
سوريا ووجع لا يهدأ: الفقد المتجدد في السويداء يعيد جراح الوطن إلى الواجهة
عادت سوريا لتُدمي من جديد، بعد أن تكبّدت عشرات العائلات خسائر فادحة في أعقاب الاشتباكات العنيفة التي اجتاحت محافظة السويداء مؤخرًا، حيث اندلعت مواجهات دامية بين مقاتلين من عشائر البدو وفصائل درزية محلية، تزامنًا مع دخول قوات أمنية وعسكرية تابعة للحكومة السورية، لتزيد الغارات الإسرائيلية التي لحقت بالمشهد من تعقيده وخطورته.
أبناء الوطن في مرمى النيران
في أوج الحزن، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة عزاء وطنية، امتلأت بالنعوات وكلمات الرثاء، ترثي شبابًا من قوى الأمن العام سقطوا خلال أداء واجبهم في حماية البلاد. وتناقلت الصفحات صورًا للمفقودين ومقاطع تُوثق لحظات أسر بعضهم على يد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، في مشاهد موجعة جرّدت الأسرى من كرامتهم أمام أعين أمهاتهم وعائلاتهم.
ألم متجذّر في الذاكرة السورية
هذه الحكايا لم تكن جديدة على السوريين الذين أنهكتهم سنوات من الموت والفقد، فقد توارثوا الحزن جيلاً بعد جيل، من عهد آل الأسد، مرورًا بالحرب التي التهمت أرواح الآلاف، وخلّفت وراءها معتقلين ومفقودين بلا أثر. لم تَسلم عائلة سورية من مأساة شخصية، من أم تبكي أبناءها، إلى أب يبحث في السجون، إلى طفل ينهار تحت الأنقاض.
بارقة أمل أُجهضت
مع سقوط نظام الأسد البائد، انتعشت في قلوب الناس نفحات من الأمل بأن زمن الرعب والدم سينتهي، وأن أبناءهم سيعيشون في وطن آمن، يخدمونه بشرف في مؤسسات الدولة، لا يقتادهم الموت من أبواب الثكنات. راهن الأهالي على مستقبل جديد، ووجّهوا أبناءهم نحو الانخراط في الأمن العام والجيش، على أمل خدمة البلاد وكسب لقمة كريمة.
لكن سرعان ما تحوّلت الآمال إلى خيبات، إذ كشفت الأيام أن للفقد فصولًا أخرى لم تكتب بعد، وأن الألم لا يزال يتربّص بالعائلات من جديد.
من جبهات الجنوب إلى مصائد الموت
لم تلتقط البلاد أنفاسها بعد، حتى عصفت بها أحداث دامية مجددًا، من جرمانا وصحنايا إلى هجمات الفلول في الساحل، حيث سقط العشرات من شباب الأمن العام ضحايا للغدر، بعدما أُرسلوا لحماية المناطق من التوتر، فاستُدرجوا إلى كمائن قاتلة، جعلت مهمتهم النبيلة مصيدة انتهت بعمليات قتل مروعة هزّت وجدان السوريين جميعًا.
بلد ينزف ولا يستكين
ما تزال سوريا تدفع ثمن الفوضى والانفلات، حيث كل كارثة تُمهّد لمأساة تليها، ويظل الفقد ضيفًا ثقيلًا على منازل أهلها. أرواح تُزهق، وقلوب تتمزق، وأمهات ينكسرن عند أبواب المستشفيات أو في ساحات الانتظار، بانتظار ابن لن يعود.
هذه الأرض، التي ضاقت بجراحها، لم تذق بعد طعم السلام الحقيقي، ولا زال فجر الطمأنينة عصيًّا على البزوغ. ومع كل نكبة، تتجدد الدعوات الصامتة بأن يحلّ يومٌ تُجفف فيه الدموع، وتستقر فيه أرواح الأبناء في حضن وطن لا يُسلّمهم للموت مجددًا.