استقبل وزير الخارجية والمغتربين السوري، السيد أسعد الشيباني، اليوم الثلاثاء في قصر تشرين بدمشق، وفداً أردنيًّا رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الأردني الدكتور أيمن الصفدي، في زيارة وصفت بالتاريخية، شهدت الإعلان عن تشكيل مجلس تنسيقي أعلى بين سوريا والأردن، في خطوة تهدف إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
ويضم الوفد وزراء من قطاعات المياه والطاقة والصناعة والنقل، إلى جانب أمناء عامين وممثلي مؤسسات حكومية، في إطار تفعيل مجلس التنسيق الأعلى الذي أُعلن عنه مؤخرًا، والذي سيتولى إدارة الملفات الاقتصادية والتنموية بشكل منتظم بين الطرفين.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أعلن الوزير الشيباني توقيع اتفاقية لإحداث مجلس تنسيقي أعلى بين البلدين، مشيرًا إلى أن هذا التقدم يأتي بعد “تتويج الجهود الدبلوماسية برفع العقوبات الأوروبية بعد أيام من رفع العقوبات الأمريكية”، مضيفًا أن “رفع العقوبات سينعكس إيجابًا على سوريا والمنطقة”، وأن “الاعتداءات الإسرائيلية لا تهدد سوريا فقط بل جميع المنطقة، وتمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”.
وقال الشيباني إن الأردن “كان حريصًا أكثر منا على إطلاق التنسيق الاقتصادي منذ اليوم الأول بعد التحرير”، مؤكدًا أن مجالات التعاون تشمل “النقل والطاقة وكل المجالات”.
من جانبه، أكد الوزير الصفدي أن زيارته تأتي بتوجيه مباشر من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لبناء علاقات تكاملية مع سوريا، معتبرًا أن هذا اليوم يمثل “إنجازًا مهمًا” في مسار العلاقات، حيث تم الاتفاق على خارطة طريق للتعاون تشمل “الطاقة، النقل، المياه، الصحة”.
وأضاف الصفدي أن “ما يهدد أمن سوريا يهدد أمن الأردن”، مؤكدًا أن “استقرار سوريا ركيزة لاستقرار المنطقة”، واصفًا الشعب السوري بأنه “قادر ومنجز، وإذا أُعطي الفرصة، سيحقق قصة نجاح جديدة”.
وحول الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، قال الصفدي إن “ما يجري في الجنوب السوري هو اعتداء على الأردن أيضًا”، ودعا إسرائيل إلى “احترام سيادة سوريا وإنهاء احتلالها للأرض السورية”، فيما ثمّن الشيباني الموقف الأردني الرافض لهذه التدخلات.
ووصف الشيباني اللقاء بأنه “نقطة تاريخية في مستقبل العلاقة بين البلدين”، فيما شدد الصفدي على أن “سوريا بوابة الأردن إلى أوروبا، والأردن بوابة سوريا إلى الخليج والعالم العربي”.
تأتي هذه الزيارة في أعقاب سلسلة تحولات إقليمية ودولية لصالح الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من بينها رفع العقوبات الأميركية، وتوجه الاتحاد الأوروبي نحو خطوة مماثلة. وتشير هذه التحركات إلى انفتاح سياسي واقتصادي واسع النطاق قد يعيد رسم خريطة العلاقات الإقليمية في مرحلة ما بعد الأسد.
هل ترغب بإضافة ملحق تحليلي عن دلالات هذه الزيارة أو التركيز على ملف التعاون الاقتصادي؟
أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، "نور الدين البابا"، أن الوزارة تدرك حجم الصعوبات التي يواجهها المواطنون نتيجة تأخر انطلاق عمل إدارة المباحث الجنائية، مشددًا على أن صبر السوريين محل تقدير عالٍ من قبل الوزارة.
وأوضح أن هذا التأخر يعود إلى جملة من الأسباب المرتبطة بظروف ما بعد سقوط النظام البائد فقد تعرّضت مقرات الإدارة لعمليات تخريب ممنهجة، وصفها بـ"إغراق المركب"، في محاولة لإدخال البلاد في حالة من الفوضى
كما طالت المباني أعمال عبث وتدمير إضافية في لحظات التحرير الأولى، ما فاقم من التحديات اللوجستية والفنية اللازمة لإعادة تأهيلها.
وأشار إلى أن أعمال الترميم والصيانة ليست بالأمر الذي يُنجز سريعًا، فهي تتطلب وقتًا وموارد كبيرة، كما تواجه الوزارة تحديات فنية تتعلق بقواعد البيانات الجنائية.
حيث تعمل الفرق المختصة على إعادة برمجتها وربطها مع باقي المحافظات بنظام موحد، هذا إلى جانب عقبات لوجستية في شبكات الاتصال ونقل البيانات، وخاصة ما يتعلق بالبنية التحتية للألياف الضوئية.
وأضاف أن الجهود مستمرة لمعالجة المدخلات الجنائية وتوحيدها على مستوى الجمهورية، من إذاعات بحث ومذكرات قضائية وخلاصات أحكام، ضمن قاعدة بيانات موحدة.
وأشار أيضًا إلى أن بعض المحافظات لم تُفعّل فيها بعد كامل إدارات الدولة، مما أعاق توفير خدمة "غير محكوم" في تلك المناطق، وخلق ضغطًا متزايدًا على المراكز التي تعمل حاليًا، ما أدى إلى زيادة التكاليف والوقت والجهد على المواطنين.
وشدد في ختام حديثه بالتأكيد على أن الوزارة تبذل جهودًا كبيرة لتجاوز هذه العقبات، وأن تحسّن الخدمات وتفعيل العمل بشكل كامل سيكون قريبًا، بما يتناسب مع تطلعات المواطنين وحقهم بخدمات أمنية فاعلة ومنظمة.
وفور سقوط النظام البائد، فتحت وزارة الداخلية باب الانتساب إلى الشرطة، في خطة تطويرية شاملة تهدف إلى دعم قطاع الشرطة وتأهيل كوادر جديدة لمواكبة المتطلبات الأمنية المتزايدة.
ومن المقرر أن يتم توزيع العناصر الجديدة على مختلف المراكز الشرطية بشكل فوري حيث سيشمل عملهم الشرطة المدنية، وشرطة المرور، ووحدات الأمن العام.
وسيتم إرسال دفعة جديدة كل أسبوعين بعد الخضوع لدورات تدريبية مكثفة، وتدريبات أولية على ضبط الأمن، على أن يخضعوا لاحقاً لدورات أخرى مكثفة وفقاً لمتطلبات العمل الميداني.
هذا وسجَّل الأداء الأمني لوزارة الداخلية السورية خلال الأشهر الأخيرة تحسناً ملحوظاً في ملاحقة الجرائم الجنائية، مع مواصلة حملات ملاحقة لفلول النظام السابق، وعصابات الإجرام وتجارة المخدرات، وتخريج دفعات جديدة من الشرطة.
دعا ناشطون من أبناء مدينة الرقة إلى تنفيذ إضراب عام يوم الخميس، 23 أيار/ مايو، احتجاجًا على العبث الخطير الذي تمارسه ميليشيا "قسد"، عبر الاستمرار في حفر الأنفاق تحت الأحياء السكنية داخل المدينة.
واعتبر القائمون على الدعوة من نشطاء وحقوقيين ومدنيين أن أعمال الحفر الممنهجة تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المدنيين وسلامتهم، وتُعد استهتارًا صارخًا بحقوق السكان، فضلًا عن مساهمتها في فرض واقع عسكري بالقوة وتغيير جغرافية المدينة ومستقبلها.
وأكد البيان، الذي حمل عنوان "نداء إلى أحرار الرقة وثوارها"، أن الإضراب يمثل صرخة جماعية في وجه السياسات التي تُكرّس الترهيب وتقوّض البنية المجتمعية، داعيًا كل من يحمل في قلبه حبًا للمدينة إلى الوقوف بكرامة رفضًا لحفر الأنفاق وطمر الرقة تحت الأرض.
كما طالب القائمون على الحملة النشطاء الإعلاميين وصفحات المجتمع المدني بالمشاركة الفاعلة في دعم الإضراب ونشر الرسالة على أوسع نطاق، محذرين من خطورة تحويل الرقة إلى "ساحة مغلقة تحت الأرض".
ويعيش أهالي مدينة الرقة حالة من القلق والخوف الدائمين، وسط تزايد حالات الانهيار الأرضي الناتجة عن استمرار قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في حفر أنفاق تحت الأحياء السكنية، ضمن مشروع يُوصف بأنه ممنهج وغير معلن الأهداف.
ففي 26 آذار الماضي، انهار طريق في شارع الوادي إثر مرور شاحنة ثقيلة، ليكتشف السكان وجود نفق في الموقع، ما أثار موجة غضب شعبية ومناشدات عاجلة لوقف الحفر، قوبلت بصمت وتجاهل من الجهات المسؤولة.
أنفاق بلا هوية وأهداف مقلقة
يؤكد "سلامة الفيصل"، أحد سكان المدينة، أن المشروع غير مرتبط بالخدمات كما يُروّج، بل يحمل طابعًا عسكريًا سريًا، وذلك في حديثه لموقع "العربي الجديد" يوم الاثنين 19 أيار/ مايو.
ويضيف: "نعرف أن الحفر يقوده شخص يُدعى إسماعيل الأحمد، بمساعدة شقيقه، وقد شُقّت مرافق كاملة تحت الأرض، ويُخشى من استخدامها كمستودعات أسلحة أو حتى كسجون سرية".
هذه المخاوف تعززها شهادات محلية عن وجود سجن تحت مبنى الرقابة والتفتيش في مركز المدينة، يُزج فيه مدنيون دون علم أهاليهم، وسط غياب تام لأي رقابة حقوقية.
أحياء مهددة بالانهيار
تتسارع وتيرة الحفر في مناطق حيوية كدوار النعيم، والمشفى الوطني، والفردوس، والجميلي، ما يزيد من احتمالية حدوث انهيارات أرضية، خصوصًا في المناطق ذات التربة غير المستقرة. وقد شهدت المدينة مؤخرًا انهيارًا أرضيًا قرب جامع الجراكسة، ما أعاد إشعال المخاوف بين الأهالي.
ووفق مصادر محلية، أنشأت "قسد" أكثر من 20 نفقًا في مناطق مختلفة من المدينة، بعضها قريب جدًا من سطح الأرض، في تجاهل خطير لمخاطر التربة وهشاشة البنية التحتية.
ورثة "داعش" في استراتيجية الأنفاق
يرى مراقبون أن قسد تعتمد تكتيكًا مشابهًا لتنظيم "داعش"، الذي أنشأ شبكة أنفاق معقدة خلال فترة سيطرته. ويقول فارس ذخيرة: "نشهد اليوم تكرارًا لنفس النهج، لكن تحت اسم مختلف"، مضيفًا أن الحفر يتم في وضح النهار ضمن مناطق مسوّرة، وبمعدات ثقيلة.
الاستهتار بحياة المدنيين
يصف "عمر الحاج"، أحد أبناء المدينة، المشهد بـ"الاستهتار الصارخ بأرواح الناس"، متسائلًا عن مبرر حفر الأنفاق في مدينة تحتاج لخدمات أساسية، وليس لتوسيع الممرات تحت الأرض.
وكانت حملة "الرقة تذبح بصمت" قد وثّقت استمرار الحفر في حي الجميلي، رغم تضرر مبانيه سابقًا خلال الحرب على "داعش"، محذّرة من كارثة وشيكة إن استمرت الأعمال دون رقابة أو محاسبة.
أجرى مدير مديرية استيراد السيارات في وزارة النقل في الحكومة السورية، "عبد اللطيف شرتح"، مباحثات مع المدير العام لشركة سيا للسيارات، "ليث شقير"، الذي يعتبر وكيلاً لسبع شركات استيراد سيارات في سوريا محاور فنية وتنظيمية.
وتضمنت المحاور آليات استيراد السيارات، وضوابط دخولها إلى سوريا، إلى جانب الرسوم الجمركية المطبقة، وسبل تسهيل الإجراءات مع الحفاظ على الأطر القانونية والتنظيمية.
وقدّم "شقير"، مقترحاً يقضي بإطلاق برنامج استبدال السيارات القديمة بأخرى حديثة، مقابل رسوم جمركية تقدّر بـ 25% من قيمة الفاتورة مع أجور الشحن، مع إمكانية تخفيض هذه النسبة بناءً على سنة الصنع.
شدد الطرفان على ضرورة فرض ضوابط فنية وقانونية صارمة لتأمين بيئة تجارية سليمة، شهدت أسعار السيارات المستوردة في سوريا انخفاضاً كبيراً في قيمتها، حيث وصلت إلى ربع السعر السابق إبّان حكم النظام البائد.
في ظل تطبيق إجراءات جديدة بهذا الشأن، منها تخفيض الرسوم الجمركية، بنسب تصل إلى 80%، ومنح فترة تجربة لمدة ثلاثة أشهر قبل تسليم السيارة بشكل نهائي.
ووصل عدد السيارات المستوردة والداخلة إلى سوريا منذ التحرير حتى اليوم إلى 100 ألف سيارة، حسب تقدير مدير مديرية استيراد السيارات في وزارة النقل، المهندس "عبد اللطيف شرتح".
وذكر أن الوزارة سبق وأصدرت قراراً يقضي بإلغاء استيراد السيارات من موديل 2010 وما دون، والسماح باستيراد السيارات من موديل 2011 وما فوق.
وأشار إلى ما أعلنته الحكومة السورية عن السماح باستيراد جميع أنواع السيارات والمركبات لسنوات صنع محددة، استناداً إلى برنامج محدد حول تحديث السيارات في سوريا.
موضحاً أن استيراد السيارات كان شبه متوقف سابقاً نظراً للتعقيدات والتكاليف العالية التي فرضها النظام السابق. وبعد قرار السماح الجديد، أصيبت أسواق السيارات المحلية بحالة من الإغراق المفرط نتيجة العروض الكبيرة من السيارات الحديثة وأسعارها المنخفضة.
وأصبحت الرسوم الجمركية الجديدة الحالية أكثر عدالة مقارنةً بالسابق، عندما كانت تصل رسوم السيارات زمن النظام البائد إلى 400% من قيمة السيارة، وفقاً لشرتح، مبيناً أن الرسم الجمركي للسيارات من موديل 2011 حتى 2015 بلغ حالياً 1500 دولار أمريكي.
ورسم موديل 2016 حتى 2020 ألفي دولار أمريكي، ومن موديل 2021 حتى 2025 هو 2500 دولار أمريكي، أي أصبحت سوريا من أقل الدول لجهة الرسوم الجمركية المخفضة.
وأشار مدير الاستيراد إلى أن قرار خفض الرسوم الجمركية لاقى استحساناً وارتياحاً لدى شريحة كبيرة من الناس، سواء لجهة اقتناء سيارة حديثة عصرية بسعر مقبول، أو لجهة الحاجة الماسة لوسائل النقل الخاصة والعامة.
مؤكداً أن اللجان الفنية في دائرة التمرير المؤقت التابعة للوزارة في مركز نصيب الحدودي تواصل العمل على فحص السيارات المستوردة من النواحي الفنية والميكانيكية.
وذلك بهدف التأكد من مطابقة السيارات للمواصفات والبيانات الجمركية قبل منح اللوحات والرخص المؤقتة، كخطوة تمهيدية لتسجيلها بشكل دائم في مديريات النقل.
وبعد وصول السيارات المستوردة للمعبر الحدودي، وفقاً لشرتح، يتم فحصها ومطابقة أوراقها وثبوتياتها ومنحها لوحات تجربة مؤقتة لثلاثة أشهر قابلة للتجديد لمدة عام، ويتم تسجيلها في مديريات النقل أصولاً.
كاشفاً أن الوزارة أحدثت دوائر نقل تُعنى بلوحات التجربة في المعابر البرية والبحرية، وأن العمل بهذه الدوائر سيبدأ من معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان.
وكانت شهدت سوريا خلال الأشهر الأولى من عام 2025 تدفقاً غير مسبوق للسيارات المستوردة، في مشهد يعكس حراكاً اقتصادياً لافتاً بعد سنوات من الجمود، لكنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات جادة حول القدرة الفعلية للبنية التحتية على استيعاب هذا الزخم، وسط مخاوف من آثار اقتصادية ومعيشية عكسية.
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، توافد مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان هرباً من القصف والجوع والموت، بحثاً عن الأمان وعن لقمة العيش. إلا أن طريق النجاة لم يكن معبّداً بالسلام، بل كان محفوفاً بالاستغلال، التهميش، والعنصرية الممنهجة. كثير منهم عملوا في ظروف قاسية دون أوراق قانونية، وواجهوا حملات تنمر وإذلال على يد أفراد ومؤسسات، بل وحتى من بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية.
الاستغلال والتنمر: واقع يومي
عانى العمال السوريون في لبنان من استغلال واضح، سواء في الأجور المنخفضة أو في ساعات العمل الطويلة دون ضمانات. وبدلاً من التعاطف مع معاناتهم، أصبحوا هدفاً لحملات عنصرية ممنهجة، حيث وُصموا بالعبء والدخلاء. وسائل الإعلام، والمنصات الاجتماعية، وحتى تصريحات بعض الشخصيات اللبنانية المشهورة ساهمت في تعزيز هذا الخطاب. على سبيل المثال، قامت الإعلامية نضال الأحمدية وغيرُها بتصريحات عدائية علنية ضد السوريين، وصلت أحياناً إلى حد التبرير الضمني للعنف والتمييز.
شاهد حي على التعذيب: قصة معتصم كنعان
قصة الشاب السوري معتصم كنعان، شيف شاب لجأ إلى لبنان هرباً من الحرب، تكشف الوجه الأكثر ظلاماً لما يعيشه العمال السوريون هناك. التحق بالعمل في مطعم يُدعى "ميلانيا" في منطقة أنطلياس، لكنه لم يشعر بالارتياح منذ اليوم الأول. بعد ثلاثة أيام فقط، طلب الانسحاب من العمل لما شهده من إهانات وضرب يطال العمال الآخرين. لكن رغبته بالرحيل جُوبهت بعنفٍ غير مسبوق.
بحسب شهادته المصوّرة، تعرض معتصم للتعذيب الوحشي من قبل صاحب المطعم المدعو غسان معلوف وعدد من العاملين معه. رُبط لساعات من منتصف الليل حتى الصباح، وتعرض للضرب بالكرباج، ولحرق جسده بأعقاب السجائر، إضافة إلى السبّ المتعمّد للدين والقرآن، والتهديد بالسلاح، وتجريده من ملابسه. كما سُلب هاتفه وممتلكاته، وأُجبر تحت التعذيب على تسليم كلمة المرور.
في الفيديو، يعرض معتصم آثار التعذيب الواضحة على جسده، موثقة بالصوت والصورة، في شهادة دامغة على حجم الجريمة والانتهاك.
قال له صاحب المطعم: "أنت شب سوري، حقك رصاصة بقتلك ومحدا بيدرا فيك. جاي بلا أوراق". شَبَّه معتصم المطعم بـ سجن صيدنايا، لما شهده من عنف ممنهج واحتجاز قسري. واضطر للبقاء 13 يوماً في لبنان بعد الحادثة دون حماية أو أوراق رسمية، قبل أن يهرب عائداً إلى سوريا، بحثاً عن الأمان الذي لم يجده في بلد الجوار.
الحقد الممنهج... والتواطؤ بالصمت
ليست حادثة معتصم الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة ما لم يكن هناك تحرك حقيقي. البيئة التي تُشر عن الكراهية وتُبرر الاستغلال تعني أن عشرات وربما مئات العمال يعيشون في الخفاء مع قصص مماثلة لا تصل إلى الضوء. يأتي هذا في وقت تصاعدت فيه حملات خطاب الكراهية ضد السوريين في الإعلام اللبناني، حيث يتم تحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية، رغم أنهم في الحقيقة ضحايا نزاع لم يختاروه.
المطالبة بالعدالة والمحاسبة
طالب ناشطون سوريون ومعتصم الذي تعرض للأذى السلطات اللبنانية بفتح تحقيق فوري وشامل في حادثة تعذيب معتصم كنعان، لأن هذه القضية لا يمكن السكوت عنها. وأكدوا على ضرورة محاسبة كل من تورط، بدءاً من صاحب المطعم غسان معلوف، وصولاً إلى المتواطئين بالصمت أو التحريض. وأشاروا إلى أن الدولة السورية تحمل مسؤولية حماية أبنائها وملاحقة المعتدين قضائياً، سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو الدولية.
كشفت مصادر دبلوماسية أن دول الاتحاد الأوروبي وافقت، اليوم الثلاثاء، على رفع كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في تطور سياسي واقتصادي بارز، وفي خطوة تهدف إلى دعم جهود التعافي وإعادة الإعمار التي تقودها الحكومة السورية الجديدة، بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وبحسب وكالة فرانس برس، فقد توصّل سفراء الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبدئي على رفع هذه العقوبات، وسط توقعات أن يتم الإعلان رسميا اليوم بعد انتهاء اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل.
وأكدت كايا كالاس، الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في تصريحات صحفية اليوم، أن الهدف من هذا القرار هو تحسين الظروف المعيشية للسوريين، قائلة: “من الواضح أننا نريد ضمان حصول الشعب السوري على فرص عمل وسبل عيش كريمة حتى يصبح البلد أكثر استقرارًا”.
وفي تصريح منفصل لوكالة رويترز، أعربت كالاس عن أملها في أن يتمكن الوزراء الأوروبيون من التوصل إلى توافق نهائي بشأن رفع العقوبات الاقتصادية، مع الإبقاء على العقوبات التي تستهدف رموز النظام السابق والمشتبه بتورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان.
ويأتي هذا التحول بعد أن كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن، في 24 فبراير الماضي، تعليق بعض العقوبات المرتبطة بقطاعات البنوك والطاقة والنقل، وهي العقوبات التي فُرضت خلال عهد النظام المخلوع.
ويرى مراقبون أن القرار الأوروبي يأتي في سياق دعم المسار الانتقالي في سوريا، ويمهّد لتعاون دولي أوسع في مرحلة إعادة الإعمار، لا سيما بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات الأميركية، وزيادة الانفتاح الخليجي والأوروبي تجاه الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن الصلاحيات المحدودة الممنوحة للهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا تُهدد بتقويض مصداقيتها وتُقصي العديد من الضحايا، داعية الحكومة السورية إلى ضمان مشاركة فعلية وواسعة للناجين والمجتمعات المتضررة في مسار العدالة الانتقالية.
وفي بيان أصدرته المنظمة تعليقاً على المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيل كلٍّ من الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين، اعتبرت أن "هاتين الهيئتين يمكن أن تمثّلا نقطة تحوّل مهمة في كشف حقيقة الفظائع المرتكبة في سوريا وتحقيق المساءلة، لكن نجاحهما سيعتمد على الشفافية والانفتاح ومشاركة الضحايا".
وأبدت المنظمة الحقوقية قلقها من أن مرسوم إنشاء هيئة العدالة الانتقالية جاء بصلاحيات "محدودة بشكل مقلق"، إذ يقتصر على الانتهاكات التي ارتُكبت من قبل النظام المخلوع بقيادة بشار الأسد، دون التطرق إلى الجرائم التي ارتكبتها جهات غير حكومية، كما أنه لا يوضح آليات إشراك الضحايا في تصميم وتنفيذ مهام اللجنة، ما يشكّل – بحسب المنظمة – "نقطة ضعف جوهرية".
ولفتت "رايتس ووتش" إلى أن الإعلان الدستوري السوري الذي صدر في آذار/مارس الماضي وعد بهيئة تتضمن "آليات تشاورية فعالة مرتكزة على الضحايا"، تضمن الحق في معرفة الحقيقة، والمساءلة، والإنصاف، مؤكدة أن أي غياب لتلك المبادئ يعني الإخلال بالالتزامات المعلنة.
وأضافت أن إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين "قوبل بتفاؤل مشوب بالحذر"، مؤكدة أن "مصداقية هذه الهيئة أيضاً ستعتمد على شفافيتها، وتبنيها لإطار قائم على الحقوق، وضمان المشاركة الحقيقية للضحايا وأسرهم في كافة مراحل عملها".
وشددت المنظمة على أن استمرار الإقصاء سيزيد من عمق الانقسامات المجتمعية، وأشارت إلى أن سوريا تقف اليوم عند مفترق طرق، فإما أن تسلك مساراً حقيقياً للعدالة يُنصف الضحايا، أو تكرّس ممارسات الماضي التي أدت إلى الدمار والانقسام.
وأكدت "رايتس ووتش" أن الناجين والناشطات والناشطين، ممن أمضوا سنوات في توثيق الانتهاكات والتفاعل مع آليات العدالة الدولية، يجب أن يكونوا في صلب تصميم وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية، ووصفت مشاركتهم بأنها "ضرورة لا خيار".
ودعت المنظمة الحكومة السورية إلى الاستفادة من النماذج القائمة، لا سيما تجربة التعاون بين آليات الأمم المتحدة ومؤسسات الضحايا مثل "المؤسسة المستقلة للمفقودين في سوريا"، لضمان تصميم عملية شاملة وفاعلة تستند إلى مقاربة تركز على الضحايا.
وفي ختام بيانها، طالبت "رايتس ووتش" الشركاء الدوليين لسوريا بتوضيح أن أي دعم لجهود العدالة الانتقالية سيكون مرهوناً بنهج يضمن الشفافية، والشمول، والمساءلة. وأضافت: "هناك فرصة حقيقية لتحقيق عدالة منصفة، لكنها ستضيع إذا جرى تهميش بعض الضحايا أو تجاهل حقوقهم الأساسية".
وسبق أن أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً جديداً يحدد الأطر القانونية والمبادئ الأساسية التي ينبغي أن تستند إليها عملية تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، تحت عنوان: "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان توصي بإنشاء هيئة العدالة الانتقالية في سوريا عبر قانون صادر عن المجلس التشريعي."
أكد التقرير ضرورة تأسيس هيئة العدالة الانتقالية في سوريا بموجب قانون يصدر عن السلطة التشريعية، محذّراً من المخاطر التي قد تترتب على اللجوء إلى مرسوم تنفيذي كبديل عن المسار التشريعي.
وأوضح أنَّ اعتماد هذا الأسلوب من شأنه أن يهدد استقلال الهيئة ويقوّض فعاليتها، مستشهداً بتجارب دولية في دول مثل أوغندا وبيرو والمغرب، حيث أظهرت تلك التجارب أنَّ الهيئات التي أنشئت بقرارات تنفيذية غالباً ما تفتقر إلى السلطة الفعلية والشرعية المجتمعية، وتعاني من ضعف في قدراتها التحقيقية، ومحدودية في إشراك الضحايا، فضلاً عن تعرضها لتدخلات سياسية تُضعف أداءها وتؤثر على استقلالها.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أصدر في 17 أيار/مايو 2025 مرسومين رئاسيين يقضيان بتشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" و"الهيئة الوطنية للمفقودين"، بهدف التصدي لإرث الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت خلال حكم النظام السابق، والكشف عن مصير أكثر من 100 ألف مفقود.
وتتمتع الهيئتان بالاستقلالين المالي والإداري، وتُكلفان بتوثيق الانتهاكات، ومساءلة المسؤولين عنها، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات الضحايا، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات وطنية تُعنى بملف المفقودين.
وقد لاقت هذه الخطوة إشادة واسعة من أطراف دولية ومنظمات حقوقية، واعتبرتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤشراً واضحاً على التزام الحكومة السورية الجديدة بالمسار الحقوقي، وتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، في إطار أوسع لبناء بيئة مستقرة وآمنة تُمهّد لإعادة بناء الدولة على أسس القانون والحقوق.
تمكنت إدارة الأمن العام في محافظة طرطوس، من اعتقال العميد مازن رستم، نائب رئيس فرع الأمن السياسي في عهد النظام البائد في طرطوس، ويتهم العميد المعتقل بأنه مسؤول عن تعذيب معتقلين سوريين وارتكاب انتهاكات حرب لاسيما في مدينة بانياس بريف طرطوس، والتي شهدت ارتكاب مجازر في حي رأس النبع وقرية البيضا في عام 2013.
وبث ناشطون مشاهد من اللحظات الأولى لاعتقال العميد، وألقت قوات الأمن العام قبل ذلك القبض على يحيى عثمان من قرية عناقية بمدينة الحفة شمالي اللاذقية، وهو قيادي سابق في مليشيا "الدفاع الوطني".
ويتهم بالتورط في قضايا تعذيب وابتزاز، وسبق هذه العملية اعتقال محمد إبراهيم الراعي المتورط في ارتكاب جرائم قتل وتمثيل بالجثث والمشاركة باستهداف نقاط أمنية وعسكرية تابعة لقوات الجيش السوري خلال شهر آذار/ مارس الماضي.
وفي سياق منفصل، أعلنت إدارة الأمن العام في اللاذقية قبل أيام ضبط صناديق قذائف هاون في بيت ياشوط بريف جبلة جنوبي اللاذقية.
ومنذ الأسبوع الفائت كثفت قوات الأمن العام من عملياتها الأمنية في الساحل السوري وأعلنت ضبط ثلاثة مستودعات أسلحة، فضلا عن اعتقال مطلوبين، وقادة في النظام البائد، وذلك بعد تغييرات شملت قيادة الملف الأمني في اللاذقية.
هذا ونفذت القوات الأمنية والعسكرية في سوريا ممثلة بوزارة الدفاع السورية وقوى الأمن الداخلي، حملات أمنية مركزة طالت العديد من الأشخاص الضالعين بقتل الشعب السوري، وارتكاب جرائم كثيرة بحقهم خلال تواجدهم لسنوات طويلة في صفوف ميليشيات الأسد البائد وشبيحته، ونجحت القوات الأمنية بالقبض على عدد من المتورطين.
أثار مقطع مسجّل من محاضرة ألقاها السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، مطلع أيار الجاري، موجة واسعة من التفسيرات الخاطئة والتأويلات المغرضة، بعدما روّجت بعض الحسابات لمزاعم تقول إن فورد اعترف بأن “أميركا درّبت أحمد الشرع ليكون بديلاً عن نظام الأسد”. لكن مراجعة النص الكامل للمحاضرة التي حملت عنوان “انتصر الثوار في سوريا.. والآن ماذا؟”، تكشف صورة مختلفة تماماً.
وعقب انتشار التصريحات وحملة التضليل التي شنتها مئات الحسابات، فقد أكد مصدر في الرئاسة السورية للجزيرة أن لا صحة لما أورده السفير روبرت فورد عن لقاءات مع الرئيس أحمد الشرع في إدلب، واللقاءات التي تحدث عنها جرت ضمن اجتماعات مع مئات الوفود لعرض تجربة إدلب، وكان أحدها تابعًا لمنظمة بريطانية للدراسات وكان فورد من أعضائه، وقد اقتصرت الجلسات على أسئلة عامة ولم تتضمن ما ورد في تصريحاته
فورد تحدث خلال المحاضرة التي نُشرت على قناة مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية، عن لقائه بالرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، في إطار مبادرة أطلقتها مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة بحل النزاعات، وذكر أنه دُعي للمساهمة في عملية نقل الشرع من “عالم الإرهاب إلى السياسة العادية”، على حد تعبيره.
وأوضح أن المبادرة جاءت في سياق وساطات الحوار بين الأطراف السورية، وأنه أجرى مع الشرع ثلاث لقاءات منذ عام 2023، كان آخرها في كانون الثاني 2025 داخل القصر الجمهوري في دمشق بعد تولّي الشرع منصب الرئاسة.
خلال اللقاء في القصر الجمهوري، روى فورد أنه تحدث إلى الشرع لأول مرة قائلاً له بالعربية: “خلال مليون سنة لم أكن لأتخيل أنني سأجلس بجانبك”، فأجابه الشرع بنبرة هادئة: “ولا أنا”، وهو ما أثار ضحك الحضور حين وصف فورد المشهد بقوله: “مهضوم الضرسان”.
لكن فورد لم يقل قط في المحاضرة، أن الإدارة الأميركية أو أي جهة غربية “درّبت” الشرع أو “أعدّته” للرئاسة. بل شرح بوضوح أن دوره اقتصر على جهود الوساطة بين أطراف الصراع، باعتباره خبيراً في حل النزاعات. وأكّد أن المؤسسة البريطانية التي دعت الشرع للحوار، التقت أيضاً ممثلين عن المعارضة والنظام السابق، ضمن نهج شامل لتقريب وجهات النظر.
في تفسيره لأحد اللقاءات، أشار فورد إلى أن الشرع، الذي كان يُعرف سابقاً بأبي محمد الجولاني، لم يعتذر عن عمليات سابقة في العراق وسوريا، لكنه أقرّ بأن “التكتيكات التي كانت تُستخدم في العراق لا تصلح عند حكم 4 ملايين شخص”، في إشارة إلى فترة سيطرته على إدلب. هذا الاعتراف – كما رأى فورد – كان لافتاً، لكنه لم يتضمن أي تبنٍّ لمسؤولية سياسية أميركية عن صعود الشرع إلى الرئاسة.
موجة التحريف بدأت بعد تداول مقطع مجتزأ من حديث فورد، دون ترجمة دقيقة أو عرض السياق الكامل. بعض الحسابات على منصة “إكس” زعمت أن فورد قال صراحة إن “الولايات المتحدة درّبت الشرع ليحل محل الأسد”، لكن فحص الفيديو الكامل ينفي هذه الادعاءات تماماً. وقد أكد ناشطون ومحللون مطلعون على تفاصيل المحاضرة أن ما جرى تداوله ينم إما عن جهل باللغة أو عن تعمّد في التضليل.
حتى الجملة التي أثارت الجدل: “Bring this guy out of the terrorist world and into regular politics” (أخرجوا هذا الرجل من عالم الإرهاب إلى السياسة العادية)، كانت توصيفاً لدور المؤسسة البريطانية ومقاربة الوساطة التي شارك بها فورد كمستشار، وليس إقراراً بخطة أميركية لتسليم الحكم للشرع.
في نهاية محاضرته، دعا فورد إلى رفع العقوبات عن سوريا وسحب القوات الأميركية، مشيراً إلى أن هناك فرصة حقيقية لإعادة رسم العلاقات الأميركية السورية في ظل المتغيرات الأخيرة، لكنه لم يتطرق مطلقاً إلى دور أميركي مباشر في صياغة مستقبل الحكم في دمشق.
يأتي هذا الجدل في وقت تشهد فيه الساحة السورية تحولات جذرية، بعد أشهر قليلة من سقوط نظام الأسد، وبدء الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع مساراً سياسياً واقتصادياً مختلفاً، فتح الباب أمام انفتاح عربي ودولي تدريجي، وتصاعد النقاشات حول طبيعة المرحلة المقبلة في البلاد، ومدى انخراط الغرب في دعمها أو مراقبتها
وفي مثل هذا السياق المضطرب، يبدو من الضروري التمييز بين الوقائع الموثقة والتضليل المتعمد، خصوصاً حين يتعلق الأمر بشخصيات ودول مؤثرة في مصير سوريا والمنطقة.
عُثر فجر اليوم على جثة الضابط السابق في فرع الأمن السياسي التابع لنظام الأسد، حسن علي داوود، الملقب بـ”أبو علي سياسية”، مقتولاً في المنطقة الواقعة بين بلدتي غباغب وموثبين في ريف درعا الشمالي، وفق ما أفاد مراسلو تجمع أحرار حوران وشبكة درعا 24.
وبحسب مصادر محلية، فإن داوود كان قد حاول التسلل ليلة أمس إلى بلدة دير العدس، التي أقام فيها لسنوات، بهدف جمع بعض الأغراض الشخصية من منزله، قبل أن يتم اعتراضه وتصفيته من قبل جهات لم تُحدد هويتها بعد.
الضابط القتيل، المنحدر من مدينة بانياس الساحلية في ريف طرطوس، كان يُعد من أبرز ضباط النظام البائد في محافظة درعا، إذ شغل سابقاً منصب مسؤول عن عدد من الحواجز الأمنية التابعة لفرع الأمن السياسي في ريف المحافظة الشمالي، وتحديداً في بلدة دير العدس والمناطق المحيطة بها.
وكان داوود قد اختفى عن الأنظار بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث لم يُعرف مصيره منذ ذلك الحين، وسط ترجيحات بأنه غادر المنطقة على غرار العشرات من ضباط النظام الذين فرّوا من الجنوب السوري بعد انهيار القبضة الأمنية.
اغتيال “أبو علي سياسية” يعيد إلى الواجهة ملفات الانتهاكات والاعتقالات التي نُسبت إليه خلال سنوات خدمته الأمنية، حيث تشير شهادات محلية إلى أنه كان شخصية معروفة بصلاتها المباشرة مع الأجهزة القمعية التابعة للنظام السابق، ومسؤولاً مباشراً عن مداهمات واعتقالات تعرّض لها عشرات السكان في ريف درعا الشمالي، خاصة خلال سنوات الثورة الأولى.
وفي الوقت الذي لم تُصدر فيه الحكومة السورية أي بيان رسمي حتى الآن بشأن الحادثة، يعتقد نشطاء أن تصفية داوود جاءت في إطار سلسلة من العمليات التي استهدفت شخصيات أمنية بارزة في الجنوب السوري، كانت ضالعة في ملفات قمعية قبل سقوط النظام، ويقف وراء هذه الاغتيالات أشخاص غير راضيين عن توجهات الحكومة في عدم محاسبة مجرمي النظام السابق.
وتأتي هذه الحادثة في ظل استمرار حالة التوتر الأمني في بعض مناطق محافظة درعا، وسط جهود حكومية ومجتمعية متواصلة لتفكيك شبكات السلاح المنفلت ومحاسبة المتورطين في جرائم سابقة، في محاولة لإعادة فرض الاستقرار على المدى الطويل في الجنوب السوري.
لم يكن من المألوف في سوريا أن تُكرَّم المواقف النبيلة أو يُحتفى بالأوفياء. سنوات طويلة من الحكم الأمني والنهب جعلت من الكرامة عملة نادرة، ومن الوفاء تهمة لا وساماً. لذلك، لم يكن غريباً أن يثير خبر مكافأة رمزية وُجهت مؤخراً لمن تصدّى لمحاولة نهب المتحف الوطني ليلة سقوط النظام، تفاعلاً واسعاً بين السوريين، لا بسبب حجم المكافأة، بل لأن فكرة الاعتراف بجميل أحدهم بدت حدثاً غير مسبوق في ذاكرة وطن أنهكه التجاهل والنكران.
أكثر من خمسين عاماً من البخل والاستغلال
منذ أن استولى حافظ الأسد على الحكم بانقلابه، وحتى آخر أيام بشار، عاشت سوريا أشدّ أنواع القهر والتهميش. لم يكن النظام يُعير أي اهتمام لحياة السوريين، لا اقتصادياً ولا إنسانياً، بل كان كل همه جمع المال ونهب مقدرات البلاد. أكثر من نصف قرن لم يحصل فيه المواطن على حقه في الكهرباء، الدواء، التدفئة، أو حتى لقمة العيش، بينما كانت خزائن العائلة الحاكمة تغصّ بالثروات.
ترف القصر الجمهوري وسط بؤس الشعب
في الوقت الذي كان ملايين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، يُحرمون من الكهرباء في عزّ الشتاء، ويقفون في طوابير للحصول على الخبز أو الوقود، كانت أسماء الأسد زوجة الديكتاتور تنفق ببذخ على مظهرها، وتجلب ملابسها من أغلى وأشهر الماركات العالمية، في مشهد يعكس الانفصال التام بين ترف السلطة وبؤس الشعب.
ولم يتوقف هذا الترف عند أسماء فقط، بل امتد إلى أولادها. فابنة بشار، زين الأسد، كانت حديث المواقع الأجنبية ذات مرة، بعد أن نشرت منصة "ريديت Reddit" الأمريكية خبرًا عن شرائها حذاءً رياضياً من ماركة "كريستيان ديور" بقيمة 850 دولاراً أمريكياً (ما يعادل أكثر من مليوني ليرة سورية وفق سعر الصرف المتداول). وذكر الموقع أن زين اشترت الحذاء من موسكو فقط بدافع الغيرة من إحدى صديقاتها، في وقت كان ملايين السوريين لا يملكون ثمن ربطة خبز.
فساد منظم ونهب ممنهج
عرف السوريون بشار الأسد ليس فقط كمجرم حرب، بل أيضاً كلصّ محترف ومجرم اقتصادي. فقد راكم ثرواته من خلال غسل الأموال، وتهريبها، والسمسرة، والاحتكارات، والرشى، ونهب المال العام، والتربح غير المشروع، وفق تقارير دولية موثوقة. كما أظهرت تحقيقات غربية تورّط نظامه في شبكات تهريب المخدرات والوقود، محققاً منها عائدات ضخمة، بينما كان الشعب يئنّ تحت وطأة الجوع والحرمان.
وربما كانت أسماء الأخرس، زوجته والمصرفية السابقة في بنك "جي بي مورغان" الأميركي، إحدى أبرز مهندسي تلك العمليات المالية القذرة. فقد لعبت دوراً محورياً في إدارة شبكات النهب والتهريب، التي من خلالها تم تحويل مليارات الدولارات من أموال السوريين إلى الخارج، بينما كانت البلاد تغرق في أزمات اقتصادية خانقة.
وفي تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، كُشف أن النظام نقل 250 مليون دولار نقدًا إلى روسيا خلال عامي 2018 و2019، على متن طائرات خاصة، في وقت لم يكن لدى البنك المركزي السوري دولار واحد لتأمين استيراد القمح أو البنزين. لاحقاً، استخدمت هذه الأموال في شراء عقارات فاخرة في موسكو، وخاصة في حيّ المال والأعمال المعروف بـ"موسكو سيتي".
لا مكافآت للشعب... بل ذهب في الخزائن
لم يمنح بشار الأسد يومًا مكافأة حقيقية لصاحب إنجاز وطني، ولا كرّم ابن أحد الجنود الذين ماتوا في سبيل بقائه. كل ما كان يعنيه هو تأمين بقائه في الحكم وتضخيم أرصدته، وجمع سبائك الذهب، بينما كانت أسر قتلاه وجنوده بالكاد تؤمن لقمة العيش.
في بلد اعتاد أن يرى أصحاب المواقف النبيلة يُهمّشون أو يُطاردون، جاءت هذه المكافأة الكبيرة بمثابة حدث غير مألوف، لا من حيث حجمها، بل من حيث دلالتها. لم تكن خجولة، بل واضحة وصريحة في تقديرها لما فُعل، وهو ما جعل وقعها مختلفاً، وأثار موجة تفاعل بين السوريين الذين اعتبروا هذا التكريم إشارة – ولو متأخرة – إلى أن زمن الصمت عن الوفاء ربما بدأ يتزحزح.
وفي مقابل سنين من البذخ المحصور داخل القصور، يُمكن لمكافأة عادلة، تُمنح لمن يستحق، أن تعيد فتح نقاش قديم: هل يمكن لسوريا، بعد كل هذا الخراب، أن تبدأ فعلاً في تصحيح مسارها؟ أم أن جشع الذهب المكنوز لا يزال هو العنوان الأكبر؟
شهد محيط سجن بلدة البصة قرب مدينة اللاذقية، فجر الثلاثاء، اشتباكاً عنيفاً إثر هجوم نفذته مجموعات مسلّحة تابعة لفلول النظام المخلوع، استهدف أحد المواقع الأمنية في المنطقة، بحسب ما أفادت مصادر أمنية مطلعة.
وأكدت المصادر أن وحدات من "الفرقة 50" التابعة لوزارة الدفاع تصدّت للهجوم، الذي أسفر عن إصابة أحد عناصرها بأربع طلقات نارية، وُصفت حالته بالمتوسطة، وتم نقله إلى المشفى العسكري لتلقي العلاج.
وعقب الهجوم، باشرت القوى الأمنية بتنفيذ عملية تمشيط موسعة في محيط السجن والمنطقة المجاورة، تمكنت خلالها من تأمين النقاط الحيوية، وإعادة الاستقرار الكامل للموقع.
ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة من العمليات المتكررة التي تنفذها خلايا تابعة للنظام السابق في مناطق الساحل السوري، مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية، وغالباً ما تسفر هذه الهجمات عن اشتباكات مباشرة وسقوط قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.
وفي السياق ذاته، صعّد جهاز الأمن العام مؤخراً من حملاته الأمنية لملاحقة المتورطين في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين خلال سنوات الحرب، حيث نفذت وحدات الأمن سلسلة مداهمات دقيقة في عدد من المناطق الساحلية.
وأسفرت العمليات، وفقاً لمصادر أمنية، عن إلقاء القبض على عدد من الضباط الكبار والمسؤولين السابقين المنتمين للأفرع الأمنية وميليشيا "الدفاع الوطني"، والذين كانوا يختبئون بهويات مزوّرة أو يتمتعون بحماية مجموعات محلية مسلّحة.
وأكدت المصادر أن هذه الحملة تعتمد على معلومات استخباراتية دقيقة، تهدف إلى تفكيك البنية المتبقية للنظام السابق، وتحقيق العدالة بحق المتورطين في الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين، في إطار عملية أمنية مستمرة لاستعادة السيطرة الكاملة وتكريس الاستقرار في مناطق الساحل السوري.