
شهادات مُعلّقة: لماذا يعمل الشباب السوري خارج اختصاصاتهم؟
اضطر عشرات الشباب السوريين في داخل البلاد وخارجها إلى القبول بفرص عمل تختلف عن الاختصاص الجامعي الذي درسوه لسنوات، وكرّسوا له جزءاً كبيراً من وقتهم وجهدهم. فقد اصطدموا بعد التخرج بواقعٍ معيشيٍ قاسٍ خلال الحرب، وواجهوا صعوبات كبيرة في العثور على أعمال تتناسب مع اختصاصاتهم.
ومع ازدياد الأعباء خلال الحرب والنزوح والهجرة، أصبح العمل ضرورة ملحة، ليدخل الشباب مجالات بعيدة عن الفروع التي درسوها، بهدف إعالة أسرهم وتغطية احتياجاتهم وتحقيق قدر من الاستقلال المادي. وفي ظل هذا الواقع لاقى شبان إيجابيات وسلبيات سنستعرضها ضمن هذا التقرير بناء على قصص رصدناها خلال عملنا على هذا الموضوع.
ذكر عدد من الشباب الذين قابلناهم أنهم استفادوا من العمل في مجالات مختلفة عن تخصصاتهم الجامعية، حيث تمكنوا من اكتساب مهارات وخبرات جديدة ساعدتهم على تطوير أنفسهم عملياً. كما ساهمت هذه التجارب في تعزيز قدرتهم على التكيف مع الظروف الصعبة، وتحمل المسؤولية، وهي صفات أساسية في أي بيئة عمل.
وأكد بعضهم أنهم وسّعوا من آفاق تفكيرهم، واكتشفوا اهتمامات وقدرات لم يكونوا على دراية بها خلال فترة دراستهم الجامعية. من جهة أخرى، ساعدتهم هذه الأعمال في تحقيق دخل مادي مكّنهم من الاستقلال وعدم الاعتماد على الآخرين.
كذلك، وبفضل تنقّلهم بين وظائف مختلفة، خاصة في المنظمات والقطاعات المتعددة، تمكنوا من بناء شبكة علاقات واسعة مع أشخاص من خلفيات متنوعة، الأمر الذي قد يفتح لهم مستقبلاً أبواباً جديدة للتطور المهني والفرص الأفضل.
تقول سلام مصطفى، خريجة أدب إنجليزي من جامعة إدلب:"بعد تخرّجي، لم أعمل ضمن اختصاصي لأنه لم تتاح لي فرصة مناسبة، وفضّلت العمل في مجالات ذات أجور أعلى، مثل الدعم النفسي، التوعية، والمراقبة والتقييم، بدلاً من التدريس في اللغة الإنجليزية الذي كان راتبه أقل بكثير".
وتضيف: "كنت أختار الوظيفة التي تساعدني أكثر من الناحية المادية. لكن في بعض الأحيان، كنت أنزعج من كوني لا أعمل في اختصاصي، لأن اللغة الإنجليزية تحتاج إلى ممارسة مستمرة ومراجعة دائمة، وابتعادي عنها جعلني أشعر بالخوف من فقدان مهاراتي فيها".
ونوّه عدد من الشباب إلى أنهم، عند عملهم في مجالات بعيدة عن اختصاصاتهم الجامعية، كانوا يشعرون أن سنوات الدراسة والجهد التي بذلوها قد ذهبت هدراً. هذا الشعور يترافق غالباً مع إحباط نفسي وفقدان للحافز، خاصة عندما يجدون أنفسهم بعيدين تماماً عن المجال الذي حلموا بالعمل فيه، وكرّسوا له سنوات طويلة من عمرهم في الجامعة.
وكان الوضع أقسى بالنسبة لفئة من الشباب الذين لم يجدوا فرصاً للعمل في المنظمات أو المؤسسات. بعضهم، ممن نزح إلى تركيا، اضطر للعمل في المعامل أو في مهن شاقة تتطلب جهداً جسدياً كبيراً. أما من بقي في سوريا، فغالبًا ما لجأ إلى المهن اليدوية أو البسيطة التي لا تتناسب مع اختصاصه، وكانت أجورها قليلة مقارنة بحجم الاحتياجات اليومية.
يقول أحد الشباب الذين التقينا بهم، وهو مدرس كان يعمل سابقًا في مجال التدريس: ’بعد سيطرة النظام البائد على قريتنا، لم ألتحق بمؤسساته، فتم فصلي من عملي. لم أتمكن من إيجاد فرصة عمل في مجال اختصاصي، واضطررت للعمل في سوق الهال في مدينة معرّة مصرين، حيث أعمل بأجر زهيد لا يتناسب مع دراستي ولا مؤهلاتي، لكنني أواصل العمل من أجل إعالة أسرتي".
بسبب الحرب، اضطر العديد من الشباب للعمل خارج اختصاصاتهم، بهدف تأمين دخل مادي، والاعتماد على الذات، ومحاربة البطالة. واليوم، مع سقوط النظام البائد وإقبال البلاد على مرحلة جديدة، يأمل هؤلاء الشباب أن تتوفر لهم فرص عمل تليق بهم وباختصاصاتهم، وأن تتحسن أوضاعهم المهنية والمعيشية بما يضمن لهم مستقبلاً أكثر استقراراً وعدالة.