بحث وزير الزراعة السوري الدكتور أمجد بدر، اليوم، مع رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، ستيفان ساكاليان، سبل تعزيز التعاون بين الجانبين، ووضع برنامج عمل مشترك يستهدف دعم الفلاحين والمزارعين في البلاد.
وخلال اللقاء، شدد الوزير بدر على أهمية توسيع وتفعيل التعاون مع الصليب الأحمر، داعياً إلى تجاوز العقبات التي واجهت عمل المنظمة في السابق، وتسهيل تنفيذ المشاريع الجديدة المزمع دعمها في سوريا. وأكد أن الوزارة تضع في أولوياتها مصلحة الفلاح السوري، وتسعى لتقديم كل الخدمات والتسهيلات اللازمة لرفع إنتاجيته وتحسين ظروفه المعيشية.
كما أشار الوزير إلى ضرورة وضع خطة عمل دقيقة ومشتركة لتحديد معايير اختيار المستفيدين، داعياً إلى أن تشمل المعونات والمساعدات أكبر عدد ممكن من المحتاجين، ضمن إطار يضمن الكفاءة والاستدامة.
من جهته، أعرب ستيفان ساكاليان عن رغبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في توسيع مشاريعها داخل سوريا، وخاصة في المجالات التقنية، ومشاريع المياه، وتقديم اللقاحات للثروة الحيوانية، إلى جانب تدريب الكوادر الفنية في وزارة الزراعة.
واستعرض ساكاليان أبرز المشاريع التي تم تنفيذها بالتعاون مع الوزارة خلال السنوات الماضية، متطرقاً إلى الصعوبات التي واجهت بعض الأنشطة، ومقترحات التغلب عليها. كما أكد على أهمية الانتقال من مرحلة الإغاثة إلى مشاريع دعم سبل العيش الأكثر استدامة، في إطار مذكرة تفاهم تُحدَّد فيها أولويات التعاون في المرحلة المقبلة.
لم يكن وقع العودة إلى الديار سهلاً على كثير من أبناء ريفي حماة وإدلب، فمع لحظة التحرير التي طال انتظارها، كان الأمل معقوداً على استعادة الأرض والبناء والكرامة، لكن مشهداً قاسياً آخر كان بانتظارهم: أشجارهم المثمرة، التي طالما شكّلت مصدر رزقهم وامتداداً لذكرياتهم، قُطعت واجتثت على يد جنود الأسد، خلال سنوات الاحتلال الطويلة.
ففي القرى التي عاد إليها الأهالي بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، اصطدم العائدون بجريمة بيئية واقتصادية واجتماعية دفعت كثيرين منهم إلى وصف ما جرى بأنه "اجتثاث للهوية"، لا مجرد تخريب.
بحسب شهادات ميدانية، فإن سكان مناطق متفرقة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة، ممن عادوا إلى قراهم، فوجئوا بغياب الأشجار التي كانوا يعتنون بها لعقود، وخاصة الزيتون والتين والفستق الحلبي. هذه الأشجار، التي كانت تمثل عماد الاقتصاد العائلي لآلاف الأسر، لم تعد موجودة، بعد أن قضت عليها سكاكين الانتقام وثقافة الإبادة.
يقول أحد العائدين: "كنا نخطط لجني محصولنا، كي نتمكن من إعادة بناء منازلنا، لكنهم لم يتركوا لنا حتى الظلّ". ويضيف آخر: "لم تكن مجرد أشجار، بل مواسم عمر، كنا نحيا من خيراتها".
الواقع الجديد فتح جرحاً عميقاً في الذاكرة الجمعية للأهالي، لا سيما أن عمليات القطع جرت بصورة ممنهجة، وسط صمت مطبق من النظام، بل وتواطؤ صريح. فقد استغل عناصر الأسد وجودهم في هذه المناطق لارتكاب أبشع الجرائم البيئية، إذ حوّلوا الحقول إلى مصدر حطب ومواد للبيع، ووسيلة انتقام من أهالي القرى الذين عرفوا بمواقفهم الثورية ضد النظام.
وبالرغم من أن رأس النظام أصدر سابقاً مرسوماً يفرض غرامات مالية على قاطعي الأشجار، تتراوح بين 150 إلى 200 ألف ليرة للدونم الواحد، إلا أن القرار لم يكن سوى حبر على ورق. لا أحد طُبّق عليه القانون، لأن من نفّذ الجريمة هم أنفسهم المحميون أمنياً والمغذَّون بسياسة العقاب الجماعي.
في أحد الفيديوهات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، يروي أحد العائدين بأسى: "أهل قريتي كانوا يعيشون من محصول الزيتون والتين، واليوم عادوا فلم يجدوا شجرة واحدة واقفة... الأرض تحولت إلى صحراء". شهادته تكررت على ألسنة كثيرين، الذين عبّروا عن ألمهم في تعليقات موجعة: "هدموا البيوت وسرقوا الأسقف، لكن قطع الشجر هو الكارثة الأكبر"، وآخر وصف المشهد قائلاً: "حتى مضخات المياه سرقوها، لم يتركوا حجراً على حجر، نحن عدنا من تحت الصفر".
في مشهد موازٍ، رأى بعض السكان أن قلع الأشجار لا يختلف عن قلع الأرواح، فهو عملية إبادة لا تختلف عن القتل أو القصف، بل هو امتداد لسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها الأسد ضد معارضيه.
اليوم، يفكر العائدون في زراعة الأشجار من جديد، لكنهم يعلمون جيداً أن الزيتونة لا تثمر إلا بعد سنوات، وأنهم فقدوا مواسم متراكمة من الرزق والعيش. وكما يقول أحد الفلاحين: "بعض الأشجار التي قطعوها زرعها أبي بيده، واليوم أنظر مكانها فلا أرى إلا جذعاً محروقاً، وكأنهم يريدون محو أثرنا من الأرض".
تؤكد هذه المشاهد أن معركة السوريين لم تنتهِ مع تحرير الأرض فقط، بل بدأت فصولها الحقيقية مع إعادة الإعمار والعدالة، ومواجهة الآثار العميقة التي تركها نظام استخدم كل أدوات الإبادة، حتى الشجر لم يسلم من نيرانه.
لم يقتصر انتقام نظام الأسد من معارضيه على القتل والتعذيب داخل السجون، بل امتد ليشمل بعداً أفظع من ذلك: الانتقام بعد الموت، حيث حرمان الضحايا من حقهم الطبيعي في الوداع والدفن الكريم، وتحويل فقدانهم إلى مأساة مستمرة لعائلاتهم.
صدرت وثيقة داخلية عن الفرع 248 التابع لشعبة المخابرات العسكرية عام 2022، تضمنت توجيهات صارمة تهدف إلى إخفاء كل المعلومات المتعلقة بمصير المعتقلين وأماكن وجودهم، سواء كانوا أحياءً أو متوفين.
وشملت هذه التوجيهات تفاصيل دقيقة تنص على منع تقديم أي معلومات أو بيانات عن المعتقلين، حتى للجهات القضائية الرسمية، والامتناع التام عن الإفصاح عن حالات الوفاة داخل المعتقلات أو أماكن الدفن، بالإضافة إلى حجب المعلومات المتعلقة بالحالة الصحية وظروف الاحتجاز، وقطع أي وسيلة اتصال بين المعتقلين وأسرهم. بهذا الشكل، فرض النظام جداراً من الصمت والسرية التامة، ليُعمّق معاناة الأسر التي تعيش في ظلام تام حول مصير أحبّائها، ما يعكس سياسة انتقامية وحشية تستهدف كسر روح المعارضين وأسرهم حتى بعد فقدانهم حياتهم.
الكثير من الذين قضوا تحت التعذيب داخل المعتقلات لم تُسلّم جثثهم لأهاليهم، بل دُفنوا في مقابر جماعية مجهولة المواقع، بلا قبور مخصصة، وبلا شواهد تُخلّد أسمائهم. هذا الأسلوب في الدفن ليس مجرد إخفاء جسد، بل هو إرهاب معنوي مقصود يُريد أن يجعل من موت المعارض مجرد رقم أو اسم مجهول لا أثر له.
هذه المقابر الجماعية تحولت إلى كابوس لعائلات الضحايا، الذين يعيشون بين أمل المساعدة والانتظار الطويل، مع غياب أي معلومات موثوقة. الحزن يتضاعف مع غياب الوداع، ومع عدم قدرة الأهل على إقامة جنازة تليق بذكرى أحبّائهم.
الانتقام من المعارض لا ينتهي بموت جسده، بل يبقى معلقاً في روح أسرته التي تعيش بين انتظار لا ينتهي وألم لا يزول. فقدان الجثمان أو عدم معرفة مكانه يجعل الحزن في حالة تجمّد دائم، ويجعل من موت المعارض جرحاً مفتوحاً لا يشفيه إلا الحقيقة والعدالة. بهذا، يؤكد نظام الأسد أنه لا يكتفي بإزهاق أرواح المعارضين، بل يستمر في قهرهم وأسرهم بعد الموت، في محاولة بائسة لاستمرار السيطرة والانتقام.
ويُذكر أن رئاسة الجمهورية العربية السورية أصدرت في 17 أيار 2025، مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين” كهيئة مستقلة، وذلك بناءً على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الإعلان الدستوري. ويأتي هذا القرار في إطار حرص الدولة على كشف مصير الآلاف من المفقودين في سوريا، وإنصاف عائلاتهم، ويهدف إلى تقديم الدعم القانوني والإنساني لهم، فضلاً عن توثيق حالات المفقودين والمختفين قسرياً، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية لهذه الحالات.
تم تعيين السيد محمد رضى جلخي رئيساً للهيئة، وكُلف بتشكيل فريق العمل المعني بوضع النظام الداخلي للهيئة في مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ الإعلان، وتتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وستباشر مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية.
وكان قد تطرّق وزير الخارجية “أسعد الشيباني” في كلمة في القمة العربية الـ34 التي عُقدت في العاصمة العراقية بغداد، إلى أن “سوريا بدأت خطوات جادة نحو التعافي الوطني، حيث خاضت لأول مرة تجربة وطنية جامعة تضم جميع الأطياف السورية، وتضمن التمثيل وتعزز الكرامة الوطنية”. وأكد أن الحكومة السورية تعمل على “تحقيق العدالة الانتقالية وكشف مصير المفقودين، لأننا نؤمن أن لا مصالحة دون إنصاف”.
وفي وقت سابق، دعت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، الحكومة السورية الجديدة، إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة لمعالجة إرث الانتهاكات في البلاد، مشيرة إلى أهمية تحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة وتعويض الضحايا. وطالبت المنظمة بتطبيق إصلاحات مستعجلة تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات.
في تقريرها الذي صدر مساء الجمعة، أكدت المنظمة أنها وثّقت، بين عامي 2011 و2024، ارتكاب النظام السوري العديد من الجرائم التي تشمل انتهاكات قانونية واسعة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان على يد نظام بشار الأسد. كما وثّقت المنظمة جرائم فظيعة ارتكبتها القوى الحليفة للنظام، مثل روسيا، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة المعارضة للنظام المدعومة من تركيا، وكذلك سلطات الأمر الواقع بقيادة الأكراد.
ورأت المنظمة الحقوقية أن أمام الحكومة الانتقالية الجديدة، التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، فرصة حاسمة لتحسين الوضع في سوريا وطي صفحة الماضي عبر ضمان عدم تكرار الفظائع. وحددت المنظمة في تقريرها مجموعة من الخطوات الضرورية التي يجب على السلطات السورية اتخاذها لتحقيق ذلك، لضمان الامتثال لالتزامات سوريا بموجب القانون الدولي.
وكانت قد أعلنت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عن توقيع مذكرة تفاهم مع المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، المُنشأة بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لافتة إلى أنها تمثل خطوة إضافية في مسار السعي الدؤوب نحو الحقيقة والمساءلة، بهدف كشف مصير وأماكن وجود عشرات الآلاف من المفقودين في مختلف أنحاء سوريا.
وقالت الشبكة إنه من خلال هذه الشراكة، ستُسهم بخبرتها المتراكمة على مدى أربعة عشر عاماً في توثيق الانتهاكات، وقواعد بياناتها الواسعة، ومعرفتها المعمّقة بالسياق السوري، لتعزيز فعالية آليات التحقيق الدولية في الوصول إلى معلومات دقيقة عن المفقودين، والمساعدة في تحديد هوية الضحايا في المقابر الجماعية.
وعبرت الشبكة عن أملها أن يُسهم هذا التعاون في تحديد مواقع تلك المقابر، وحمايتها، والتعرف على هوية الرفات البشرية فيها، وضمان معاملتها بكرامة واحترام، وتسليمها لعائلاتها لدفنها بشكل لائق متى أمكن ذلك.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بأنها تؤمن بأنَّ هذه الشراكة ستُعزز جهود المناصرة التي تركز على الضحايا، وستدعم مسارات العدالة الانتقالية، ومبادرات كشف الحقيقة، واستعادة كرامة عدد لا يُحصى من العائلات التي ما زالت تعيش ألم الفقد وعدم اليقين.
وجددت الشبكة التزامها بالتعاون الوثيق مع المؤسسات المحلية والدولية المكرّسة للحقيقة والعدالة والمساءلة، مؤكدة دعمها الثابت لحقوق الضحايا والناجين في نضالهم الشجاع من أجل سوريا قائمة على العدالة، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون.
نظام الأسد المجرم كان يعمل على إثارة الفتن بين أبناء الشعب السوري، ساعياً بكل وسيلة إلى تمزيق نسيجه الاجتماعي، وتفكيك ثقة الناس ببعضهم البعض. ومن أخطر أدواته لتحقيق هذا الهدف كانت فئة المخبرين، أو ما يُعرف في الأوساط الشعبية بـ”كتيبة التقارير”، والتي اشتهرت بين الناس بـ”جماعة الخط الحلو” بسبب أسلوبهم الماكر في الكتابة والتبليغ.
هؤلاء المخبرون، الذين كان يُجنّدهم النظام تحت مسميات متعددة، لعبوا دوراً حاسماً في رصد تحركات المواطنين، ونقل الأحاديث، وبث الرعب بين الناس، مما أدى إلى اعتقالات تعسفية، وتعذيب، وتدمير حياة مئات العائلات. ولعلَّ الأخطر من ذلك، هو دورهم في زرع الشك والريبة بين أبناء الحي الواحد، بل داخل العائلة الواحدة أحياناً.
قبل انطلاق الثورة السورية في شهر آذار/مارس عام 2011، كانت “كتيبة التقارير” إحدى أدوات النظام الأمنية التي تُستخدم لمراقبة المعارضين المحتملين، أو حتى المواطنين العاديين ممن يُظهرون استقلالية في الرأي أو نشاطاً ثقافياً أو اجتماعياً لا يخضع لرقابة النظام. المخبر لم يكن مجرد ناقل للمعلومة، بل كان عنصراً مُفعّلاً لإنتاج الخوف، وغالباً ما يُكافأ على عدد “التقارير” التي يرفعها.
كان الخوف من المخبرين يعشعش في تفاصيل الحياة اليومية للسوريين، حتى غدا جزءاً من الوعي الجمعي. لم يكن أحد يثق بأحد، فالصمت كان أضمن طريق للنجاة، والكلام حتى العابر منه قد يُحوَّر في تقرير يُفضي إلى الاعتقال أو الاختفاء. انتشرت أمثال مثل “الجدران لها آذان” و”نمشي الحيط الحيط وياربِّي السترة” كوصايا للسلامة، لا مجرد حكم شعبية. كان الناس يتهامسون في بيوتهم، يتحاشون الحديث في السياسة أو حتى التذمر من ضيق المعيشة، خشية أن يكون الجالس بينهم “عيناً” للدولة. صار الخوف عادة، والشك في الآخر غريزة دفاع. المخبر لم يكن غريباً بالضرورة؛ قد يكون زميلاً، جاراً، قريباً… أو حتى فرداً من العائلة.
في كثير من الأعمال الدرامية السورية قبل الثورة، كانت شخصية “المخبر” حاضرة بشكل ساخر وكوميدي، وكأنها جزء من النسيج اليومي الذي لا يمكن تجاهله. لم تكن هذه الأعمال تُخفي وجوده أو تنكره، بل كانت تسخر من حضوره المفضوح، وتُظهره في صورة الشخص الفضولي، ثقيل الظل، الذي يحاول التسلل إلى المجالس والأحاديث، ويسجل الملاحظات في دفتر صغير، بينما الجميع يعلم تماماً من يكون. كانت هذه الكوميديا في الحقيقة وسيلة ذكية للتعبير عن واقع مرير: أن المخبر كان يعيش بين الناس، ويأكل معهم، ويضحك، لكنه في النهاية ينقل ما يُقال ليلاً إلى أجهزة الأمن. ومن المفارقات أن الناس كانوا يتعاملون معه بنوع من “التطنيش الذكي”، يلقون النكات بوجوده وكأنهم يقولون له: “نحن نعلم من أنت، ونعرف لمن تكتب”. هذه المعالجة الدرامية الساخرة كانت متنفساً مؤقتاً، لكنها في الوقت ذاته فضحت كيف تحوّل الخوف إلى شيءٍ يومي، يُضحك عليه، رغم ما فيه من ألم.
مع انطلاق الثورة السورية، تصاعد دور “كتيبة التقارير” بشكل خطير، وتحولت من شبكة تجسس خفية إلى أداة علنية وفعّالة في خدمة آلة القمع والقتل التي يديرها نظام الأسد المجرم. المخبر لم يعد مجرد ناقل لمعلومة، بل أصبح شريكاً مباشراً في الجريمة، يتسبب بتقاريره الكاذبة في اعتقال الآلاف من الأبرياء، كثير منهم ماتوا تحت التعذيب أو أُعدموا ميدانياً أو فُقدوا في أقبية الأفرع الأمنية. بعضهم كانوا من الأطفال أو النساء أو نشطاء سلميين لم يحملوا سلاحاً يوماً، لكنهم وُصِفوا في تقارير هؤلاء بـ”محرضين” أو “إرهابيين” فقط لأنهم طالبوا بالحرية.
المخبر خلال الثورة لم يكن شخصاً مغرّراً به أو ضحية، بل كان أداة وضيعة بيد النظام، مجرماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يقل إجراماً عن بشار الأسد نفسه أو عن حلفائه الذين شاركوه سفك الدم السوري. كثير من المآسي التي عاشتها العائلات بدأت بتقرير كتبه أحد هؤلاء، وربما بابتسامة خبيثة خبّأ بها قلمه تحت عباءته ومشى بين الناس وكأن شيئاً لم يكن.
عندما سقطت بعض القرى والمدن بيد قوات الأسد المجرم، سارع العديد من المخبرين الذين انكشف أمرهم إلى الفرار نحو مناطق سيطرة النظام الديكتاتور السابق، مدفوعين بالخوف من المحاسبة أو الانتقام الشعبي. هؤلاء الذين خانوا جيرانهم وأصدقاءهم وكتبوا تقارير أودت بحياة الأبرياء، لم يكن لهم مكان بين من صمدوا أو عانوا من ظلم النظام، فاختاروا العودة إلى حضن الجريمة الذي خرجوا منه أول مرة. في مشهد يؤكد حقيقة انتمائهم، التحق بعضهم من جديد بصفوف أجهزة الأمن أو الشبيحة، مواصلين دورهم في الإيذاء والوشاية، وكأن شيئاً لم يتغير. هروبهم لم يكن مجرد هروب جسدي، بل إعلان صريح عن الولاء لنظام قتل ودمّر، ونبذٌ واضح من المجتمع الذي لفظهم بعد أن تبيّن من هم حقاً.
بعد تحرير المناطق من سيطرة نظام بشار الأسد المجرم، تم الوصول إلى سجلات هؤلاء المخبرين، وظهرت أسماء لأشخاص كانوا يُعتبرون في الأوساط المجتمعية “أناساً عاديين”، بل أحياناً “محترمين”. هذا الكشف لم يكن مجرد فضح لأشخاص، بل كان كشفاً لمنظومة تجسسية شاملة استخدمها النظام لإجهاض أي حلم بالحرية. في ظل انتصار الثورة، تبقى مسؤولية محاسبة هذه الكتيبة من أولويات العدالة الانتقالية. لأن هؤلاء لم يكونوا مجرد أدوات صامتة، بل فاعلين في صناعة الجريمة، وسبباً مباشراً في كثير من المآسي.
أدان محافظ السويداء مصطفى البكور الهجمات التي استهدفت مناطق في الريف الغربي للمحافظة، واصفاً إياها بمحاولات “زرع الفتنة والفوضى” بين أبناء المنطقة، ومؤكداً أن الجهات المختصة باشرت باتخاذ إجراءات ميدانية للتصدي لها.
وفي بيان رسمي صدر مساء السبت، قال البكور إن المحافظة “ترفض القاطع لأي محاولة تهدف إلى زعزعة استقرار السويداء والنيل من أمن سكانها”، مشيراً إلى أن الاعتداءات الأخيرة طالت المدنيين الآمنين، وشدد على أهمية التعاون بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المحلي “الذي أثبت دوماً وعيه وحرصه على أمنه”، حسب تعبيره.
وأكد البكور أن “الطبيعة الجغرافية المعقدة للمناطق المحاذية للريف الغربي، تتطلب تنسيقاً احترافياً واستجابة ميدانية دقيقة”، لافتاً إلى اتخاذ جملة من الإجراءات التي تراعي هذه الخصوصية. كما وجّه نداءً إلى أبناء محافظة درعا من أجل “التحلي باليقظة في وجه الأيادي العابثة”، على حد وصفه.
في السياق ذاته، كشف الإعلامي السوري فيصل القاسم عن لقاءات مكثفة جرت أمس بين شخصيات من السويداء وكبار وجهاء محافظة درعا، مشيراً في منشور له إلى أنه تواصل مع بعض الحاضرين وتلمّس “إجماعاً كاملاً على التصدي للعصابات الخارجة عن القانون التي تطلق القذائف وتخرب منشآت المياه والكهرباء”، مؤكداً أن المشاركين تعهدوا “بحماية السلم الأهلي”.
بالتزامن مع ذلك، أفادت مصادر محلية في درعا وشبكة “درعا 24” بأن قوى تابعة لوزارة الدفاع السورية نفّذت حملة مداهمات في قرى بويضان والعمرة البيضة والشرائع، ضمن منطقة اللجاة شمال شرقي المحافظة. وأسفرت الحملة عن مصادرة مضادين من عيار 23 ملم، وراجمة صواريخ “كاتيوشا”، إلى جانب سيارة عسكرية، في إطار خطة أوسع لنزع السلاح الثقيل من أيدي الفصائل غير المنضبطة.
وشهدت الأسابيع الماضية تصاعداً في التوتر على المحور الغربي لمحافظة السويداء، حيث وثّقت شبكة “السويداء 24” سقوط أكثر من 70 قذيفة هاون وذخائر مختلفة على مناطق متفرقة من الريف الغربي والشمالي، مصدرها الحدود الإدارية مع محافظة درعا، ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة أربعة آخرين.
وتأتي هذه التطورات بعد تنفيذ محافظ السويداء بداية الشهر الجاري للمرحلة الأولى من اتفاق تم التوصل إليه مع مشايخ العقل ووجهاء المحافظة، تضمن إجراءات لضبط الأمن ونزع السلاح الثقيل. وقد شهد محور الدارة – الثعلة تبادلاً للقصف بين مجموعات مسلحة بعضها ينتمي لعشائر البدو، وأخرى تابعة لـ”المجلس العسكري”، قبل أن يعود الهدوء تدريجياً إلى المنطقة.
وتضاف هذه الاشتباكات إلى التحديات التي تواجه الجنوب السوري، في ظل استمرار عمليات التفتيش عن السلاح وملاحقة المجموعات الخارجة عن القانون، ومحاولات حثيثة من قبل الحكومة السورية لضمان استقرار المنطقة ومنع انزلاقها نحو الفوضى مجدداً.
أعلنت وزارة الأوقاف السورية، اليوم الأحد، عن انطلاق أولى قوافل الحجاج السوريين من مطار دمشق الدولي إلى مطار الملك عبد العزيز في جدة، إيذاناً ببدء موسم الحج لهذا العام 1446 هـ/2025 م.
وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد الحلاق، إن الرحلات ستستمر بشكل يومي حتى الثاني من حزيران، ضمن جدول منظم يراعي راحة الحجاج وسلامتهم، مضيفاً أن الوزارة أنهت جميع الترتيبات الإدارية والشرعية والطبية، وجهّزت فرقاً من المشرفين والمرشدين الدينيين لمرافقة الحجاج وتقديم الدعم والإرشاد طيلة فترة الرحلة.
وقال مشرف البعثة السورية إلى الحج حيان درويش "لأول مرة في كل مواسم الحج تم وضع بطاقة صدرية للمسافرين تحتوي على رمز QR، عند مسح هذا الرمز يتم عرض معلومات عن الحاج، مثل طريقة التواصل مع رئيس مجموعته وروابط لموقع مخيم عرفات، وموقع فندق في مكة، وآخر في المدينة، ما يسهل على الحجاج سفرهم والوصول إلى أماكن إقامتهم".
وأكد مدير مكتب دمشق في مديرية الحج بوزارة الأوقاف الأستاذ عمران شيخ يوسف لـ سانا ان رحلات الحجاج السوريين من مطار دمشق الدولي ستكون بمعدل 5 رحلات يومياً بعدد إجمالي 66 رحلة انطلاقاً من مطار دمشق الدولي.
وشهد مطار دمشق الدولي انتشاراً لفِرق الدفاع المدني لتأمين خدمات الإسعاف والرعاية الصحية الأولية، والتدخل السريع عند أي طارئ، في خطوة تهدف لضمان سير الرحلات بسلاسة وكفاءة.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت في نيسان الماضي عن تخفيض رسوم إصدار جوازات السفر بنسبة 50% للحجاج السوريين، سواء داخل البلاد أو خارجها، وذلك ضمن حزمة إجراءات تهدف إلى تسهيل أداء المناسك، خاصة لكبار السن والمقيمين في دول الجوار.
كما أُقيمت قرعة الحج بحضور وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري، وشخصيات دينية وإدارية، حيث خُصصت المرحلة الأولى لاختيار 1,575 حاجاً ممن تجاوزت أعمارهم 70 عاماً، التزاماً بالشروط الجديدة التي فرضتها السلطات السعودية، والتي حددت سقف الحجاج من كبار السن بنسبة 7% من الإجمالي.
وبحسب مدير الحج والعمرة، سامر بيرقدار، فإن التوزيع هذا العام خصص 65% من المقاعد لكبار السن، و35% للشباب، مشيراً إلى أن المرحلة الثانية من القرعة ستُستكمل لاحقاً لاختيار بقية المقبولين بحسب أولوية العمر.
بلغت كلفة الحج لهذا الموسم 4,900 دولار، تشمل السكن والنقل والوجبات والخدمات الطبية والإدارية، وفق ما أعلنته اللجنة المعنية، على أن تبدأ عمليات التسديد خلال مدة أسبوعين من تاريخ الإعلان.
وأكد بيرقدار أن اللجنة حرصت على تأمين مساكن مريحة في مكة، ووسائل نقل آمنة بين أماكن السكن والحرم، مع تحسينات على مستوى الوجبات والخدمات الفندقية، بما يضمن أداء المناسك في بيئة صحية وهادئة.
ويُشار إلى أن ملف الحج السوري كان منذ عام 2013 تحت إشراف لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف السوري المعارض، والتي أسهمت في تطوير الملف إداريًا وتقنيًا، ونجحت في كسب ثقة وزارة الحج السعودية.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد، نُقل الملف إلى وزارة الأوقاف السورية الحالية، ضمن عملية إعادة هيكلة شاملة للقطاع الديني والإداري، وسط تأكيدات رسمية على استمرار نهج التسهيل والشفافية، وضمان حقوق الحجاج السوريين دون تمييز.
انطلاق أولى الرحلات إلى الأراضي المقدسة يمثّل بداية موسم روحاني جديد للحجاج السوريين، وسط ترتيبات تنظيمية وصحية متكاملة، وتأكيد رسمي على تعزيز جودة الخدمات المقدّمة، في مشهد يعكس استقراراً إدارياً متقدماً في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
يشعر الأهالي في شمال غربي سوريا بقلق بالغ جراء توقف الدعم عن العديد من المنشآت الصحية، ما أدى إلى إغلاق بعض المراكز الطبية وتقليص الخدمات في أخرى. هذا الوضع يزيد من معاناة السكان، خصوصاً في ظل الفقر والنزوح المستمر، حيث لا يستطيع كثيرون تحمّل كلفة العلاج في المراكز الخاصة أو شراء الأدوية. كما أصبحت الحالات الطارئة تواجه خطراً حقيقياً بسبب بُعد المشافي القليلة العاملة حالياً، مما يهدد حياة المرضى، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن.
شهادة “عفاف العمار”، نازحة في ريف إدلب:
“كنا نذهب إلى المركز الصحي القريب من المخيم ونتلقى العلاج دون أن ندفع شيئاً، وكنت آخذ أطفالي عند المرض، وكانت اللقاحات متوفرة بسهولة، وكل الخدمات تُقدَّم مجاناً. أما الآن، بعد إغلاق المركز، فأضطر إلى الذهاب إلى مستوصف خاص، وتكلفة المعاينة الواحدة تتجاوز 100 ليرة تركية، ناهيك عن أسعار الأدوية التي تشكّل عبئاً آخر. نحن بالكاد نستطيع شراء الخبز، فكيف لنا أن نؤمّن ثمن العلاج؟ والله، إن مرضنا الآن، نبقى في البيت ونتضرع إلى الله أن يشفينا، لأننا لم نعد قادرين على تحمّل التكاليف.”
مع توقف عمل كثير من المراكز الصحية المجانية، لم يعد أمام المرضى خيار سوى التوجه إلى المشافي الخاصة أو العيادات مدفوعة الأجر، حيث تصل تكلفة المعاينة الواحدة إلى مبالغ تفوق قدرة معظم العائلات. في ظل انعدام الدخل أو صعوبة الظروف المادية، أصبحت فاتورة العلاج عبئاً لا يُحتمل. بعض المرضى يؤجلون زيارة الطبيب رغم تدهور حالتهم، وآخرون يكتفون بالعلاجات المنزلية أو الأعشاب، فيما تضطر بعض العائلات لبيع ممتلكاتها القليلة أو الاستدانة لتأمين علاج أحد أفرادها. هذا الواقع يكرّس فجوة صحية خطيرة بين من يملك المال ومن لا يملكه، ويجعل الحصول على أبسط حقوق الإنسان – الرعاية الصحية – رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان.
في الوقت ذاته، أثرت الأزمة على العاملين في القطاع الصحي، خاصة أن رواتب معظم الكوادر الطبية والتمريضية توقفت، ما أجبر بعضهم على ترك عملهم أو البحث عن مصادر دخل بديلة. ورغم ذلك، يواصل عدد منهم العمل بشكل تطوعي بدافع إنساني، إلا أن غياب الحوافز والدعم يهدد بفقدان المزيد من الكوادر المؤهلة. كما تعاني المنشآت المتبقية من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية، مما يجعل الطواقم عاجزة عن تقديم الرعاية اللازمة حتى للحالات البسيطة.
وبحسب ما صرحت به الطبيبة إكرام حبوش لتلفزيون سوريا:
“الفكرة التي أرغب في طرحها هي أن توقف الدعم عن مشافي شمال غربي سوريا بشكل مفاجئ ودون وجود خطة بديلة، أدى حتى الآن إلى إغلاق نحو 150 نقطة طبية.” وتتفاقم الأوضاع يوماً بعد يوم، لا سيما مع توقف المشافي التي تقدم خدمات نوعية، مثل وحدات العناية المركزة وحديثي الولادة، ما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية في المنطقة.
أدى توقف الدعم عن عدد كبير من المراكز الصحية إلى ضغط هائل على المشافي التي لا تزال تعمل بدعم محدود. هذه المنشآت باتت تستقبل أعداداً تفوق قدرتها الاستيعابية اليومية، ما أدى إلى ازدحام شديد في أقسام الطوارئ والعيادات، ونقص في الأسرّة والمستلزمات الطبية. الكوادر الطبية تجد نفسها مجبرة على العمل لساعات أطول في ظل إرهاق متزايد وموارد محدودة، ما ينعكس على جودة الخدمة وسرعة الاستجابة للحالات الحرجة. كما يُضطر بعض المرضى للانتظار لساعات طويلة أو يُطلب منهم العودة في يوم آخر بسبب الاكتظاظ، مما يزيد من معاناتهم ويهدد سلامتهم الصحية.
أدى تراجع الدعم الإنساني الأميركي إلى إغلاق ما يقارب 150 مرفقاً صحياً في سوريا، بحسب ما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود”، التي حذّرت من تداعيات هذا التراجع على حياة ملايين المدنيين. وشمل التأثير تسع محافظات سورية، حيث توقفت 97 نقطة للرعاية الصحية الأولية عن العمل، وأُغلق أكثر من 19 مستشفى، إلى جانب توقف 15 مركزاً طبياً متخصصاً وتعليق نشاط 20 فريقاً طبياً متنقلاً. ولفتت المنظمة إلى أن هذه الأزمة بدأت منذ نهاية شهر شباط الماضي، مشيرة إلى أن خفض التمويل دون بدائل فاقم من التدهور الحاصل في النظام الصحي، الذي يعاني أصلاً من ضغوط شديدة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون منذ سنوات.
قال النائب الجمهوري مارلين ستوتزمان إن سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع “تتجه لأن تكون حليفًا رئيسيًا” للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الشرع “فتح الأبواب أمام الغرب، وأدخل النساء إلى حكومته.
وزعم ستوتزمان أن الشرع أيضا اعترف بإسرائيل كدولة ذات سيادة”، وهي خطوات اعتبرها مؤشرات على رغبة دمشق في الانخراط في النظام الإقليمي الجديد بعيدًا عن النفوذ الروسي والإيراني.
وأضاف ستوتزمان في تصريحات لصحيفة “بلايز نيوز” الأميركية أن "على واشنطن أن تكون حاضرة على طاولة القرار بينما تعيد سوريا رسم مستقبلها"، مشددًا على أن الرئيس دونالد ترامب "ينبغي أن يواصل التواصل مع الشرع، ليس فقط لدعم الازدهار في سوريا، بل كذلك لتحجيم نفوذ موسكو وبكين في المنطقة، وبناء شراكة اقتصادية جديدة".
وتأتي تصريحات ستوتزمان عقب لقاء الرئيس ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، على هامش جولة ترامب الإقليمية التي بدأها هذا الأسبوع، بعد إعلانه رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد.
وفي الاجتماع الثلاثي الذي ضم إلى جانب ترامب والشرع، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وشارك فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي، قدّم ترامب سلسلة مطالب اعتبرها ضرورية للمضي في مسار التطبيع، شملت الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، إخراج “الإرهابيين الأجانب”، ترحيل المسلحين الفلسطينيين، التعاون في منع عودة تنظيم داعش، وتحمل المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرقي سوريا.
وعن اللقاء، قال ترامب عن الشرع: "اعتقدت أنه كان رائعاً. لقد كان ممتناً جداً بشأن العقوبات"، معتبراً أن لديه فرصة حقيقية، "فهو رجل قوي وقد قام ببعض الأمور الصعبة". وأشار ترامب إلى أنه قال للشرع خلال اللقاء إن لديه ماضياً صعباً.
وقال ترامب عقب اللقاء: “العقوبات كانت قاسية ومبررة في وقتها، لكنها الآن لم تعد تخدم هدفًا… آن الأوان لسوريا أن تنهض وتُظهر شيئًا مميزًا للعالم”.
ووصف الشرع الاجتماع بأنه “خطوة تاريخية”، مشيدًا بالدور الذي لعبه ترامب وبن سلمان وأردوغان في فتح الباب أمام هذا التحول، معتبراً أن “خروج إيران من سوريا يوفّر فرصة استراتيجية لبناء شراكات أمنية وتنموية جديدة”.
وكانت إدارة بايدن قد أزالت في وقت سابق هذا العام مكافأة العشرة ملايين دولار التي كانت مرصودة لاعتقال الشرع، إلا أن تصنيفه كـ”إرهابي عالمي” لا يزال قائمًا، وهو ما يتوقع أن يتم شطبه في أعقاب قرار رفع العقوبات.
وبحسب تقارير أميركية، فإن بعض المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي حاولوا إبطاء تنفيذ قرار ترامب في الأيام الماضية، في حين عبّرت إسرائيل عن دعم مشروط للتحول الجديد، مشددة على ضرورة أن يتضمن اتفاق التطبيع مع سوريا ضمانات أمنية وتفكيك البنى العسكرية في الجنوب.
في ظل تصاعد درجات الحرارة وتزايد المؤشرات على بداية موسم حرائق مبكر، أعلنت فرق الدفاع المدني السوري وأفواج الإطفاء عن استجابتهم، يوم أمس السبت 17 أيار، لما مجموعه 32 حريقاً اندلعت في مناطق متفرقة من البلاد، في حصيلة يومية لافتة تعكس حجم التحديات التي تواجهها فرق الإطفاء.
وتوزعت هذه الحرائق على عدة محافظات، إذ اندلع حريق في منزل بحي القزاز في دمشق، وآخر في شقة سكنية بمنطقة الحسينية في ريف دمشق، إضافة إلى ثمانية حرائق أعشاب نشبت في دمشق وريفها.
كما تم تسجيل حريق قمامة في البحدلية، بينما شهدت مدينة حلب اندلاع أربعة حرائق في منازل بأحياء الزبدية والمعادي والفردوس والجزماتي، وحريق آخر في معمل بالمنطقة الصناعية بالشقيف، في حين سجلت مدينة الباب شرقي حلب حريقين في منزلين، واندلع حريق أعشاب وأشجار في قرية أم سطح قرب منبج.
أما في ريف إدلب، فقد انفجر حريق في حافلة ركاب قرب سراقب نتيجة انفجار مجهول المصدر، من دون تسجيل إصابات. كما شهدت محافظة طرطوس حريقين حراجيين في قلعة المرقب ومحيطها، وقرية أبو عفصة، وثلاثة حرائق في القصب والأعشاب. وفي اللاذقية، نشبت ثلاثة حرائق بسبب تماس كهربائي في أحياء الصليبة والرمل الفلسطيني والغراف، إضافة إلى خمسة حرائق أعشاب وقصب.
تأتي هذه الاستجابات بعد أيام من إعلان الدفاع المدني السوري عن إخماد واحد من أخطر حرائق الغابات خلال العام، اندلع في منطقة ربيعة بريف اللاذقية واستمر سبعة أيام متواصلة، منذ الأربعاء 7 أيار حتى الثلاثاء 13 أيار. بدأ الحريق في أحد الأحراش الجبلية الوعرة، وسرعان ما توسع بفعل الرياح، وصعوبة التضاريس، وغياب خطوط النار، الأمر الذي دفع وزارة الطوارئ لتشكيل غرفة عمليات مشتركة بالتعاون مع الدفاع المدني ومراكز حماية الغابات وأفواج الإطفاء.
تم تقسيم المنطقة المتضررة إلى قطاعات عمل ميدانية، واستخدمت الجرافات والمعدات الهندسية والمروحيات السورية للمرة الأولى في هذه الاستجابة. رغم السيطرة الجزئية بعد اليوم الثالث، إلا أن النيران كانت تتجدد بفعل الرياح، ما اضطر الفرق لإعادة توزيع عناصرها وتعزيزهم بعناصر إضافية.
أسفر الحريق عن احتراق أكثر من 150 هكتاراً من الغابات، تضمنت أشجاراً معمرة من الصنوبر والسرو، وتسببت بخسائر كبيرة في التنوع الحيوي. كما أصيب ثلاثة من عناصر الإطفاء إثر انزلاقهم من منحدرات صخرية، فيما تعرض أحد القادة الميدانيين لحالة اختناق وضيق تنفس بسبب الدخان.
شارك في عمليات الإخماد أكثر من 130 إطفائياً من الدفاع المدني، و50 من أفواج الإطفاء، وبلغ عدد الآليات 20 سيارة إطفاء، و13 ملحق تزويد مياه، و12 جرافة قدمتها وزارة الطوارئ، إضافة إلى تسع صهاريج مياه، وعدد من المروحيات.
من أبرز التحديات التي واجهتها الفرق كانت وعورة التضاريس، انعدام الطرق الممهدة، قوة الرياح، خطر مخلفات الحرب، والضغط الكبير على الكوادر البشرية نتيجة العمل المتواصل لأيام.
وتأتي هذه الاستجابة وسط توقعات بموسم حرائق صيفي مقلق، في ظل الجفاف الذي تشهده البلاد، ما يستدعي تكثيف جهود الوقاية والتوعية المجتمعية. ويؤكد الدفاع المدني السوري على أهمية تعزيز الجهوزية وتوسيع برامج تدريب المدنيين في المناطق المعرضة للخطر، خاصة مع تسجيل أكثر من 3045 حريقاً في سوريا منذ بداية العام، بينها 985 حريقاً في منازل، و121 حريقاً في غابات.
تشكل هذه الأرقام ناقوس خطر يستوجب استجابة وطنية شاملة، تعزز من قدرات فرق الإطفاء، وتوفر لها الدعم اللوجستي والبشري لمواجهة كوارث قد تتكرر بوتيرة أعلى خلال الأسابيع المقبلة.
في اكتشاف أثري نادر ومثير، كشفت باحثة في المتحف الوطني الدنماركي عن وجود مجموعة من الخشخيشات الطينية التي صُنعت في مدينة حماة السورية قبل نحو 4500 عام، في العصر البرونزي، ما يُعدّ دليلاً على أن صناعة ألعاب الأطفال كانت مهنة قائمة آنذاك، وليست ابتكارًا حديثًا كما يُعتقد.
وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة Childhood in the Past العلمية المتخصصة، فإن الباحثين عثروا مصادفةً ضمن مقتنيات المتحف الدنماركي على 19 قطعة طينية صغيرة، تحمل خصائص تصميمية مشابهة تمامًا لأدوات خزفية تُصنَع عادةً في محترفات مهنية، مما دفعهم للاعتقاد بأنها كانت ألعابًا مخصصة للأطفال.
وقالت الباحثة المشاركة في إعداد الدراسة، ميتّه ماري هالد، إن الاكتشاف يكشف جانبًا مغمورًا من الحياة اليومية في سوريا القديمة، موضحةً أنه “إذا أراد الوالدان في ذلك الزمن تسلية أطفالهما، كان يمكنهما أن يُعطياهم ملعقة خشبية أو حجرًا، لكن هذا الاكتشاف يثبت أنهما كانا قادرين أيضًا على شراء ألعاب مخصصة من السوق، صُنعت على يد محترفين”.
وتتميز هذه الخشخيشات بتنوع أشكالها وكونها تبدو مضحكة أو طريفة، ما يُرجّح أنها صُنعت عمدًا لإثارة اهتمام الأطفال. وتشير الدراسة إلى أن العديد من القطع الطينية التي صُنفت سابقًا على أنها “تماثيل دينية” ربما كانت في الأصل ألعابًا، بسبب طرافتها وملامحها المرِحة.
ويُذكر أن هذه المجموعة تُعد أكبر مجموعة معروفة حتى الآن من هذا النوع، وقد نُبش معظمها خلال حفريات أثرية في سوريا، لكنها كانت غالبًا بحالة غير مكتملة، ما جعل من الصعب تصنيفها بوضوح على أنها أدوات ترفيهية.
ويأتي هذا الكشف في وقت لا تزال فيه الآثار السورية تُعاني من آثار كارثية بسبب النهب والتخريب، خاصة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث وُصفت هذه الظاهرة بأنها “كارثة ثقافية”.
وتُعد سوريا واحدة من أقدم الحواضر البشرية، إذ مرّت عليها حضارات متعددة من الكنعانيين، إلى الآراميين، فالفرس، فالرومان، فالبيزنطيين، وصولًا إلى الأمويين، ما يجعلها من أغنى الدول في المنطقة من حيث التراث المادي واللامادي، سواء في تدمر، أو حلب، أو دمشق، أو الرقة، أو إدلب.
وبينما يُلقي هذا الاكتشاف الجديد الضوء على جانب طريف من الحياة السورية القديمة، فهو يذكّر أيضًا بمدى التنوع والثراء الثقافي الذي امتاز به هذا البلد، قبل أن تُشوّهه الحروب والدمار ونهب الكنوز الحضارية.
في عام 2013، سافر زوج فاطمة عبد الكريم من قريتهم الصغيرة في ريف إدلب إلى العاصمة دمشق لقضاء أمرٍ عائلي، لكنه لم يعد. اختفى فجأة، ولم يصل منه خبر. بقيت فاطمة، المعلمة الشابة، مسؤولة عن ثلاثة أطفال: ولدين وبنت. صلّت كثيراً، بكت طويلاً، ودعت كثيراً، وبقيت تنتظر أن تفتح لها السماء باباً نحو المعجزة.
عائلة زوجها وقفت إلى جانبها، مدّت يدها لها، وساندتها في تربية الأطفال. عملت فاطمة كمدرّسة كي تعيل أبناءها، واستمرت في الحياة رغم الألم والانتظار. بعد سنوات، ومع تغير خريطة السيطرة، وفي أحد المراكز المخصصة لتوثيق أسماء الضحايا، تبيّن أن زوجها قُتل في فترة قريبة من اختفائه. لم يعد لها ما تنتظره سوى العيش من أجل أطفالها.
وحدهن في الميدان
ما عاشته فاطمة يشبه ما مرت به آلاف النساء السوريات اللواتي خطفت الحرب منهن أزواجهن، وتركنهن على قارعة الحياة بمفردهن، يواجهن ظروفاً اجتماعية واقتصادية ونفسية غاية في القسوة. تجاوز عدد المختفين قسراً في سوريا 112 ألف شخص، بحسب تصريحات رئيس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فضل عبد الغني في لقاء إعلامي، وذلك رغم عمليات الإفراج المحدودة التي شهدتها بعض السجون.
إلى جانب ذلك، قُتل آلاف المدنيين نتيجة القصف الذي نفذته قوات المجرم بشار الأسد والمعارك التي اندلعت بين مختلف أطراف النزاع. وراء كل رقم من هذه الأرقام المؤلمة حكاية إنسانية: أرملة ترملت، أطفال تيتموا، أو منزل فقد معيله… حكايات موجعة تشهد على ثمن باهظ دفعته العائلات السورية في حرب لم تنتهِ آثارها بعد.
أم علاء: من حلب إلى كفر لوسين
توفي زوج أم علاء إثر قصف جوي في مدينة حلب، لترث هي مسؤولية أربعة أطفال. اضطرت الأسرة للنزوح إلى مناطق شمالي غربي سوريا نحو قرية كفر لوسين في شمال غرب سوريا، وهناك حصلت على شقة ضمن مخيم خُصص للأرامل. تعمل الآن كمستخدمة في مدرسة قريبة لتؤمّن الحد الأدنى من احتياجات أسرتها. عمرها اليوم 47 عاماً، وكل همها أن تُربي الأطفال وأن تراهم بصورة جيدة في المستقبل.
أم عبد الرحمن: رحلة من الجنوب إلى أطمة
كانت أم عبد الرحمن تعيش في ريف إدلب الجنوبي حين قُتل زوجها في معركة عام 2014. لتصبح المسؤولة الوحيدة عن أطفال صغار، في قرية بدأت تنهار تحت وطأة القصف، لتفر بعدها إلى مخيم للأرامل في مدينة أطمة. في هذا المخيم، تبدأ مرحلة جديدة من التحديات: تأمين الطعام، الحماية، التعليم. استطاعت ابنتها الكبرى أن تجد عملاً لتخفف عن كاهل والدتها بعضاً من العبء.
ابتسام العبد الله: بين الفقد والتضييق
رحلة أخرى عنوانها الغياب الطويل والمصير المجهول. في عام 2012، فُقد زوج ابتسام العبد الله على طريق سفره إلى لبنان. بقيت وحدها مع أربعة أطفال، وانقلبت حياتها رأساً على عقب. لم تعانِ فقط من غياب المعيل، بل من تدخلات عائلة زوجها التي حاولت فرض وصايتها على حياتها اليومية.
هربت إلى تركيا بطريقة غير نظامية، بحثاً عن مساحة من الحرية والأمان. كانت تغبط زوجات الشهداء لأنهن يعرفن مصير أزواجهن، بينما هنّ كن يغبطنها لأنها ما زالت تملك أملاً في رؤيته… حتى جاء اليوم الذي عرفت فيه الحقيقة. زوجها كان بين أسماء الضحايا الموثقة بعد التحرير.
الزواج بعد الفقد: خيار شخصي بين الرفض والقبول
تفاوتت ردود فعل الأرامل بين من اختارت الزواج مجدداً بحثاً عن دعم واستقرار، وبين من قررت أن تكرّس حياتها لتربية أطفالها فقط. الأمر ليس سهلاً، فالقرار يتأثر بالمجتمع، بالأهل، بالأطفال، وبالظروف الاقتصادية والنفسية. إحدى القصص لفتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، تزوجت في سن الخامسة عشرة من مقاتل، ثم اختفى بعد أشهر من الزواج بينما كانت حاملاً.
صبرت، ربت طفلها بمفردها، وما زالت تقيم في أحد المخيمات مع والدتها الأرملة في مخيم تابع لكفرلوسين، بعد ثلاث سنوات من غياب زوجها طلقته عن طريق المحكمة وقررت أن تتزوج لأن أقاربها أقنعوها بأنها ما تزال صغيرة ويجب أن تتزوج.
مخيمات الأرامل: خصوصية مؤلمة
في شمال غرب سوريا، خُصصت عدد من المخيمات للسيدات الأرامل وأطفالهن، منها في أطمة وكفر لوسين وقاح وقاح وغيرها. توفر هذه المخيمات حداً من الأمان المجتمعي، لكن يبقى هناك تحديات والتي تختلف من مخيم لآخر، منها: ندرة الدعم، غياب الخدمات الأساسية، الاكتظاظ، صعوبة الوضع المادي.
الأرامل في هذه الأماكن لا يحملن فقط صفة "زوجة شهيد" أو "زوجة مفقود"، بل يُنظر إليهن أحيانًا كعبء أو كنساء ضعيفات بحاجة لحماية دائمة، ما يفاقم من مشاعر العزلة والخذلان.
تقول فاطمة عبد الكريم (46) عاما، وهي تنظر في صور أولادها الثلاثة: "كنت أبحث عنه في الوجوه، في الأخبار، في الليل حين أغمض عيني... الآن فقط عرفت أنني لم أكن أبحث عنه، بل عني أنا، عن قوتي التي كنت أجهلها." هكذا هن أرامل الحرب: أقوى من العاصفة، وأحن من الأمهات، يختصرن الحكاية في صبرٍ نادر، وشجاعة لا تُروى إلا بالدموع.
بدأت المملكة الأردنية الهاشمية خطوات متسارعة نحو انخراط اقتصادي وتجاري موسّع في سوريا، مستفيدة من رفع العقوبات الأميركية وتخفيف القيود المالية التي كانت مفروضة منذ سنوات على التعامل مع دمشق، في ظل مؤشرات على مرحلة جديدة من الانفتاح الإقليمي والدولي تجاه الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، وصف قرار رفع العقوبات بأنه خطوة استراتيجية مهمة من شأنها أن تعيد تنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مؤكداً أن الأردن وسوريا يرتبطان بمصالح مشتركة وروابط تاريخية عميقة.
وقال الجغبير إن رفع العقوبات، لا سيما القيود المفروضة بموجب “قانون قيصر”، سيساهم في تسهيل حركة البضائع والتحويلات المالية، مما يمهد الطريق أمام القطاع الخاص الأردني للعب دور رئيسي في السوق السوري، خصوصًا في قطاعات إعادة الإعمار مثل البنية التحتية ومواد البناء والطاقة والصناعات الدوائية والغذائية، وهي القطاعات التي يمتلك فيها الأردن خبرات وقدرات تنافسية متقدمة.
وفي مؤشر عملي على هذا التوجّه، تستعد غرفة صناعة عمّان لتنظيم زيارة لوفد صناعي أردني إلى دمشق الأحد، تضم ممثلين عن شركات صناعية في مجالات متعددة. وتهدف الزيارة التي تستمر خمسة أيام إلى تعزيز التبادل التجاري، وعقد اجتماعات مع مؤسسات سورية معنية لتنسيق شراكات تجارية وتكامل صناعي.
كما أعلن الجغبير عن مشاركة 25 شركة أردنية في المعرض الدولي للبناء الذي سيقام في دمشق بتاريخ 27 أيار الجاري، وهو أول حضور صناعي أردني بهذا الحجم منذ سنوات في الفعاليات الاقتصادية السورية. الشركات تمثل قطاعات حيوية لإعادة الإعمار، فيما سيتم تنظيم لقاءات جانبية مع وزارات ومؤسسات سورية لمناقشة مشاريع محتملة.
وأكد الجغبير أن الأردن يسعى ليكون مركزاً لوجستياً إقليميًا لتوريد البضائع إلى سوريا ولبنان وتركيا، معرباً عن أمله في عودة الصادرات الأردنية إلى سوريا لمستوياتها التاريخية التي كانت تتجاوز 181 مليون دينار، بعدما وصلت في الشهرين الأولين من عام 2025 إلى نحو 13 مليون دينار بزيادة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
بدورها، رحّبت وزارة الخارجية الأردنية بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، ووصفت الخطوة بأنها “إيجابية” في طريق إعادة بناء سوريا، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بما يعود بالنفع على الشعب السوري والمنطقة.
وتؤشر هذه التحركات الأردنية إلى رغبة واضحة في الاستفادة من مرحلة ما بعد العقوبات، والمشاركة الفاعلة في جهود إعادة الإعمار، ضمن إطار إقليمي يحاول رسم معالم جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري مع دمشق، في ظل التبدلات الجيوسياسية التي يشهدها الملف السوري منذ نهاية عام 2024.
كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية وأميركية عن انعقاد محادثات مباشرة بين مسؤولين من الحكومة السورية الجديدة ونظرائهم الإسرائيليين في العاصمة الأذربيجانية باكو، في تطور مفاجئ يعكس مرحلة جديدة من التفاعل الإقليمي مع دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وبحسب تقرير لشبكة “سي أن أن” الأميركية نقلًا عن مصدر إسرائيلي مطّلع، فقد جرت هذه المحادثات بحضور اللواء عوديد بسيوك، رئيس شعبة العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وممثلين عن الحكومة السورية، وذلك بمشاركة مسؤولين أتراك.
وقد أكدت القناة الإسرائيلية “12” بدورها أن الاجتماع يأتي في إطار “عملية إقليمية تجري بوساطة إماراتية”، مشيرة إلى أن أذربيجان استضافت اللقاء الأبرز.
من جانبه، أشار موقع “واينت” العبري إلى أن بسيوك اجتمع مع مسؤولين رفيعي المستوى مقرّبين من الرئيس السوري أحمد الشرع، بمشاركة وفد من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وسط حضور تركي لافت، ما يؤكد التنسيق الثلاثي بين إسرائيل وتركيا وسوريا، ولو بشكل غير معلن.
ولفت التقرير إلى أن جهاز الاستخبارات التركي (MIT) يُعد حليفًا وثيقًا للحكومة السورية الجديدة، ما يفسر – حسب الموقع – اختيار أنقرة كجسر لهذه المحادثات، بوساطة من باكو.
وبينما لم تصدر دمشق أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي هذه اللقاءات المباشرة، كان الرئيس السوري أحمد الشرع قد صرّح الأسبوع الماضي أن حكومته تُجري “مفاوضات غير مباشرة” مع إسرائيل عبر وسطاء، بهدف وقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة “حتى لا تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة”، دون أن يسمي هؤلاء الوسطاء.
بالمقابل، نفت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، في تصريح لوكالة “رويترز”، أن تكون بلادها طرفًا في أي وساطة بين دمشق وتل أبيب، ووصفت ما أثير بهذا الخصوص بأنه “ادعاء كاذب تماماً”.
وتأتي هذه التطورات بعد سلسلة من المتغيرات الإقليمية اللافتة، أبرزها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، عقب لقائه الرئيس أحمد الشرع في الرياض الأربعاء الماضي، بمشاركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي شارك عبر تقنية الفيديو.
وكان ترامب قد دعا خلال الاجتماع نظيره السوري للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، وعرض عليه حزمة مطالب تشمل طرد المقاتلين الأجانب وتسليم مراكز احتجاز داعش والتنسيق الأمني ضد التنظيم.
وتنظر إسرائيل، بحسب وسائل إعلامها، بإيجابية حذرة إلى هذه التحركات، معتبرة أن رفع العقوبات قد يسهم في “إبعاد سوريا عن إيران” وربما “يدفعها مستقبلاً إلى التطبيع الكامل”، مقابل التزام سوري بنزع السلاح من جنوب دمشق، وحماية الأقليات، وخاصة الدروز.
يُشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي كثّف مؤخراً من عملياته العسكرية داخل الأراضي السورية، وسيطر على مواقع جديدة في المنطقة العازلة قرب الجولان بعد انسحاب نظام الأسد، مع تصاعد الدعوات الغربية لدعم الحكومة السورية الجديدة ودمجها في المنظومة الدولية.
وبينما ترفض دمشق التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن “بقائهم إلى أجل غير مسمى”، فإن التحركات الإقليمية المتسارعة قد تدفع باتجاه تسوية تدريجية، تشمل وقف العمليات العسكرية المتبادلة، وربما رسم خريطة جديدة للعلاقات بين سوريا وإسرائيل لأول مرة منذ عقود.