جدّدت دولة قطر تأكيدها على موقفها الثابت من وحدة وسلامة الأراضي السورية، مشددة على ضرورة احترام السيادة السورية ورفض أي تدخلات عسكرية من شأنها المساس بها.
وجاء ذلك في كلمة ألقاها المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري، فيصل بن عبد الله آل حنزاب، خلال اجتماع المديرين السياسيين للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، الذي عُقد يوم الثلاثاء في العاصمة الإسبانية مدريد.
وأكد آل حنزاب التزام بلاده بأهداف التحالف الدولي، وحرصها على دعم كافة الجهود الهادفة إلى تعبئة الموارد الضرورية للقضاء على التنظيم في كل من سوريا والعراق، وفق ما نقلته وكالة الأنباء القطرية "قنا".
ورحب الدبلوماسي القطري بما وصفه بـ"الخطوات الإيجابية" التي تشهدها سوريا في مسار التوافق الوطني وبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون، معتبراً أن رفع العقوبات عن سوريا يمثّل خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار ودفع عجلة التنمية.
وأشار آل حنزاب إلى أن أي تدخل عسكري ينتهك السيادة السورية يُعد خطراً موازياً لتهديد الجماعات الإرهابية، داعياً إلى احترام وحدة الأراضي السورية كشرط أساسي لتحقيق السلام.
وفي سياق متصل، أكدت المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، السفيرة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، استمرار دعم بلادها لسوريا، سواء على المستوى الإنساني أو في جهود التعافي وتقديم الخدمات الأساسية، بما يشمل استمرار إمدادات الغاز الطبيعي اللازمة لتوليد الكهرباء.
وشددت السفيرة القطرية، في كلمتها أمام مجلس الأمن خلال جلسة خُصصت لمناقشة الوضع في سوريا في أيار الماضي، على أن الدوحة تقف إلى جانب الشعب السوري في تطلعاته نحو الأمن والاستقرار والتنمية، بما ينعكس إيجاباً على مستقبل البلاد والمنطقة بأكملها.
يُذكر أن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، زار العاصمة القطرية الدوحة في الثالث من حزيران الجاري على رأس وفد وزاري، حيث بحث مع المسؤولين القطريين سبل تطوير العلاقات الثنائية، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.
كشفت صحيفة "زمان الوصل"، في تحقيق استقصائي امتد لأشهر، عن أرشيف ضخم يحتوي على مئات الصور لمعتقلين سوريين احتجزوا على يد قوات "الدفاع الوطني" في عدة محافظات سورية خلال الفترة ما بين 2013 و2017. ووفقًا للتحقيق، فقد جرى تحويل المعتقلين إلى الأمانة العامة للدفاع الوطني حيث تم تصويرهم وتوثيقهم بأرقام ملفات رسمية.
وقد أسهم نشر أجزاء من هذا الأرشيف في تمكين 22 عائلة من التعرف على صور أبنائها الذين فُقدت أخبارهم تمامًا بعد اعتقالهم. كما نشرت الصحيفة شهادات توثق قصص هؤلاء الضحايا، وبين الصور ظهرت وجوه نساء وأطفال، ما يسلط الضوء على عمق المأساة وشموليتها.
ولم تقتصر الفاجعة على الضحايا الذين لم يخرجوا من المعتقلات؛ إذ تمكّن ستة ناجين من التعرف على صورهم ضمن الأرشيف ذاته. هؤلاء أدلوا بشهادات صادمة عن ظروف اعتقالهم، وكيف تمكنوا من الإفلات من الموت من خلال دفع مبالغ مالية ضخمة، كاشفين بذلك عن شبكات فساد وابتزاز تستغل معاناة المعتقلين.
في الوقت ذاته، كشف التحقيق عن مئات الأسماء التي وردت في برقيات رسمية موقعة من قبل فادي صقر، كانت تُرسل إلى محكمة الميدان العسكرية. تضمنت هذه البرقيات عبارة موحدة لتبرير عدم حضور المعتقل للمحاكمة: "توفي في سجن الدفاع الوطني"، وهي عبارة قد تبدو مختصرة لكنها تخفي خلفها وقائع تعذيب، إهمال طبي، وربما تصفية جسدية ممنهجة.
قضية المختفين قسرياً كانت ولا تزال واحدة من أعمق الجراح التي خلفتها سنوات الحرب في سوريا، وهي من أكثر المآسي التي عاشها السوريون خلال صراعهم الطويل مع نظام بشار الأسد. هذه القضية لم تُطوَ صفحتها رغم مرور أكثر من ستة أشهر على سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، إذ كان كثير من الأهالي يظنون أن مشكلتهم ستنتهي بسقوط الطاغية الذي كان المسؤول الأكبر عن هذا الملف.
لكن مع التحرير وفتح السجون، صُدم السوريون بواقع مرير: عشرات الآلاف من المعتقلين ما زالوا غائبين، ولا توجد سجلات أو أوراق رسمية تكشف مصيرهم. بدلاً من أن تطوى المأساة، فُتحت صفحة جديدة من الألم، إذ وجدت العائلات نفسها أمام فراغ قاتل، لا جثث، لا معلومات، ولا حتى إشارات يمكن أن تُنهي هذا الانتظار الطويل.
اليوم، لا يبحث أهالي المختفين عن تعويض مادي، ولا يطالبون بامتيازات. مطلبهم بسيط وواضح: يريدون أن يعرفوا أين أبناؤهم، أحياء كانوا أم أمواتاً، ويريدون أن يُحاسب كل من تورط في اعتقالهم أو تعذيبهم أو إخفائهم. بالنسبة لهم، المصالحة لا تعني النسيان، ولا يمكن للعدالة أن تكتمل إن لم تترافق مع الحقيقة والمساءلة. فهؤلاء لا يريدون أن يُعاد دفن حقوقهم مرة أخرى تحت شعارات التسامح أو التسويات السياسية التي تُبقي المجرم بلا عقاب.
في قلب المأساة السورية، تقف أمهات الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية في مواجهة تحديات تفوق قدرة التحمل الإنساني. فالحرب التي مزقت البلاد لم تميز بين أحد، لكن وقعها كان أشد على أولئك الذين يعتنون بأبناء يحتاجون لرعاية خاصة، ورعاية مستمرة، في ظروف استثنائية من الخوف، والنزوح، والحرمان.
النزوح: بداية سلسلة من المعاناة
منذ اللحظة الأولى للنزوح، تتحمل الأمهات العبء الأكبر، فهنّ لا يحملن فقط وجع التهجير وخسارة البيت، بل يُضاف إلى ذلك مسؤولية الاعتناء بابن أو ابنة من ذوي الإعاقة الذهنية في بيئة لا توفر الحد الأدنى من الاستقرار. التنقل من مكان إلى آخر تحت القصف، ومحاولة تأمين المأوى والغذاء والأمان، كلها تحديات مضاعفة في ظل وجود طفل أو شاب لا يستطيع التعبير عن احتياجاته أو فهم ما يدور حوله.
الحياة في المخيم: خوف دائم وقلق يومي
في المخيمات، تتجسد المعاناة اليومية. الفقر، ضيق المساحة، وغياب البنية التحتية الملائمة يجعل من كل يوم معركة جديدة. تعيش الأمهات حالة دائمة من التوتر والخوف؛ خوف من تصرفات أبنائهن التي قد تُفهم خطأً من الجيران، أو تسبب حرجاً للأسرة، وخوف أكبر على سلامتهم الجسدية والنفسية. لا يمكن السيطرة بسهولة على سلوكيات من يعاني من إعاقة ذهنية، خاصة في بيئة غير مهيأة، ضمن خيمة أو غرفة صغيرة محاطة بالغرباء.
العودة إلى القرى والمدن: بين الأمل والخطر
وعندما تُفتح أبواب العودة إلى القرى، لا تنتهي المخاوف، بل تتخذ شكلاً جديداً. المنازل المدمرة، الأرضيات المليئة بالمخاطر كالألغام والأفاعي، وغياب الخدمات الأساسية، تشكل تهديداً يومياً لأبناء لا يميزون بين الأمن والخطر. تسير الأم خلف ابنها طوال النهار، خشية أن يعبث في مكان مدمر، أو يتعرض للأذى دون أن يُدرك حجم الخطر. ومع تدهور الوضع الصحي والخدمي في أغلب مناطق العودة، يصبح من الصعب تأمين أي نوع من الرعاية النفسية أو الطبية لهم.
مواقف يومية مؤلمة
يواجه الأطفال أو الشباب من ذوي الإعاقة الذهنية مواقف محرجة بشكل متكرر، عندما يتفاعلون بشكل غير معتاد مع المحيط، أو يُساء فهم تصرفاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى نفور من المجتمع أو تعامل سلبي من الجيران. وتجد الأم نفسها دوماً في موقع الدفاع والتبرير، تارةً لاحتواء الموقف، وتارةً لحماية ابنها من ردود الفعل التي قد تكون قاسية أو غير واعية.
تُجسد أمهات الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية في سوريا مثالاً حياً على الصبر والقوة، في ظل ظروف استثنائية. قصصهن تُختصر في معاناة مزدوجة: معاناة أمومتهم الخاصة، ومعاناة الوطن الجريح. هم بحاجة إلى الدعم، ليس فقط بالمساعدات المادية، بل بالاهتمام الحقيقي، بتوفير مراكز رعاية، وبرامج دعم نفسي، وبناء وعي مجتمعي يخفف من حدة العزلة والتمييز، ويمنح هؤلاء الأمهات وأبنائهن حقهم في حياة كريمة، ولو وسط الدمار.
حذّر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" من أن غياب العدالة الانتقالية في سوريا يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الاجتماعي، مشيراً إلى أن غموض آليات المساءلة بعد سقوط نظام بشار الأسد قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف الطائفي.
وفي دراسة أعدّها الباحثان كيلا كونتز وغرغوري ووتز، أوضح المعهد أن إحدى أخطر نتائج المرحلة الراهنة تكمن في التباس مفاهيم العدالة والمحاسبة، وغياب الوضوح حول من ينبغي أن يخضع للمساءلة أو يُعفى منها. وقد أدى ذلك إلى تنامي شعور بالنقمة، خاصة لدى قطاعات واسعة من السوريين الذين يرون أن مرتكبي الجرائم بحقهم لا يزالون طلقاء، ويعيشون دون محاسبة.
وأشار التقرير إلى أن هذا الإحباط الشعبي غالبًا ما يأخذ منحى طائفيًا، نتيجة استغلال النظام السابق للطائفة العلوية في أدواته الأمنية والعسكرية، وهو ما جعل العنف يُعبَّر عنه أحياناً بلغة طائفية في المناطق المتضررة، رغم أن المطالب الأساسية ترتبط بالعدالة والمحاسبة لا بالهوية الدينية.
كما رصد المعهد ضعف الأداء الحكومي في ملف محاسبة مجرمي النظام، قائلاً إن المقاربة المعتمدة تبدو غير متماسكة، إذ يتم الإعلان عن توقيف بعض المسؤولين الكبار المرتبطين بمجازر معروفة، بينما لا تزال أعداد كبيرة من العناصر الأمنية والمخبرين السابقين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، رغم ورود شكاوى متكررة من السكان بحقهم.
وأشار التقرير إلى أن ما سُمّي بـ"عملية التسوية" التي أطلقتها الحكومة الانتقالية في كانون الأول/ديسمبر 2024، لإعادة تسجيل بعض العاملين في أجهزة النظام الأمنية، أُسيء فهمها على نطاق واسع، خصوصاً في أوساط الطائفة العلوية، حيث فُسرت باعتبارها عفواً غير معلن، رغم نفي السلطات لذلك.
وأكد الباحثان أن بطء إجراءات العدالة، وتردّد السلطات في تقديم رؤية واضحة لمصير الجرائم المرتكبة، يدفع ببعض الأفراد إلى البحث عن حلول ذات طابع انتقامي، ما ينذر بعودة العنف الأهلي. في المقابل، يرى بعض العلويين أن المساءلة الجارية تفتقر للعدالة المتوازنة، وقد تتحول إلى استهداف جماعي، وهو ما يزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي.
كما انتقد التقرير عمل "لجنة العدالة الانتقالية" التي أنشئت مؤخراً، مشيراً إلى أنها تفتقر إلى الشفافية ولم تحقق أي تقدم ملموس خلال الأشهر الستة الماضية. كما عبّر عن قلقه من أن تقتصر مساءلاتها على جرائم النظام السابق، دون التطرق إلى الانتهاكات المرتكبة بعد سقوط الأسد، ما يضعف من مصداقيتها ويغذي الانقسام.
وشدّد معهد واشنطن على أن معالجة هذا المشهد المتأزم تتطلب من الحكومة السورية اتخاذ إجراءات سريعة تبدأ بمحاكمة الجناة، ووضع سياسة واضحة بشأن العفو، والعمل وفق نتائج لجنة التحقيق الخاصة بأحداث 6 آذار/مارس.
أما بالنسبة للدور الأميركي، فقد أوصى التقرير بدعم المنظمات الدولية المتخصصة في العدالة الانتقالية وتقديم التمويل اللازم لها لتأهيل الكوادر السورية وبناء قدرات لجان التحقيق، والاستفادة من الوثائق الأمنية التي تم الاستحواذ عليها بعد سقوط النظام، مع تأمين الخبرات الفنية اللازمة لتحليلها وتحويلها إلى ملفات قضائية صالحة للاستخدام.
وطالب بتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة لبناء نفوذ سياسي يمكّن واشنطن من الضغط باتجاه محاسبة المتورطين في الجرائم الجسيمة، والضغط من أجل إصلاح الأجهزة القضائية والأمنية**، وتقديم الدعم الفني والتدريب عبر وزارة الخارجية الأميركية وشركائها الإقليميين.
وختم المعهد تقريره بالتأكيد على أن مصداقية المرحلة الانتقالية في سوريا تقف على مفترق طرق، وأن تجاهل ملف العدالة يهدد بإعادة إنتاج العنف بشكل أكثر عمقاً، ما لم يُبادر السوريون وشركاؤهم الدوليون إلى تحصين المسار الانتقالي برؤية قضائية ومؤسسية شاملة.
شدّد مصرف سوريا المركزي على أن إدارة السياسة النقدية، وتنظيم التحويلات المالية الدولية عبر نظام (SWIFT)، إضافة إلى عمليات إصدار العملة الوطنية، تندرج جميعها ضمن اختصاصه الحصري، وتتم وفق معايير مهنية دقيقة تراعي المصلحة العامة وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.
وأوضح المصرف، في بيان نُشر عبر قناته الرسمية على تطبيق "تلغرام"، أنه يلتزم بالتواصل المستمر والشفاف مع المواطنين، ويضع في صلب أولوياته تعزيز الوعي العام حيال السياسات والإجراءات النقدية المتبعة، وذلك عبر تقديم المعلومات من مصادر رسمية موثوقة ومعتمدة.
ودعا البيان إلى ضرورة تحرّي الدقة عند تداول أي معلومات تتصل بملفات النقد والتحويلات، محذّراً من الانجرار وراء الشائعات أو التحليلات غير المستندة إلى وقائع حقيقية. كما حثّ المتابعين على الرجوع إلى الموقع الإلكتروني الرسمي للمصرف ومنصاته الإعلامية المعتمدة للحصول على البيانات والتوضيحات الدقيقة والمحدثة.
وكانت نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريراً موسعاً حول التحولات الاقتصادية الجارية في سوريا، مؤكدة أن البلاد تستعيد تدريجياً موقعها ضمن النظام المالي الدولي بعد أكثر من عقد من العقوبات والعزلة، وذلك في ضوء خطة إصلاح شاملة أطلقتها الحكومة الانتقالية.
وفي مقابلة أجرتها الصحيفة في دمشق مع محافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، استعرض الأخير "خارطة طريق" لإعادة هيكلة السياسة النقدية والنظام المالي، بهدف إعادة بناء الاقتصاد المدمر، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإزالة القيود التجارية، وتطبيع العملة، وإصلاح القطاع المصرفي.
وقال حصرية: "نعمل حالياً على إعادة ربط سوريا بنظام سويفت للمدفوعات الدولية، وهو ما سيساهم في تنشيط التجارة الخارجية، وتخفيض تكاليف الاستيراد، وتسهيل الصادرات، وجلب العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد، إلى جانب دعم جهود مكافحة غسل الأموال وتقليص الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية."
وأوضح المحافظ أن البنوك السورية والمصرف المركزي حصلوا فعلياً على رموز "سويفت"، مشيراً إلى أن الخطوة المتبقية تتمثل في استئناف البنوك المراسلة معالجة التحويلات، ما يعني قرب عودة سوريا إلى قلب النظام المالي العالمي.
وأضاف أن الحكومة الجديدة تهدف إلى تعزيز مكانة سوريا كمركز مالي إقليمي في ضوء توقعات بزيادة الاستثمارات في قطاعات إعادة الإعمار والبنية التحتية، قائلاً: "هذا تطور بالغ الأهمية ويجب أن يُستثمر بالشكل الصحيح."
وحول السياسات الاقتصادية العامة، أشار حصرية إلى أن بلاده لا تزال بحاجة إلى تغيير شامل في النهج الاقتصادي، موضحاً: "حتى الآن، ما حدث هو منح بعض التراخيص وإزالة انتقائية لبعض العقوبات، لكن المطلوب هو تنفيذ شامل ومدروس."
وكشف حصرية أن المصرف المركزي يعمل بالتعاون مع وزارة المالية على خطة استقرار تمتد بين 6 إلى 12 شهراً، تشمل إصلاح قوانين البنوك والمصرف المركزي، وإعادة هيكلة نظام الضمان الاجتماعي، وتوسيع تمويل الإسكان، بهدف تشجيع أبناء الجاليات السورية في الخارج على الاستثمار في الداخل.
وفي خطوة لطمأنة القطاع المصرفي والمستثمرين، أوضح المحافظ أن الخطة تشمل إنشاء مؤسسة حكومية لضمان ودائع البنوك الخاصة، وإطلاق مبادرات لدعم الثقة بين البنوك والمواطنين، واستعادة القدرة على الإقراض، قائلاً: "نريد إنهاء إرث التدخلات الحكومية التي ميّزت عهد النظام السابق."
وتابع: "كان البنك المركزي يدير النظام المالي بشكل مفرط ويقيد عمليات الإقراض وسحب الودائع، أما الآن فإننا نعمل على إعادة رسملة البنوك وتخفيف القيود، ليعود القطاع المصرفي إلى دوره الطبيعي كوسيط بين الأسر والشركات."
وأكد المحافظ أن الحكومة الانتقالية اتخذت قراراً استراتيجياً بعدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، مشدداً على أن "توحيد سعر الصرف" هو أحد أهداف المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن البلاد بصدد الانتقال إلى "نظام تعويم مُدار" للعملة، يوازن بين الاستقرار والانفتاح.
وبحسب التقرير، يرى مراقبون أن مساعي سوريا لإعادة الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي تعكس تحولات سياسية غير مسبوقة، خاصة في ظل تسلم حكومة انتقالية إدارة البلاد بعد سقوط النظام السابق. فخلال أسابيع قليلة من انتقال السلطة، طرح القادة الجدد إصلاحات سريعة، واتسمت إدارتهم بالانفتاح والشفافية، ما ساعدهم في كسب ثقة مستثمرين دوليين كانوا مترددين في البداية.
وخلص التقرير إلى أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع استطاع البناء على هذا الزخم، ونال دعماً واسعاً من قوى دولية حريصة على استقرار البلاد، رغم ما شاب مرحلة الانتقال من أحداث عنف متفرقة، مشيراً إلى أن عودة سوريا إلى نظام "سويفت" تمثل واحدة من أبرز علامات هذا التحول التاريخي.
أعلنت منظمة "ملفات قيصر من أجل العدالة" في بيان لها، موقفها الرافض للتطورات التي تتعارض مع مبادئ العدالة الانتقالية، في ضوء ما تم تداوله مؤخراً بشأن إطلاق سراح أشخاص متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية من قبل السلطة الانتقالية في دمشق، وعلى خلفية المؤتمر الصحفي الذي عقده كل من السيد حسن صوفان، عضو لجنة السلم الأهلي، وممثل عن وزارة الداخلية بتاريخ 10 حزيران 2025.
وقالت المنظمة إن الطرح الذي تم تقديمه خلال المؤتمر حول أولوية "الاستقرار على العدالة" يتعارض مع المبادئ الأساسية لبناء المجتمعات السليمة. فالعدالة ليست ثمرة تأتي بعد الاستقرار، بل هي شرطه الأول والأساسي، وإن اعتبار العدالة ترفاً مؤجلاً هو مغالطة خطيرة تقوّض الأسس التي من المفترض أن تقوم عليها سوريا الجديدة، وتفتح الباب لإعادة إنتاج الانتهاكات تحت مسميات جديدة.
وعبرت المنظمة عن رفضها القاطع لأي محاولة لتبرئة أو تبييض سجل من تورطوا في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، سواء عبر منحهم أدواراً عامة أو تقديمهم كرموز للسلم الأهلي. إن من تورطوا في سفك دماء السوريين لا يمكن أن يُقدَّموا اليوم كوجوه للمصالحة، ولا يجوز تجاوز ذاكرة الضحايا أو طمس حقيقة الجرائم المرتكبة بحقهم تحت ذرائع سياسية أو اجتماعية.
ورأت "ملفات قيصر" أن ما جرى خلال المؤتمر الأخير لم يسهم في تهدئة الرأي العام أو استعادة الثقة الشعبية، بل عمّق مشاعر القلق والغضب لدى الضحايا وذويهم، وعكس فشلاً في قراءة المزاج المجتمعي الذي ما زال يطالب بالعدالة والمحاسبة، لا بالتسويات الرمزية أو الرسائل الإعلامية.
وعبرت المنظمة عن قلقها البالغ حيال المسار الذي تتبعه السلطة الانتقالية في دمشق، حيث يُلاحظ انزياح مقلق عن المبادئ المعلنة للعدالة الانتقالية، وميلاً متزايداً لتجاهل المطالب الحقوقية الجوهرية، وفي مقدمتها محاسبة الجناة، والكشف عن مصير المفقودين، وإنصاف من تعرضوا للتعذيب والانتهاكات الجسيمة.
وشددت "ملفات قيصر" على أهمية دور منظمات المجتمع المدني في مراقبة المسار الانتقالي وتصويبه، وخاصة في ما يتعلق بملفات الضحايا والمختفين قسراً وضحايا التعذيب. وتُعدّ استجابة السلطة لهذه الملفات مقياساً لمدى التزامها الحقيقي بالعدالة، بعيداً عن الشعارات.
دعت المنظمة إلى وضع إطار قانوني وتشريعي شامل يُمكّن من محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، ويمنع الإفلات من العقاب، على أن يكون هذا الإطار جزءاً من خطة وطنية واضحة ومعلنة، ترتكز على حقوق الضحايا وتضع العدالة في مقدمة الأولويات، لا في ذيلها.
وفي ختام بيانها، جددت منظمة "ملفات قيصر من أجل العدالة" تأكيدها الثابت: لا يمكن تحقيق سلم مستدام دون إنصاف حقيقي للضحايا، ولا يمكن بناء سوريا جديدة على أنقاض العدالة. إن أي محاولة لتجاوز المحاسبة أو طيّ صفحة الجرائم قبل فتحها ومواجهتها، هو إنكار لحق الشعب السوري في العدالة، وسلوك لا يخدم سوى الجناة. العدالة ليست خياراً سياسياً، بل استحقاق تاريخي لا يمكن التنازل عنه.
نفذت مجموعات خارجة عن القانون هجمات طالت حواجز ومنازل سكنية في منطقة تلكلخ بريف حمص الغربي، مساء يوم الثلاثاء 10 حزيران/ يونيو، ما أدى إلى مقتل شخصين بينهم عنصر من الأمن الداخلي وجرح آخرين.
وقال قائد الأمن الداخلي في محافظة حمص العميد "مرهف النعسان" في تصريح رسمي إن مديرية الأمن الداخلي تلقت بلاغ يفيد بتعرض أربعة مدنيين لاستهداف مباشر من قبل مجهولين، ما أسفر عن استشهاد اثنين منهم، وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة.
وأضاف فور تلقي البلاغ، باشرت الجهات المختصة التحقيق في الحادثة، بهدف كشف ملابساتها ومعرفة الدوافع الحقيقية وراء هذا العمل الإجرامي، وفي الوقت الذي نبذل فيه جهوداً حثيثة لملاحقة الفاعلين وتقديمهم للعدالة.
وذكر أن مديرية الأمن الداخلي رصدت محاولات عبر منصات التواصل الاجتماعي لتأجيج الشارع وتحريض الرأي العام بدوافع الثأر والانتقام وقد تم التواصل مع الوجهاء في المنطقة لضبط الوضع واحتواء التوتر الحاصل.
وأكدت أنها لن نتوانى عن ملاحقة المجرمين الذين يحاولون العبث بأمن المجتمع، وتقديمهم للقضاء العادل. كما نهيب بالجميع عدم الانجرار خلف الشائعات التي تهدف إلى ضرب وحدة المجتمع السوري، وجر البلاد نحو الفوضى.
وبثت صفحات إخبارية مشاهد قالت إنها من مدينة تلكلخ في ريف حمص الغربي، توثيق اشتباكات بين قوات الأمن وعناصر مسلحة، في ظل إرسال تعزيزات عسكرية من قبل الأمن لمحاولة احتواء التصعيد، الذي أدى إلى حرق عدة سيارات والمنازل وأضرار مادية أخرى.
وكانت أعلنت مديرية الأمن الداخلي في منطقة تلكلخ بريف محافظة حمص الغربي يوم الثلاثاء 10 حزيران، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة، من إلقاء القبض على أفراد مجموعة خارجين عن القانون خلال عملية أمنية نوعية نفذت في قرية أم الدوالي بريف حمص.
ونتج عن العملية عن ضبط مستودع يحتوي أسلحةً وذخائر، وهو جزء من الجهود المستمرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية لتعزيز الأمن والاستقرار في محافظة حمص.
وتمكنت قوات الأمن من مصادرة الأسلحة والذخائر وأحالت الموقوفين إلى القضاء المختص لاستكمال الإجراءات القانونية، ما يعكس التزام الدولة الكامل بالحفاظ على أمن المواطنين ومكافحة أي تهديدات أمنية.
وأكدت وزارة الداخلية السورية في بيان رسمي أن هذه العملية تأتي في إطار الجهود المستمرة لمكافحة الجرائم، وتعزيز الاستقرار الأمني في جميع المناطق.
وكانت عثرت قوى الأمن الداخلي في مدينة حمص، في 8 من حزيران، على دراجة نارية مفخخة في أحد أزقة المدينة، وعملت على الفور على تفكيكها بعد استدعاء الفرق الهندسية، دون وقوع أضرار مادية أو خسائر بشرية.
وأطلقت قيادة الأمن الداخلي في محافظة حمص حملةً أمنية في منطقة المخرم شمال شرق المحافظة، نهاية شهر أيار الماضي أسفرت عن ضبط كمية كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر.
وأحبطت مديرية الأمن الداخلي في مدينة القصير بريف حمص محاولة تهريب شحنة أسلحة نوعية كانت معدّة للعبور إلى الأراضي اللبنانية، وذلك بعد عملية رصد ومتابعة دقيقة نفذتها قوى الأمن.
وأوضحت وزارة الداخلية السورية في بيان، أن الشحنة المضبوطة تضمنت صواريخ موجهة مضادة للدروع من طراز "كورنيت"، وذخائر من عيار 30 مم، كانت مخبأة بإحكام داخل مركبة محملة بالخضروات بهدف التمويه.
وأضاف البيان أن العملية الأمنية نُفذت باختيار دقيق للزمان والمكان المناسبين، وأسفرت عن ضبط المركبة ومصادرة الأسلحة والذخائر، كما تم إلقاء القبض على السائق المتورط، وإحالته إلى القضاء المختص لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه.
وأكدت الوزارة أن هذه العملية تأتي في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها مديريات الأمن الداخلي في التصدي لمحاولات تهريب الأسلحة، وضبط الأنشطة غير القانونية التي تهدد الأمن والاستقرار.
ويأتي تزايد حالات ضبط المهربات في وقت تبذل فيه الإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، جهودًا حثيثة لبسط سيطرة الدولة على الحدود مع دول الجوار، لا سيما لبنان، حيث يشمل ذلك ملاحقة مهربي الأسلحة والمخدرات، وفلول النظام السابق الذين يُنظر إليهم كمصدر تهديد أمني دائم.
أصدر قائد الأمن الداخلي في محافظة دير الزور، العقيد "ضرار الشملان" بياناً يوم الثلاثاء 10 حزيران/ يونيو، حول حادثة إصابة أحد المواطنين على حاجز للأمن الداخلي في المحافظة.
وأوضح البيان أنه تمت متابعة حادثة إصابة أحد المواطنين، أثناء تنفيذ دورية أمنية حملة لضبط المخالفات المرورية في المدينة، مشيرا أن المصاب في حالة صحية مستقرة، وإصابته طفيفة، وقد قدمت الرعاية الطبية اللازمة له.
وأضاف أن العنصر الذي أطلق النار وتسبب بإصابة المدني مساء يوم الاثنين 9 حزيران، جرى توقيفه فوراً، وتحويله إلى التحقيق تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وفقاً للأصول المتبعة.
وشدد على أن قيادة الأمن الداخلي ملتزمة بضبط الأداء الأمني، ورفض أي تجاوز فردي، والتعامل بشفافية ومسؤولية مع كل واقعة، داعياً الأهالي إلى التعاون بما يخدم أمن المحافظة واستقرارها.
هذا وتسعى قوات الأمن الداخلي في محافظة دير الزور إلى ضبط المخالفات المرورية والحد من التجاوزات ولا سيما في المناطق المكتظة بالسكان والنشطة مرورياً، بما يسهم في تعزيز الأمان وإعادة تنظيم الحياة في الأحياء السكنية.
وكانت قررت إدارة الأمن الداخلي في محافظة ديرالزور شرقي سوريا، فصل عدد من العناصر الأمنية من الخدمة، بعد ثبوت تورطهم في مخالفات عديدة.
ونوهت إلى أن المخالفات المرتكبة تتضمن تجاوزات قانونية وأخلاقية تتنوع بين الرشوة، التهريب، إساءة استخدام السلطة، وحيازة مواد ممنوعة.
وتبذل قوى الأمن الداخلي في سوريا جهودا كبيرة في بسط الأمن والأمان وملاحقة المطلوبين من فلول النظام البائد في عموم المحافظات السورية وتقوم بمحاسبة أي عنصر أمني يرتكب تجاوزات بحق المدنيين.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة الأمن الداخلي ووزارة الدفاع السورية تمكنت من ضبط أشخاص ينتحلون صفات أمنية وعسكرية ويقومون بارتكاب تجاوزات حيث عملت السلطات الأمنية على ملاحقة هؤلاء وإحالتهم إلى القضاء المختص لينالوا جزاءهم العادل.
كشفت اللجنة الوزارية التربوية في سوريا يوم الثلاثاء 10 حزيران/ يونيو، عن آلية تسجيل الطلاب في مناطق شمالي شرقي سوريا، ضمن المراكز الامتحانية.
وذكرت اللجنة أن هناك ثلاثة خيارات أمام الطلاب، أولها التسجيل لأي طالب يرغب في تقديم الامتحانات من خلال إرفاق الوثائق الرسمية ذاتها المطلوبة في باقي المناطق.
وأما الخيار الثاني، يخص الطلاب المسجلين في محافظة أخرى ويرغب في العودة إلى المناطق المحددة، حيث يمكنه التسجيل ببطاقة التسجيل أو وصل الدفع، بينما الحالة الثالثة تتمثل بالسماح للطالب بالتسجيل حتى دون بطاقة أو وصل.
ولفتت إلى وجود تطبيق إلكتروني خاص بالتسجيل، حيث سيتمكن الطالب من إدخال بياناته عبره وجاء إعلان اللجنة الوزارية التي شكلتها وزارة التربية والتعليم، خلال جولة في محافظة الحسكة لتجهيز المراكز الامتحانية التي اعتمدت مؤخرا.
وتشمل المراكز مناطق دير الزور، والرقة، وصرين، والحسكة، والقامشلي، وكان وزير التربية والتعليم محمد عبد الرحمن تركو أعلن الأحد الفائت، عن تأجيل امتحانات شهادتَي التعليم الأساسي والثانوي لمدة أسبوع.
ويذكر أن معاون وزير التربية والتعليم "يوسف عنان"، صرح أن قرار تأجيل امتحانات طلاب الشهادتَين الإعدادية والثانوية، جاء حرصاً على استيعاب الطلاب في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، إلى جانب تخفيف صعوبات السفر وغيرها عن الطلبة والأهالي في تلك المناطق.
قالت "رابطة الصحفيين السوريين" في بيان لها، إنها تتابع باهتمام بالغ التطورات المرتبطة بمسار العدالة الانتقالية في سوريا، خاصة في ظل ما أثير مؤخراً خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة الحفاظ على السلم الأهلي في الساحل السوري. وبينما تعبّر الرابطة عن تقديرها لأي جهد يسعى إلى إرساء العدالة وتعزيز السلام، فإنها تبدي قلقاً بالغاً حيال محاولات الالتفاف على هذا المسار من خلال هيئات تفتقر إلى الشرعية القانونية الواضحة.
شددت الرابطة على أن استمرار عمل لجان ذات طابع محلي، مثل لجنة السلم الأهلي، خارج إطار قانوني أو مرجعية دستورية معترف بها، يشكل تهديداً جدياً لمسار العدالة الانتقالية. فالمرسوم الصادر بتاريخ 9 آذار 2025، والذي نظّم مهام اللجنة، لم يمنحها صلاحيات إطلاق سراح متهمين أو التدخل في قضايا العفو والمحاسبة، بل حصر دورها ضمن نطاق إداري مؤقت وظرفي.
حذرت الرابطة من محاولات توسيع دور اللجنة خارج إطارها المحلي، معتبرة أن ذلك يشكل تعدياً على الاختصاصات الحصرية لهيئة العدالة الانتقالية الوطنية، التي تمثل الجهة المخوّلة حصراً بقيادة هذا المسار. وتشمل مهام الهيئة التحقيق في الانتهاكات، وتوثيق الجرائم، وملاحقة المتورطين، بالإضافة إلى جبر الضرر والإصلاح المؤسسي، ضمن مقاربة شاملة تضمن عدم التكرار وبناء مصالحة مستدامة.
وأكدت الرابطة على الحاجة المُلحة لتشريع ينظم العلاقة بين الجهات المعنية بهذا الملف، وتحديداً لجنة السلم الأهلي، وهيئة العدالة الانتقالية، وهيئة المفقودين، وذلك للحد من التداخل المؤسسي وتشتت الصلاحيات الذي قد يعرقل جهود المساءلة والإنصاف. وتدعو إلى اعتماد إطار حوكمة موحّد يوضّح المهام والصلاحيات ويوزع الموارد بشكل منظم وشفاف، انطلاقاً من مشاورات وطنية تنتهي إلى صياغة قانون شامل للعدالة الانتقالية، وتشكيل هيئة وطنية مستقلة تتولى الإشراف على تنفيذه.
ولفتت الرابطة إلى أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تتحقق من دون محاسبة فعلية لمن ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعلى رأسهم أولئك الذين استهدفوا الصحفيين والناشطين بشكل ممنهج. فالصحافة كانت هدفاً مباشراً للاغتيال والاعتقال والإخفاء بهدف طمس الحقيقة، ولا يمكن الحديث عن عدالة من دون إنصاف ضحايا هذه المهنة الذين ضحّوا بحياتهم من أجل نقل الحقيقة.
وقالت إنها ترى أن أي قرار بالعفو عن مرتكبي الجرائم يجب أن يكون نابعاً من إرادة الضحايا وذويهم، إذ لا يحق لأي جهة تجاوز هذا الحق أو فرض تسويات فوقية تمس بجوهر العدالة.
أكدت أن الإعلام الحر والمساحات المفتوحة للنقد وكشف الانتهاكات تمثل ركائز لا غنى عنها لبناء عدالة انتقالية حقيقية، ولا يمكن تحقيق المصالحة المجتمعية ما لم يتم تمكين الصحفيين وحمايتهم، وضمان حرية الرأي والتعبير ضمن بيئة قانونية مستقرة.
وشددت الرابطة على أهمية تمكين النقابات المهنية، وفي مقدمتها نقابات الصحفيين، كجزء من مؤسسات المجتمع المدني القادرة على مراقبة المساءلة وضمان الشفافية ومنع الإفلات من العقاب، مشيرة إلى أن استقلال هذه النقابات هو جزء لا يتجزأ من بناء دولة القانون.
وختمت رابطة الصحفيين السوريين بيانها بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يجب أن يُبنى على أسس قانونية واضحة ومؤسسات مستقلة وبيئة حرة تُكرّم الضحايا وتُحاسب الجناة، داعية الحكومة الانتقالية وجميع الهيئات الرسمية والمنظمات الوطنية والدولية إلى احترام مبادئ العدالة الانتقالية المعترف بها دولياً، وتجنب تقديم أي غطاء سياسي أو اجتماعي لمن تورطوا في الجرائم، أو السعي إلى طيّ صفحات لم تُفتح بعد باسم “السلم الأهلي”.
أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً عن السجل الأسود لوزير الداخلية في عهد نظام المخلوع بشار الأسد، أشارت فيه إلى أنَّ محمد الشعار يمتلك سجلاً أسوداً من الجرائم ضد الإنسانية ومسؤولية قانونية لا تسقط بالتقادم، وأضاف التقرير أنَّ وزارة الداخلية في عهد الشعار مسؤولة عن قرابة ربع مليون انتهاك توجب المحاسبة الحتمية.
قال التقرير إنَّ اللواء محمد الشعار من رموز الصف الأول في نظام الأسد المخلوع ومسؤول عن جرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، مضيفا أنَّ قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان توثق أنَّ الشعار، بصفته وزيراً للداخلية، كان مشرفاً مباشراً على سياسات القمع الممنهج، والتي تضمنت القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وقتل المعتقلين أثناء حالات الاستعصاء في السجون المدنية، إضافة إلى التواطؤ في الإعدامات غير القانونية. كما شاركت وزارة الداخلية، خلال قيادته لها، في العديد من عمليات التهجير القسري التي استهدفت مناطق حاصرتها قوات نظام الأسد لسنوات.
كما أدَّت وزارة الداخلية، تحت قيادته، دوراً أساسياً في تنفيذ قرارات المحاكم الاستثنائية مثل محكمة الميدان العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب، مما أسفر عن مصادرة ممتلكات المعارضين، وإصدار قرارات منع السفر، والتلاعب بسجلات المختفين قسرياً في دوائر السجل المدني.
إلى جانب ذلك، تورطت الوزارة في قمع حالات التمرد داخل السجون المدنية باستخدام الرصاص الحي، وحرمان المعتقلين المحتجزين فيها من أبسط حقوقهم الأساسية، فضلاً عن عرقلة حصول آلاف المشردين قسراً على الوثائق الرسمية وابتزازهم مالياً.
وفقاً لقاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغ إجمالي الانتهاكات الموثقة المرتبطة بالأجهزة التابعة لوزارة الداخلية 256,364 انتهاكاً، سُجِّلت تفاصيلها بدقة وفقاً لنوعها وطبيعتها، خلال فترة تولي اللواء محمد الشعار مسؤولية الوزارة. وهذه الإحصائيات لا تشمل عشرات الآلاف من ضحايا التهجير القسري، الذين لعبت الوزارة أدواراً مختلفة في تهجيرهم، ولا الآلاف الذين حُرموا من حقوقهم الأساسية في الحصول على وثائقهم الرسمية، فضلاً عن آلاف المعتقلين الذين واجهوا ظروفاً قاسية في السجون المدنية الخاضعة لإدارة وزارة الداخلية.
وسرد التقرير السيرة الأمنية والعسكرية والسياسية للواء محمد الشعار الذي تقلد العديد من المناصب البارزة بينها المسؤول الأمني في مدينة طرابلس اللبنانية، ورئيس فرع الأمن العسكري في طرطوس، ورئيس التحقيق ثم رئيس فرع الأمن العسكري في حماة، ورئيس فرع الأمن العسكري في حلب، ورئيس فرع المنطقة 227 التابع لشعبة المخابرات العسكرية عام 2006، ورئيس إدارة الشرطة العسكرية في سوريا.
وذكر التقرير أنَّ وزير الداخلية يتحمل مسؤولية قانونية مباشرة وغير مباشرة عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الأجهزة التابعة للوزارة خلال فترة توليه منصبه، وذلك وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. حيث تنشأ المسؤولية المباشرة عندما يكون وزير الداخلية قد أصدر أوامر صريحة، أو وافق على وقوع انتهاكات، أو علم بحدوثها ولم يتخذ أي إجراءات لوقفها أو محاسبة المسؤولين عنها.
وبالنظر إلى حجم الانتهاكات المسجلة، والمسؤولية غير المباشرة وفقاً للقوانين الدولية، حيث يتحمل القادة المدنيون والعسكريون مسؤولية الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا لم يتخذوا التدابير اللازمة لمنع وقوعها أو لم يحاسبوا مرتكبيها.
استناداً إلى الأدلة والوقائع الموثقة في قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ وزير الداخلية يتحمل مسؤولية قانونية مباشرة عن الانتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة التابعة لوزارته. ويؤكد حجم هذه الانتهاكات واستمراريتها على مدى ثماني سنوات، دون اتخاذ أي إجراءات لوقفها، إنَّ الوزير إما كان متورطاً بشكل مباشر أو مقصّراً في أداء واجباته.
وبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قد يُتهم وزير الداخلية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ما يجعله عرضة للمساءلة القانونية أمام المحاكم الوطنية والدولية.
تؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أنَّ موقفها من المحاسبة القانونية يتجسد في أنَّه: لا يمكن بأي حال من الأحوال مسامحة أو العفو عن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة من قيادات الصف الأول في نظام الأسد، مهما حاولوا تبرير أفعالهم أو التنصل من مسؤولياتهم. فهذه الجرائم، التي تشمل القتل خارج نطاق القانون، التعذيب، الإخفاء القسري، والتهجير القسري، ليست تجاوزات فردية، بل كانت جزءاً من سياسة ممنهجة استهدفت سحق المعارضة وإرهاب المجتمع بأسره. إنَّ الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لأي تسوية سياسية أو اعتبارات مصلحية أن تمنح الحصانة لمن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء. العدالة الحقيقية تقتضي محاسبتهم وفقاً للقانون، وإنصاف الضحايا وأسرهم، لضمان عدم تكرار هذه الفظائع في المستقبل”.
وفقاً لقاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكبت وزارة الداخلية، خلال فترة تولي اللواء محمد الشعار مسؤوليتها، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت تسعة أنماط ممنهجة مورست على نطاق واسع منها:
وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 10,452 مدنياً، بينهم 803 أطفال و737 سيدة، على يد قوات الشرطة والأمن السياسي التابعَين لوزارة الداخلية، خلال عمليات قمع التظاهرات في مختلف المحافظات السورية واستهدافها بالرصاص، منذ 14 نيسان/أبريل 2011، وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً تحت التعذيب داخل أفرع الأمن الجنائي، وذلك في الفترة بين 14 نيسان/أبريل 2011، وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2018. كما وثَّقت اختفاء ما لا يقل عن 326 شخصاً، بينهم 12 طفلاً و9 سيدات، لا يزالون قيد الاختفاء القسري داخل هذه الأفرع خلال الفترة ذاتها.
وثَّقت الشَّبكة مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً، بينهم 3 أطفال، تحت التعذيب داخل أفرع الأمن السياسي، وذلك خلال الفترة بين 14 نيسان/أبريل 2011، وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2018. كما وثَّقت اختفاء ما لا يقل عن 1,459 شخصاً، بينهم 23 طفلاً و14 سيدة، لا يزالون في عداد المختفين قسراً داخل أفرع الأمن السياسي التابعة لنظام بشار الأسد خلال الفترة ذاتها.
وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 1,608 حالات اعتقال، بينهم 18 طفلاً و198 سيدة، بالإضافة إلى 73 شخصاً سبق أن أجروا تسوية لوضعهم الأمني، وذلك أثناء تواجدهم في دوائر الهجرة والجوازات في عدة محافظات سورية لإجراء معاملاتهم.
وثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 110 معتقلين في السجون المدنية، منهم 17 نتيجة إطلاق رصاص الشرطة، و93 آخرين نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي، وسوء التغذية.
كما وثقت الشَّبكة مقتل ما لا يقل عن 93 معتقلاً داخل السجون المركزية في مختلف المحافظات السورية بين 14 نيسان/أبريل 2011، وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2018، نتيجة التعذيب الممنهج والإهمال الطبي المتعمد، بما في ذلك رفض تقديم الرعاية الصحية للمعتقلين أو الاستجابة لحالاتهم الصحية الحرجة، وسوء التغذية، الذي تسبب في تدهور حالتهم الصحية وأدى إلى وفاتهم.
وفقاً لقاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، تواطؤ وزارة الداخلية في تنفيذ أحكام الإعدام بحقِّ 843 عنصراً وضابطاً من الشرطة المنشقين، في الفترة الممتدة بين آذار/مارس 2011، وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2018.
لعبت وزارة الداخلية دوراً رئيساً في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العسكرية والاستثنائية، وخلال فترة تولي محمد الشعار منصبه، قامت الوزارة بتنفيذ ما لا يقل عن 11,267 إجراءً لمصادرة الممتلكات، إذ كانت الوزارة الأداة التنفيذية لعمليات الحجز على ممتلكات وتجريد السوريين من أموالهم.
جاء ذلك استناداً إلى محاكمات افتقدت لمعايير العدالة، و115,836 تعميماً لمنع السفر، استُخدمت لمنع المواطنين من مغادرة البلاد، ولإلقاء القبض الفوري على من شاركوا في الاحتجاجات الشعبية، مما قيَّد حرية التنقل لعشرات الآلاف بناءً على مذكرات أمنية غير مستندة إلى أدلة قانونية، بل إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب أو بناءً على اشتباهات أمنية غير موثوقة، و112,000 مذكرة بحث صدرت عن شعبة الأمن السياسي، ما عزَّز عمليات القمع والملاحقة الأمنية.
وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 1,661 مختفياً قسراً سُجلوا رسمياً على أنَّهم متوفون، بينهم 50 طفلاً و21 سيدة، إضافةً إلى 16 من الكوادر الطبية و10 من الكوادر الإعلامية، وذلك في الفترة الممتدة من بداية عام 2018 وحتى سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
بالإضافة إلى حرمان عشرات الآلاف من المهجَّرين قسراً من الوثائق الرسمية وابتزازهم مالياً، ومشاركة وزارة الداخلية بفعالية في العديد من عمليات التهجير القسري التي استهدفت المناطق التي حاصرتها قوات نظام الأسد، حيث أسهمت الوزارة في تنفيذ عمليات تهجير واسعة النطاق.
وقال التقرير إنَّ هذه الانتهاكات تكشف عن الدور المحوري الذي لعبته وزارة الداخلية، تحت قيادة محمد الشعار، في تنفيذ سياسات القمع الممنهج والجرائم ضد الإنسانية. حيث لم تقتصر مسؤوليتها على الانتهاكات المباشرة، بل امتدت لتشمل تمكين منظومة القمع واستدامتها عبر أدوات قانونية وإدارية وأمنية.
وبموجب التزامات سوريا الدولية، فإنَّ الدولة ملزمة باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وفقاً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، مثل الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب. إنَّ ارتكاب هذه الانتهاكات من قبل وزارة الداخلية يعكس إخفاقاً في الوفاء بهذه الالتزامات.
شدد التقرير على ضرورة اتخاذ الحكومة الانتقالية في سوريا خطوات جادة وحاسمة لضمان العدالة والمساءلة عن الجرائم والانتهاكات الواسعة التي ارتُكبت خلال فترة تولي اللواء محمد الشعار وزارة الداخلية، داعياً إلى عدم السماح لأي شكل من أشكال الإفلات من العقاب أو التسويات السياسية التي قد تُشرعن الحصانة لمن تورطوا في الانتهاكات الجسيمة بحق المواطنين السوريين.
وأشار التقرير إلى أن الشعار، الذي ترأس وزارة الداخلية خلال سنوات مفصلية من النزاع، يتحمل مسؤولية مباشرة عن انتهاكات موثقة شملت القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب المنهجي، والإخفاء القسري، والإعدامات الميدانية، بالإضافة إلى مصادرة الممتلكات والتضييق الأمني على المعارضين. وقد شدد التقرير على أن أي عملية عدالة حقيقية لا يمكن أن تكتمل دون محاسبة قانونية عادلة تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
كما سلط التقرير الضوء على الحاجة الملحة لفتح تحقيق شامل في أداء وزارة الداخلية خلال تلك المرحلة، بما يشمل الأجهزة الأمنية المرتبطة بها، ولا سيما الأمن الجنائي والأمن السياسي، مؤكداً على أن ممارسات القمع المنهجي لم تكن فردية أو استثنائية، بل جاءت في سياق سياسة عامة اعتمدتها الدولة حينها.
وفي ما يتعلق بحقوق الضحايا، أكد التقرير أن من الضروري ضمان تعويضات عادلة لمن تضرروا من هذه الانتهاكات، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للناجين من الاعتقال والتعذيب، والاعتراف الرسمي بمعاناتهم. كما دعا إلى تبني إجراءات قانونية تضمن عدم تكرار الانتهاكات، واستعادة الحقوق المدنية للمواطنين الذين حرموا منها بفعل الإجراءات الأمنية التعسفية.
وأبرز التقرير الحاجة لإصلاح وزارة الداخلية جذرياً، من خلال تفكيك بنيتها الحالية وإعادة هيكلتها، وفصل كل من يثبت تورطه في الجرائم والانتهاكات الجسيمة. كما شدد على ضرورة إخضاع الوزارة لرقابة مدنية مستقلة لضمان الشفافية، ومنع تكرار التجاوزات مستقبلاً.
وفي السياق ذاته، طالب التقرير بإلغاء جميع الإجراءات التي أصدرتها الوزارة لأغراض قمعية، بما في ذلك قرارات مصادرة الأملاك، وتعاميم منع السفر، والملاحقات الأمنية التي فُرضت دون مسوّغ قانوني، مع التأكيد على ضرورة إعادة الاعتبار لضحايا هذه السياسات.
وأكد التقرير على أهمية تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لضمان دعم المساءلة عن الجرائم، وتنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على المسؤولين المتورطين، وعلى رأسهم محمد الشعار.
كما شدد على ضرورة دعم المنظمات الحقوقية السورية والمجتمع المدني، وتمكينها من توثيق الجرائم، وتجهيز الملفات القانونية، والمشاركة في مراقبة أي مسار قضائي لضمان نزاهته واستقلاليته، وتهيئة الأرضية لملاحقات قانونية داخلية ودولية قائمة على الأدلة والحقائق.
واختتم التقرير بالدعوة إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة تُعنى بملف العدالة الانتقالية، تكون مهمتها توثيق انتهاكات النظام السابق ومحاسبة المسؤولين عنها، بما يكرّس الحق في معرفة الحقيقة، وجبر الضرر، وتحقيق العدالة الشاملة، ومنع إعادة إنتاج الاستبداد أو التساهل مع الجرائم المرتكبة باسم الدولة.
أثار المؤتمر الصحفي الذي عقدته "لجنة السلم الأهلي" في مبنى وزارة الإعلام بدمشق، بإدارة عضو اللجنة حسن صوفان، موجة واسعة من الغضب والرفض في أوساط السوريين، خصوصاً بين ذوي الضحايا وأبناء الثورة، لما تضمنه من مواقف اعتُبرت تبريرات صريحة لمجرمي الحرب وتطبيعًا مع رموز النظام السابق تحت شعار "السلم الأهلي" و"حقن الدماء".
استذكر ناشطون في منصات التواصل الاجتماعي قصصاً مؤلمة حصلت معهم خلال الحرب بسبب فادي صقر وأمثاله من المتورطين بدماء أبناء الشعب السوري. فنشر أحدهم قصة ناجية من الاعتقال كانت حاملاً عندما قبضت عليها قوات المجرم بشار الأسد، وقالت الناجية: "من يأخذ لي حقي؟ قضيت 8 شهور في المعتقل، الذي حين دخلته كنت حاملاً في شهري الرابع".
وتابعت: "عند ولادتي حولوني إلى مشفى حرستا العسكري، وطوال الطريق لم يقبل العسكري أن يفك القيد عن يدي، وعند وصولي المشفى توسلت إليه مراراً، فخيرني بين يدي ورجلي، فاخترت يدي، فقيد رجلي اليمنى بطرف التخت بالحديد".
وأردفت: "هذا المجرم وعساكره كانوا واقفين عند رأسي وأنا أنجب طفلي، من يأخذ لي حقي منه؟ هو لم يقتلني برصاصة، لكن موقفه جعلني أتمنى أن تدخل بي ألف رصاصة ولا يحصل ذلك عند ولادتي".
كما نشر الرسام عزيز الأسمر فيديو له وهو يحمل جلدة رأس طفلة وعليها شعرها، كانت قد ماتت بسبب قصف النظام السابق الإرهابي، وقال: "بدل أن تُمشط هذه الفتاة وتهب إلى المدرسة كغيرها من الأطفال، أصبحت أشلاء"، مضيفاً أن في حادثة القصف التي حصلت، أشلاء الأطفال ملأت المخيم.
ونشر أحد أبناء الشعب السوري صورة شقيقه الذي استشهد في بدايات الثورة السورية التي اندلعت في شهر آذار/مارس عام 2011، وأرفقها بتعليق قال فيه إنه لن يقبل العوض، وأصرَّ على المحاسبة، متجاهلاً السلم الأهلي الذي تم الحديث عنه في المؤتمر الأخير.
وتداول ناشطون صورة لرجل يبحث في غرفة مملوءة بالأوراق والسجلات، وحوله الأثاث موضوع بطريقة فوضوية، قيل إنها لأحد أولياء الدم يبحث عن اسم ابنه الذي اعتقلته قوات النظام البائد.
ونشر ناشط صورة والده الذي قتلته قوات الأسد الإرهابية في أقبية السجون، وأردفها بتعليق: "قتلوك مرتين: مرة حين غيّبوك في ظلمات سجون الأسد، ومرة حين سامحوا من قتلك، وابتسموا فوق دمك. وأنا سامحتهم فقط لأجل عظامك، لأجل قبر أعرفه، لأجل حجرة أنحني عندها، لأجل بناء الدولة".
وضمن المؤتمر ذاته، وقف أحد الإعلاميين الذين كانوا يتحاورون مع صوفان، وقال له: "أمي تسألك، تريد شقيقها الذي اعتقله فادي صقر، سطا حالياً لأبناء منطقته. أمي تريد معرفة قبر أخيها. أخرجوا لنا جثث شهدائنا الذين اعتقلهم فادي صقر وميليشياته".
في ظل محاولات طمس الحقيقة تحت شعارات المصالحة والسلم الأهلي، تبقى ذاكرة السوريين شاهدة على الجرائم التي ارتُكبت بحقهم. أصوات الأمهات والناجين وأولياء الدم لا تزال تصرخ مطالبة بالعدالة، رافضة طيّ صفحة لم تُفتح فيها ملفات المحاسبة بعد. فالمسامحة لا تأتي قبل الاعتراف، والسلام لا يُبنى على جماجم الضحايا، بل على الحق والكرامة والعدالة التي لا تسقط بالتقادم.