاحتجاز غير الرسمية.
وقد وثّقت الشَّبكة استخدام ما لا يقل عن 72 أسلوباً من أساليب التعذيب، تراوحت بين الضرب، الصعق الكهربائي، الإيهام بالغرق، الشبح، العزل الانفرادي، والحرمان من الطعام والرعاية الصحية، إلى جانب العنف الجنسي. وطالت هذه الأساليب جميع الفئات، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الإعاقة.
ووفق تحليل التقرير لتوزّع ضحايا التعذيب على المحافظات السورية، تصدّرت محافظات درعا، ريف دمشق، حماة، وحمص القائمة. كما أشار التقرير إلى أنَّ الانتماء المناطقي كان في كثير من الأحيان عاملاً مؤثراً في ممارسة التعذيب، حيث عمد عناصر النظام إلى تعذيب الضحايا على خلفية انتمائهم لمناطق معارضة، في إطار عمليات انتقام جماعي.
توثيق عبر صور "قيصر"
من خلال الصور المسرّبة من المشافي العسكرية، المعروفة بـ "صور قيصر"، تمكنت الشَّبكة من تحديد هوية 1,017 ضحية، غالبيتهم ممن اعتُقلوا خلال عامي 2012 و2013. وقد أظهرت البيانات أنَّ أكبر عدد من الضحايا وُثِّق في الفرع 227 (فرع المنطقة)، الذي سجّل 382 ضحية، يليه الفرع 215 (سرية المداهمة والاقتحام) بـ 300 ضحية، وهما من أبرز مراكز التعذيب القاتل في عهد نظام الأسد.
المساءلة والعدالة كمدخل لإنهاء الإفلات من العقاب ومنع تكرار التعذيب في سوريا
أكّد التقرير أنَّ سقوط نظام بشار الأسد وبداية المرحلة الانتقالية يُحمّلان السلطات الجديدة، إلى جانب المجتمع السوري بأكمله، مسؤولية تاريخية لتفكيك هذا الإرث الثقيل والتعامل معه بجدية ومؤسسية. ويتطلب ذلك اعتماد خطة شاملة لمعالجة ملف التعذيب، تقوم على المحاور التالية:
1. فتح تحقيقات وطنية مستقلة وجدية في جرائم التعذيب المرتكبة منذ عام 2011 وما قبله.
2. استقلال القضاء ثم تمكين السلطة القضائية من ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم على مختلف المستويات، دون استثناء أو حصانة.
3. تعزيز التعاون مع الآليات الدولية، كـالآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، والمحاكم الوطنية التي تملك ولاية قضائية عالمية.
الكشف عن الحقيقة والشفافية المؤسسية:
• نشر نتائج التحقيقات المتعلقة بوقائع التعذيب والاختفاء القسري للرأي العام.
• تسهيل وصول ذوي الضحايا إلى المعلومات المرتبطة بمصير أحبّائهم، وتمكينهم من المطالبة بحقوقهم القانونية.
جبر الضرر وإنصاف الضحايا:
• الاعتراف الرسمي بحقوق الضحايا واعتبارهم ضحايا لانتهاكات جسيمة.
• إطلاق برامج دعم نفسي، صحي، واجتماعي للناجين من التعذيب.
• تقديم تعويض مادي ومعنوي عادل للضحايا وذويهم، يشمل إصلاحات رمزية وإعفاءات مناسبة.
الإصلاح المؤسسي وضمان عدم التكرار:
• تفكيك الأجهزة الأمنية المتورطة في جرائم التعذيب وإعادة هيكلتها بما يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون.
• تطهير المؤسسات من الأفراد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة، ومنعهم من تولي مناصب عامة في المستقبل.
التشريعات:
• تعديل القوانين الوطنية لتتوافق مع اتفاقية مناهضة التعذيب، وتجريم كافة أشكال التعذيب دون تقادم أو إعفاء قانوني.
العدالة الانتقالية كمسار متكامل:
• دمج ملف التعذيب ضمن استراتيجية وطنية شاملة للعدالة الانتقالية، تشمل المساءلة، جبر الضرر، كشف الحقيقة، والإصلاح المؤسسي.
• إشراك المجتمع المدني والضحايا في صياغة هذه الاستراتيجية وتنفيذها لضمان تمثيل حقيقي لمصالح المتضررين.
استنتاجات التقرير:
• تُعدّ ممارسات التعذيب التي ارتُكبت في مراكز الاحتجاز التابعة لنظام بشار الأسد السابق، بما في ذلك الوفاة تحت التعذيب، جريمة ضد الإنسانية وفقاً للمادة السابعة من نظام روما الأساسي، نظراً لطابعها المنهجي والواسع النطاق واستهدافها المدنيين ضمن سياسة الدولة.
• استمرار استخدام التعذيب في بعض مراكز الاحتجاز التابعة لأطراف أخرى في النزاع يعكس فشلاً في احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويعرّض المسؤولين عنها للمساءلة.
• تُظهر الإحصائيات أنَّ أكثر من 99 % من حالات الوفاة تحت التعذيب وقعت داخل مراكز احتجاز تابعة لنظام بشار الأسد، ما يبرز الطبيعة المؤسسية لهذه الجريمة ويستدعي تحركاً عاجلاً على المستويين الوطني والدولي.
التوصيات:
أولاً: إلى الحكومة الانتقالية:
1. الاعتراف رسمياً بجرائم التعذيب والانتهاكات التي وقعت داخل مراكز الاحتجاز، واعتبارها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات لمعالجتها ضمن إطار العدالة الانتقالية.
2. إجراء جرد شامل لمراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التي استخدمها النظام السابق، والتحقيق في الانتهاكات التي وقعت فيها، بما يشمل استجواب الموظفين السابقين والشهود.
3. حماية الوثائق والأدلة المتعلقة بالمعتقلين وضحايا التعذيب، وضمان عدم التلاعب بها أو إتلافها، نظراً لأهميتها الحقوقية والقانونية.
4. مراجعة وتجميد كافة التشريعات والأوامر الإدارية التي وفّرت غطاءً قانونياً لمرتكبي التعذيب، والعمل على سنّ قوانين جديدة تتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب.
5. منع أي تسويات سياسية أو قضائية تُكرّس الإفلات من العقاب أو تضفي شرعية على الانتهاكات السابقة.
6. ضمان تعاون الحكومة الانتقالية مع المنظمات الحقوقية والآليات الأممية، وخاصة اللجنة الدولية للتحقيق والآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، وتزويدها بالأدلة والوثائق المطلوبة.
7. إطلاق برنامج وطني شامل لجبر ضرر الضحايا وذويهم، يشمل التعويض المادي والمعنوي، والدعم النفسي والاجتماعي، والاعتراف الرمزي بمكانة الضحايا في المجال العام.
8. إدراج ملف التعذيب في المناهج التعليمية والسردية الرسمية للدولة الجديدة، كجزء من عملية المصالحة الوطنية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان ومنع تكرار الانتهاكات.
9. التأكيد على عدم تولي المتورطين في جرائم التعذيب أي مناصب أمنية أو إدارية، وتطبيق إجراءات تدقيق مؤسسية صارمة ضمن عملية الإصلاح.
ثانياً: إلى القضاء السوري والمؤسسات القانونية المعنية:
1. ضمان استقلالية القضاء وفتح تحقيقات قضائية في جرائم التعذيب، وفق المعايير الدولية، وملاحقة المسؤولين عنها على كافة المستويات، دون تقادم أو استثناء.
2. تطوير أدوات عمل القضاء الوطني لتمكينه من النظر في الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، وإنشاء وحدات متخصصة في هذه القضايا.
3. تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تمتلك قواعد بيانات وشهادات موثقة، لاستخدامها كأدلة في عمليات المحاسبة.
ثالثاً: إلى المجتمع الدولي والجهات الأممية:
1. مواصلة دعم جهود التوثيق والمساءلة المتعلقة بجرائم التعذيب في سوريا، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للجهات السورية المستقلة المعنية.
2. توسيع نطاق اختصاص المحاكم الدولية والوطنية ذات الولاية العالمية لمحاكمة المتورطين في جرائم التعذيب في سوريا، بمن فيهم أولئك المقيمون خارج البلاد.
3. دعم برامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للضحايا، لا سيما من تعرّضوا لأشكال شديدة من التعذيب والعنف الجنسي، وتوفير خدمات متخصصة وطويلة الأمد.
أصدرت وزارة الأوقاف السورية، عبر مديرية أوقاف دمشق، قرارًا بفسخ عقود استثمار عائدة لأبناء عدنان الأسد، وذلك على خلفية مخالفات قانونية شابت طريقة حصولهم على عدد من المكاتب الوقفية الواقعة في منطقة باب مصلى، مقابل جامع الرشيد، ضمن العقار رقم 1691 بمساحة إجمالية قدرها 745 مترًا مربعًا.
الوثيقة الرسمية التي تحمل الرقم 7156/د، والمؤرخة بتاريخ 8 حزيران 2025، كشفت عن تجاوزات تمت في المزاد العلني الذي منح أبناء عدنان الأسد: ياسر، حازم، وندى، استثمار تلك المكاتب، حيث تبين أن العملية لم تجرِ وفق القوانين الناظمة، وتم استخدام النفوذ والسلطة لإقصاء باقي المتقدمين ومنعهم من المشاركة، ما أفضى إلى رسو المزاد عليهم حصريًا. كما تم تسجيل أجور استثمار غير منطقية بلغت 200 دولار فقط سنويًا لكل المكتب، وهو مبلغ زهيد لا يتناسب مع موقع العقار وقيمته الفعلية، ما وصفته المديرية بأنه عقد مجحف بحق الأوقاف.
وفي ضوء هذه التجاوزات، طالبت مديرية الأوقاف المستثمرين المعنيين بإخلاء المكاتب بشكل كامل خلال أسبوع من تاريخ التبليغ، مؤكدة أنها ستلجأ إلى الضابطة العدلية لتنفيذ الإخلاء الفوري في حال عدم الاستجابة. واعتبرت المديرية أن استخدام السلطة للحصول على منافع من أموال الوقف يتنافى مع المبادئ القانونية والأخلاقية، ولا يمكن القبول به بعد الآن.
يمثل هذا القرار خطوة واضحة في سياق تفكيك شبكة الامتيازات التي كانت تمنح لعائلة الأسد خلال العقود الماضية، ويأتي ضمن توجه أوسع تتبناه الحكومة السورية الجديدة لإعادة الحقوق العامة وضبط العقارات الوقفية التي استولى عليها متنفذون سابقون بطرق غير مشروعة. كما يعكس القرار تحركًا نوعيًا في محاسبة المتورطين بملفات فساد عقاري، حتى وإن كانوا من أبناء عمومة الرئيس السابق، في مؤشر واضح على كسر الحصانة التي كانت تحيط ببعض الأسماء المحسوبة على النظام البائد.
يُذكر أن عدنان الأسد، والد المستفيدين الثلاثة من العقار، كان من الشخصيات النافذة في محيط السلطة خلال سنوات حكم بشار الأسد، وارتبط اسمه وأسماء أبنائه بسلسلة من ملفات الفساد في دمشق وريفها، لا سيما في قطاعي العقارات والجباية غير النظامية.
هذا التحرك يفتح الباب أمام سلسلة قرارات مماثلة من المنتظر أن تطال شخصيات أخرى كانت تتمتع بامتيازات استثنائية، ويؤكد أن مرحلة المحاسبة قد بدأت فعليًا، بعيدًا عن التوازنات والمحسوبيات التي كانت تتحكم بمفاصل الدولة، في عهد النظام البائد.
كشف "تقرير المخدرات العالمي" الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن سوريا لا تزال تمثل نقطة ارتكاز رئيسية في إنتاج وتوزيع المخدرات، لاسيما "الكبتاغون"، بالرغم من زوال نظام المخلوع بشار الأسد، واستمرار الحملات الأمنية التي تنفذها الحكومة السورية الحالية.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة السورية أبدت التزاماً واضحاً بمكافحة تجارة المخدرات، وقد باشرت خطوات ملموسة لتعطيل شبكات التهريب، من بينها الإعلان عن إتلاف كميات ضخمة من الكبتاغون تم ضبطها خلال الأشهر الماضية.
وفي تصريحات خاصة، أوضحت أنجيلا مي، رئيسة قسم الشؤون الاجتماعية في المكتب الأممي، أن "الغموض لا يزال يلف حجم وتعقيدات إنتاج المخدرات في سوريا"، مشيرة إلى أن "كميات كبيرة من الكبتاغون لا تزال تُشحن من سوريا إلى الخارج، عبر الأردن كمثال واضح".
وأضافت أن "من المرجح أن هناك مخزونات قديمة ما تزال تُصدّر، لكننا نراقب عن كثب الوجهات التي قد ينتقل إليها الإنتاج في المستقبل"، مؤكدة أن هناك مؤشرات على توسّع نشاط التهريب إقليمياً، حيث تم اكتشاف مختبرات في دول أخرى مثل ليبيا.
وحول استمرار الجماعات الضالعة في هذه التجارة، أكدت مي أن "مجموعات منظمة لا تزال تواصل إنتاج الكبتاغون ليس في سوريا فحسب، بل في مختلف أنحاء المنطقة، وهذه الشبكات، التي راكمت خبرات طويلة، لن تتوقف بين عشية وضحاها".
وأضافت أن الأمم المتحدة تسعى لمساعدة الحكومات في معالجة هذا الملف عبر مقاربة شاملة تركز على "فهم البنية التنظيمية لهذه الجماعات الإجرامية، وتصميم استجابات استراتيجية مرنة"، مشيرة إلى أنه "لا يوجد نموذج واحد فعال لتفكيك هذه الشبكات، إذ تختلف ديناميكياتها من بلد إلى آخر".
وفي سياق متصل، أكدت مي على أهمية التعاون الإقليمي والدولي، وقالت: "نحن نساعد أجهزة إنفاذ القانون على تعزيز التنسيق مع نظرائها في المنطقة، لأن المشكلة تتجاوز حدود الدول، إذ شهدنا حالات تهريب كبتاغون عابرة إلى أوروبا".
كما لفتت إلى أن دعم الأمم المتحدة لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يشمل أيضاً "التعامل مع تبعات الإدمان من منظور صحي، من خلال دعم برامج العلاج المبني على أدلة علمية لمساعدة المتضررين في عملية التعافي".
يذكر أن تقرير الأمم المتحدة يأتي في ظل اهتمام متزايد من المجتمع الدولي بملف المخدرات في سوريا، ووسط دعوات متكررة لتعزيز التعاون العابر للحدود لاحتواء هذه الظاهرة التي باتت تهدد استقرار المنطقة ومجتمعاتها.
أثار انطلاق اللقاءات التشاورية التي تجريها اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا، تساؤلات حول مدى أحقية اللاجئ الفلسطيني المقيم في سوريا بالمشاركة في العملية الانتخابية، سواء كناخب أو مرشح، في ظل غياب نص قانوني صريح ينظم هذا الحق بشكل واضح.
في هذا السياق، أوضح المحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، الرئيس السابق لهيئة اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة، ومنسق "تجمع مصير"، الجوانب القانونية المتعلقة بهذه المسألة، مستعرضاً الواقع القانوني والخيارات المطروحة لضمان مشاركة الفلسطينيين السوريين في العملية السياسية، وفق ماأوردت "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا".
الأساس القانوني: إطلاقية النص مقابل محدودية التطبيقات
يستند النقاش إلى المادة الأولى من القانون رقم 260 لعام 1956، والذي يُعد الإطار القانوني الناظم لوضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، تنص المادة على أن "الفلسطينيين المقيمين في أراضي الجمهورية العربية السورية يُعاملون معاملة السوريين في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة"، مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.
ورغم أن القانون لم يأتِ على ذكر الحق في الترشح أو الانتخاب ضمن الحقوق المحددة، مثل العمل، والتجارة، وخدمة العلم، فإن غياب هذه الحقوق من نص القانون لا يُعد تقييداً، بل يُفهم ضمن سياق الإطلاق العام للحقوق المكفولة.
وقد سبق أن تم تفسير هذا النص بشكل مشابه لتبرير تمتع الفلسطيني السوري بحقوق أخرى لم يُنص عليها صراحة، كالتعليم والتملك، وهو ما تم تنظيمه لاحقاً بقوانين وإجراءات خاصة.
الدساتير والقوانين: الفجوة التشريعية
على الرغم من الإطلاق القانوني، فإن الدساتير السورية المتعاقبة لم تتضمن إشارات مباشرة إلى وضع الفلسطينيين، ولم تتبنَّ ما جاء في القانون 260 من حيث المبدأ أو التطبيق، وبالعودة إلى قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014، فإن المادة الرابعة منه تنص بوضوح على أن "الانتخاب والاستفتاء حق لكل مواطن أتم الثامنة عشرة من عمره"، دون الإشارة إلى من "في حكم المواطنين" كما ورد في قوانين أخرى.
هذا الإغفال يُفسَّر على أنه استثناء قانوني ضمني، يُقصي الفلسطيني السوري من حق الترشح والانتخاب، خاصة في ظل غياب مراسيم رئاسية أو قوانين تفسيرية تُعالج هذا الخلل.
كيف يمكن للفلسطيني السوري المشاركة في الانتخابات؟
لفتح المجال أمام الفلسطيني السوري للمشاركة الكاملة في العملية الانتخابية، يقترح أبو هاشم عدداً من المسارات الممكنة منها "تعديل قانون الانتخابات العامة" بإضافة عبارة "ومن في حكمه" إلى تعريف من يحق له الانتخاب والترشح، لضمان شمول الفلسطيني السوري.
ويقترح صدور مرسوم عن رئيس الجمهورية، يُجيز مشاركة الفلسطينيين السوريين في الانتخابات التشريعية، أسوة ببقية المواطنين، وإصدار قانون جديد يتولى مجلس الشعب المقبل سنّ قانون يُنظّم الحقوق السياسية والمدنية للفلسطينيين السوريين بما يكفل مشاركتهم المتساوية، مع احتفاظهم بهويتهم الوطنية.
أيضاً يطرح الحقوقي اعتماد إطار دستوري جامع ويُعد هذا الخيار هو الأكثر استدامة، إذ يتطلب صياغة نص دستوري واضح يُكرّس المساواة الكاملة في الحقوق، ويضمن التمثيل العادل والفعال للفلسطينيين السوريين، اعترافاً بتاريخهم النضالي المشترك مع الشعب السوري.
خاتمة: المواطنة السياسية بين القانون والاعتراف
اختتم أبو هاشم توضيحه بالتأكيد على أن منح الفلسطيني السوري حقوقه السياسية ليس مجرد إجراء إداري، بل هو مسؤولية أخلاقية ووطنية تقع على عاتق الدولة السورية والمجتمع السياسي فيها.
ويُعدّ إدماج الفلسطينيين السوريين في الحياة السياسية جزءاً لا يتجزأ من مشروع بناء دولة ديمقراطية عادلة، تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص وتعددية الانتماءات، دون أن يمسّ ذلك بالهوية الوطنية الفلسطينية أو بحق العودة.
ويؤكد أن الاعتراف القانوني الكامل بحقوق الفلسطينيين السوريين، وفي مقدمتها الحق في الترشح والانتخاب، يشكل خطوة ضرورية نحو تعزيز المشاركة السياسية، وترسيخ مفهوم المواطنة المدنية في سوريا الجديدة، وفق "مجموعة العمل".
افتتح وزيرا التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور مروان الحلبي، والصحة، الدكتور مصعب العلي، اليوم قسم المزة الطبي التابع لمشفى البيروني الجامعي بدمشق، بعد إعادة تأهيله بدعم من جمعية الأمل لمكافحة السرطان، حيث خُصص القسم لتقديم خدمات العلاج الشعاعي لمرضى الأورام، مع تحديث شامل للبنية التحتية وزيادة عدد الأسرّة من 40 إلى 75 سريراً.
وأكد الدكتور الحلبي خلال حفل الافتتاح أن المشروع يمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون بين الجهات الحكومية والجمعيات الخيرية، مشيداً بالشراكة الفاعلة مع جمعية الأمل، والتكامل مع وزارة الصحة، بما يحقق أهداف تطوير المشافي الجامعية وتعزيز أدائها التعليمي والخدمي.
وأشار إلى أن التوسعة الجديدة تسهم في تقليص فترات الانتظار للعلاج الشعاعي، خصوصاً للمرضى القادمين من المناطق البعيدة، وتدعم جهود الوزارة لتوسيع الخدمات الصحية بشكل أفقي في مختلف المحافظات.
كما قام الوزير الحلبي بوضع حجر الأساس لبناء مسجد "البيروني" داخل حرم المشفى الرئيسي في حرستا، بتمويل من مؤسسة "هداية بركة" التركية، ليتسع لنحو 250 مصلّياً ويضم مرافق خدمية، ويخدم الكادر الطبي والمرضى المقيمين في محيط المشفيين.
من جهته، أكد وزير الصحة الدكتور مصعب العلي أن التوسعة الجديدة تأتي ضمن خطة وطنية لتأمين خدمات شاملة وعادلة لمرضى السرطان، مشيراً إلى استمرار العمل على افتتاح مراكز جديدة للأورام في محافظات عدة، بدءاً بمركز حلب التابع للوزارة، بالتوازي مع مشاريع شراكة مع منظمات المجتمع المدني كجمعية الأمل، التي تساهم أيضاً في ترميم سكن الأطباء بمشفى المجتهد.
ولفت العلي إلى أهمية توزيع مراكز الخدمات الصحية بشكل مدروس يتناسب مع الكثافة السكانية، لتقريب الخدمة من المرضى والتخفيف من تكاليف السفر والإقامة، مؤكداً أن الحكومة تعمل كفريق واحد لتأمين منظومة دعم متكاملة على مستوى القطاع الصحي.
مدير عام مشفى البيروني الدكتور رضوان الأحمد أوضح أن المشفى يقدم خدماته مجاناً عبر فرعيه في المزة وحرستا، ويستقبل يومياً ما بين 700 و1000 مريض، مشيراً إلى أن إعادة تأهيل قسم المزة ساهمت في تقليص مدة انتظار العلاج الشعاعي من عدة أشهر إلى أقل من شهر.
كما أشار الدكتور عبد الرحمن زينو، رئيس جمعية الأمل، إلى أن الترميم والتوسعة انطلقت منذ لحظة التحرير، مع التركيز على تأمين إقامة إنسانية للمرضى القادمين من المحافظات النائية، لافتاً إلى مشروع قيد الدراسة لإنشاء مشفى متخصص باستقبال المرضى الذين يتلقون علاجاً يومياً لتخفيف الضغط عن البيروني.
أما رئيس قسم الأشعة، الدكتور حسين صباغ، فاعتبر أن زيادة عدد الأسرّة لا تزال غير كافية لتغطية الاحتياج، نظراً للعدد الكبير من المرضى القادمين من المناطق الشمالية والشرقية، مؤكداً ضرورة التوسع المستمر لتأمين الخدمة بجودة وكفاءة أعلى.
بحث وزير الاقتصاد والصناعة السوري، الدكتور محمد نضال الشعار، خلال اجتماع رسمي عقد في مقر الوزارة بدمشق، مع القائم بأعمال السفارة الإيطالية، ستيفانو رافاجنان، سبل تطوير العلاقات الاقتصادية بين سوريا وإيطاليا، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالي الصناعة والتجارة.
وتناول اللقاء إمكانية إطلاق مشاريع استثمارية مشتركة، وزيادة حضور الشركات الإيطالية في السوق السورية، بما ينعكس إيجاباً على دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز فرص النمو المستدام.
وأكد الوزير الشعار أهمية توسيع مجالات التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، لافتاً إلى أن هناك فرصاً واعدة يمكن استثمارها في قطاعات متعددة، من شأنها تحقيق منافع متبادلة لكلا الطرفين.
من جانبه، أعرب رافاجنان عن رغبة بلاده في تعميق التعاون الاقتصادي مع سوريا، مشدداً على أن المشاريع المشتركة لا تسهم فقط في تنشيط الحركة التجارية، بل تخلق أيضاً فرص عمل وتعزز التنمية المحلية.
وأبدى الجانبان تفاؤلهما بإمكانية تعزيز التعاون الثنائي في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل وجود إرادة مشتركة لتطوير العلاقات الاقتصادية وبناء شراكات طويلة الأمد.
وفي سياق متصل، كان السفير الإيطالي قد زار مدينة حلب مؤخراً في زيارة حملت أبعاداً اقتصادية وثقافية وأكاديمية، حيث أجرى سلسلة لقاءات ميدانية ناقش خلالها إمكانيات التعاون في قطاعات الاستثمار والتعليم، في ظل المرحلة الجديدة التي تشهدها سوريا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
عقد قائد الأمن الداخلي في محافظة درعا، العميد شاهر جبر عمران، اجتماعاً موسعاً اليوم مع عدد من كبار القادة العسكريين والأمنيين، لبحث سبل تعزيز التنسيق الأمني والعسكري في ظل التحديات المتزايدة التي تشهدها المحافظة.
وأكد العميد عمران خلال اللقاء على ضرورة توحيد الجهود وتكثيف التعاون بين مختلف الأجهزة المختصة، مشدداً على أن تبادل المعلومات والاستجابة السريعة للأحداث يمثلان حجر الأساس في الحفاظ على استقرار المحافظة والتصدي لأي تهديدات محتملة.
واستعرض المجتمعون التطورات الأمنية في عدد من قرى وبلدات ريف درعا، لاسيما المناطق التي شهدت مؤخراً خروقات أمنية أو نشاطاً لمجموعات خارجة عن القانون. وتمت مناقشة تقييم التدابير المتخذة، مع طرح مقترحات لتحسين الانتشار الميداني وإغلاق أي ثغرات يمكن أن تستغلها الجماعات المسلحة.
كما ناقش الاجتماع أهمية الانفتاح على المجتمع المحلي وتعزيز التواصل مع الوجهاء والفعاليات الأهلية، بهدف دعم جهود السلم الأهلي والتصدي لحملات التحريض الإعلامي التي تستهدف زعزعة الاستقرار.
وفي ختام الاجتماع، تقرر تشكيل غرفة تنسيق أمنية مشتركة تضم ممثلين عن جميع الجهات الحاضرة، تعمل بشكل متواصل لمتابعة التطورات الميدانية، ورفع تقارير دورية للقيادة حول سير تنفيذ الخطط الأمنية وتقييم الأداء.
ويأتي هذا الاجتماع ضمن خطة أمنية شاملة أقرتها القيادات العسكرية والأمنية في درعا، تهدف إلى استعادة الأمن بشكل كامل، وتهيئة البيئة اللازمة لمواكبة المرحلة المقبلة من التعافي والاستقرار المستدام، وحضر الاجتماع مسؤولون كبار من وزارة الدفاع، إلى جانب قادة من الشرطة العسكرية وجهاز الأمن الداخلي.
أعلنت النيابة العامة الاتحادية في ألمانيا، أمس الأربعاء، أن السوري المشتبه به في تنفيذ عملية الطعن في مدينة بيليفيلد غرب البلاد، في 18 أيار/مايو الماضي، ينتمي إلى تنظيم داعش منذ عام 2014، ويواجه تهماً بالإرهاب والشروع في القتل والتسبب بأذى جسدي جسيم.
ووفق بيان صادر عن النيابة العامة لمكافحة الإرهاب، فإن المشتبه به، المدعو “محمود م.” (35 عاماً)، كان ناشطاً في صفوف تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية، معقل التنظيم السابق، حيث عمل كحارس حتى ربيع عام 2016، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا في وقت لم يُعلن عنه.
وأضاف البيان أن المتهم “يتبنى فكراً جهادياً إسلاموياً متطرفاً”، وأنه قرر تنفيذ “حرب جهادية عالمية” باسم تنظيم داعش، من خلال استهداف أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين يختارهم بشكل عشوائي.
ووفق التحقيقات، أقدم المتهم في صباح يوم 18 أيار/مايو، على طعن أربعة أشخاص أمام حانة في وسط مدينة بيليفيلد، كانوا من مشجعي فريق كرة القدم المحلي، ما أدى إلى إصابتهم بجروح خطيرة.
وأكدت النيابة أن دوافع الهجوم دينية، وأصدرت مذكرة توقيف جديدة بحقه تتضمن تهم “الانتماء إلى منظمة إرهابية أجنبية”، و”محاولة القتل”، و”الضرر الجسدي الخطير”.
وتأتي هذه الحادثة في سياق سلسلة من الهجمات التي شهدتها ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة، تضمنت اعتداءات بالسلاح الأبيض وعمليات دهس، تزامنت مع أجواء مشحونة قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في شباط/فبراير الماضي، وأسهمت وفق مراقبين في صعود حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، الذي حل في المرتبة الثانية خلف التحالف المحافظ بزعامة المستشار فريدريش ميرتس.
وقد أثارت هذه الهجمات قلقاً متزايداً داخل الأوساط السياسية والمجتمعية بشأن تداعياتها السلبية على اللاجئين المقيمين في ألمانيا، لا سيما السوريين، حيث يخشى كثيرون أن تُستغل هذه الحوادث لتأجيج خطاب الكراهية وتشديد السياسات تجاه طالبي اللجوء والباحثين عن الأمان، رغم أن الغالبية العظمى منهم تفر من ذات التنظيمات التي تورط عناصرها في مثل هذه العمليات.
وتعيد هذه الحادثة تسليط الضوء على تحديات أمنية تواجهها ألمانيا ودول أوروبية أخرى، في ظل استمرار مخاطر الخلايا النائمة وعودة بعض المقاتلين السابقين من مناطق النزاع في سوريا والعراق، ما يطرح مجدداً تساؤلات حول فعالية سياسات الرقابة وإعادة التأهيل للمقاتلين السابقين.
أكد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أن ضمان العودة الطوعية والآمنة والمُخطط لها للاجئين السوريين يمثل أولوية قصوى، مشدداً على أهمية دعم المجتمع الدولي لجهود الحكومة السورية في تحقيق هذا الهدف وتعزيز الاستقرار في البلاد.
وفي تصريح خاص لوكالة "سانا"، أشار غراندي إلى أن المفوضية تتعاون عن كثب مع الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، من خلال آليات مشتركة للتحقق من أن عمليات العودة تتم طوعاً، مؤكداً أن العمل جارٍ على تطوير هذه الآليات بما يضمن احترام حقوق اللاجئين وتلبية احتياجاتهم.
وحذّر غراندي من طرح عودة جماعية فورية لكل اللاجئين، معتبراً أن هذا النهج غير واقعي ولا يخدم سوريا في الظروف الحالية، وقال: "ليس من المنطقي أن تعود الملايين دفعة واحدة إلى بلد يعاني من تحديات اقتصادية وخدمية كبيرة، والحل الأمثل يكمن في العودة التدريجية التي تراعي قدرة الدولة على الاستيعاب".
وأوضح أن استعادة الاستقرار الكامل في سوريا تحتاج إلى شراكة واسعة تشمل الدول الصديقة، والمؤسسات المالية الدولية، إلى جانب القطاع الخاص الذي بإمكانه أن يلعب دوراً محورياً في دعم عملية التعافي وخلق فرص العمل. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل سوريا قائلاً: "على اللاجئين التحلي بالصبر، فسوريا قادرة على النهوض تدريجياً والعودة إلى موقعها كدولة مستقرة".
وكشف غراندي أن المفوضية سجّلت حتى الآن عودة نحو 600 ألف لاجئ من الدول المجاورة، إضافة إلى أكثر من 1.4 مليون نازح داخلي عادوا إلى مناطقهم، ما يرفع العدد الإجمالي للعائدين إلى أكثر من مليوني شخص، وسط رغبة متزايدة لدى آخرين بالعودة في أقرب وقت ممكن.
وشدد على أن احتياجات العائدين متعددة وتشمل المأوى، التعليم، الطاقة، والخدمات الأساسية، لافتاً إلى أن المفوضية تعمل بالتعاون مع الحكومة السورية والمنظمات الشريكة على تأمين دعم مباشر للعائدين خلال الأشهر الأولى من عودتهم، بما في ذلك توفير وسائل النقل والاحتياجات المعيشية العاجلة.
وأشار غراندي إلى أن تعزيز الأمن يشكل تحدياً أساسياً تواجهه الدولة، بعد حرب امتدت لأكثر من 14 عاماً، مؤكداً أن الأمن هو المطلب الأول لجميع العائدين، وهو ما يتطلب دعماً إضافياً للحكومة من أجل ترسيخه بشكل شامل.
واختتم المفوض الأممي تصريحه برسالة رمزية قائلاً: "النظام السابق كان نظاماً يصنع اللاجئين، أما اليوم، فالمطلوب هو أن تكون هذه الحكومة حكومة للعائدين، ترعى مصالحهم وتوفر لهم بيئة آمنة وكريمة للعودة والعيش مجدداً في وطنهم".
افتُتحت اليوم الخميس فعاليات الدورة الثالثة والعشرين من معرض أغريتكس الدولي للمستلزمات الزراعية والبيطرية لعام 2025، الذي تنظمه شركة "أتاسي" لتنظيم المعارض بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، واتحاد الغرف الزراعية، ونقابة الأطباء البيطريين، وذلك على أرض مدينة المعارض في دمشق، بمشاركة 142 شركة من سوريا وعدد من الدول العربية والأجنبية.
ويمتد المعرض حتى يوم الأحد 29 حزيران، بمشاركة شركات متخصصة في إنتاج وتوريد الأدوية البيطرية، الأعلاف، المواد الأولية، اللقاحات، البذور، المبيدات والأسمدة، إلى جانب أنظمة الري الحديث والتقنيات الزراعية المتقدمة.
وقال مدير شركة أتاسي، غازي الأتاسي، إن المعرض يشهد هذا العام حضوراً بارزاً لأهم الشركات السورية العاملة في المجالين الزراعي والبيطري، إلى جانب شركات من تركيا، الأردن، السعودية ولبنان، مشيراً إلى أن حفل الافتتاح الرسمي سيُقام عصر يوم الجمعة.
من جانبه، أكد مدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي في وزارة الزراعة، الدكتور سعيد إبراهيم، أن معرض أغريتكس يشكل منصة استراتيجية تعكس اهتمام سوريا بتطوير قطاعها الزراعي، الذي يُعد ركناً أساسياً في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي.
وأوضح أن المعرض يُعد فرصة مهمة للتعرف على أحدث الابتكارات في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني، مثل أنظمة الري المتقدمة والبذور المحسّنة والتقنيات الذكية في إدارة الثروة الحيوانية.
وأشار إبراهيم إلى أن تطبيق هذه التقنيات يساهم في رفع كفاءة الإنتاج، وتحسين نوعية المنتجات، وتخفيض الفاقد، مما ينعكس إيجاباً على دخل المزارعين ويحسّن مستوى معيشة السكان، فضلاً عن دوره في تعزيز تبادل الخبرات بين الفاعلين في القطاع الزراعي من باحثين، مزارعين ومستثمرين.
وأضاف أن المعرض يشكل أيضاً نافذة لجذب الاستثمارات الخارجية، وتوسيع فرص التعاون الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، موضحاً أن هذه الفعاليات تفتح المجال لتوقيع اتفاقيات وشراكات تسهم في تحديث القطاع الزراعي السوري وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني.
يُذكر أن "مجموعة الرشيد التجارية" تشارك كراعٍ ذهبي للمعرض، وهي من أبرز الشركات المتخصصة في تجارة الأعلاف الحيوانية والمواد الخام، وتغطي احتياجات الأسواق السورية والإقليمية من الذرة وفول الصويا والشعير.
أكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، أن موافقة مجلس إدارة البنك الدولي على تقديم منحة مالية بقيمة 146 مليون دولار لإصلاح منظومة الكهرباء في سوريا، تُعد أول مشروع للبنك في البلاد منذ ما يقارب أربعة عقود.
وأوضح برنية في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة "لينكدإن" أن هذه المنحة تُمنح بشكل كامل دون أن تُرتب ديوناً على سوريا، مؤكداً التزام الوزارة بالعمل الجاد والتعاون المؤسساتي لضمان استمرارية الدعم المالي من الجهات الدولية.
وأشار الوزير إلى أن هذه الخطوة تشكّل بداية واعدة لتوسيع نطاق التعاون بين سوريا والبنك الدولي، بالإضافة إلى مؤسسات مالية دولية أخرى، معرباً عن شكره لفريق البنك على تعاونهم، كما ثمّن الجهود المشتركة التي بذلتها وزارات الخارجية والمغتربين، والطاقة، والمالية في إنجاز ترتيبات المنحة.
وكان البنك الدولي قد أعلن يوم الأربعاء عن المصادقة على المنحة التي تهدف إلى دعم جهود الحكومة السورية في إصلاح قطاع الكهرباء، من خلال تحديث محطات التوليد المتضررة، وإعادة تأهيل شبكات التوزيع، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المناطق ذات الأولوية، بما ينعكس على تقليص ساعات التقنين، وتعزيز الاستقرار في مناطق العودة الطوعية، وتحفيز النشاط الاقتصادي المحلي.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان البنك الدولي عن تسوية المتأخرات المستحقة على سوريا، والتي بلغت نحو 15.5 مليون دولار أميركي، ما أتاح لها استعادة الأهلية للاستفادة من برامجه التمويلية، شرط الالتزام بالسياسات التشغيلية المعتمدة لديه.
وبحسب بيان سابق للبنك الدولي، فقد تم سداد هذه المتأخرات بتاريخ 12 مايو 2025، من خلال دعم مباشر من المملكة العربية السعودية ودولة قطر لصالح المؤسسة الدولية للتنمية، وهي الذراع التمويلية التابعة للبنك المخصصة لأشد البلدان فقراً.
وفي هذا السياق، كانت الرياض والدوحة قد أعلنتا عن تسوية المبالغ المتأخرة بالتنسيق مع البنك الدولي، في مبادرة تهدف إلى استئناف دعم سوريا بعد أكثر من 14 عاماً من التجميد، ما يمهّد الطريق أمام مشاركة سوريا في برامج جديدة للحصول على تمويلات إضافية مخصصة لإعادة إعمار القطاعات الحيوية، إلى جانب الدعم الفني وبناء القدرات وصياغة السياسات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.
أطلق المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) تحذيراً رسمياً بشأن تصاعد عمليات النهب والاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي السوري، مؤكداً أن البلاد تشهد أكبر موجة استنزاف للآثار في تاريخها الحديث، في ظل ضعف الرقابة الداخلية وتنامي الطلب الدولي على القطع الأثرية المهربة.
ووفق بيان صادر عن المجلس، فإن المدن السورية الكبرى تشهد رواجاً ملحوظاً لأجهزة التنقيب الإلكترونية التي تُستخدم في عمليات تنقيب غير قانونية، وغالباً ما تُعرض نتائجها على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تسويق القطع الأثرية وبيعها بشكل علني.
وأشار التقرير إلى تحوّل هذا النشاط من سوق سرية إلى شبكة مفتوحة متعددة المسارات، تديرها جهات تتقاطع مصالحها بين التهريب والتزييف، وتتلقى دعماً محلياً وإقليمياً، مما يُصعّب عمليات المتابعة والمساءلة. كما سجل المجلس زيادة مقلقة في تداول قطع مزورة، لا سيما العملات المعدنية القديمة، مما يُعقّد من جهود التوثيق ويثير الشكوك حول شرعية عدد كبير من القطع المتداولة.
ودعا المجلس إلى توخي الحذر في التعامل مع أي قطعة يُشتبه بانتمائها إلى التراث السوري، حتى وإن لم تكن مدرجة ضمن "القائمة الحمراء الطارئة" التي نُشرت عام 2018. وأكد أن تلك القائمة تمثل أداة إرشادية أولية، وينبغي استكمالها بفحوص دقيقة لتقييم كل قطعة على حدة.
في السياق ذاته، طالب المجلس الحكومة السورية ودول الجوار، لا سيما لبنان، تركيا، والعراق، بتشديد إجراءات الرقابة على الحدود وتعزيز التعاون الثنائي والإقليمي لمكافحة تهريب الآثار، مشيراً إلى أن هذا النزيف الثقافي يُهدد الهوية التاريخية والحضارية لسوريا بشكل مباشر.
وعلى الرغم من التحديات الأمنية واللوجستية، أفاد المجلس بأن أعضاءه العاملين في سوريا أطلقوا مبادرات توعوية محلية تهدف إلى رفع الوعي المجتمعي بخطورة نهب التراث، مؤكدين أن "كل قطعة منهوبة تُباع، تُفقد معها قصة من التاريخ السوري".
في المقابل، عبّر التقرير عن استغرابه من صمت المجتمع الدولي حيال تنامي هذه الظاهرة، رغم التحذيرات المتكررة التي أُطلقت على مدار السنوات الماضية، داعياً المنظمات الثقافية والحقوقية إلى تحمّل مسؤولياتها في حماية ما تبقى من التراث السوري.
وكانت أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) استئناف أنشطتها في سوريا بعد تعليق دام 14 عاماً، إذ أطلقت مبادرة جديدة تهدف إلى تقديم دعم إسعافي لإعادة تأهيل المتحف الوطني في دمشق، في خطوة تمهيدية لانخراط أوسع في جهود إنقاذ القطاع الثقافي السوري واستعادة ما يمكن من آثاره المنهوبة.